كان للأقباط العديد من الأعياد والمناسبات، التي يحتفلون بها كل عام، بعضها يرجع لأصول دينية مسيحية، وبعضها توارثوه من المصريين القدامى، إلا أن كثير من هذه الأعياد بطل الاحتفال به مع مرور الوقت.
وكانت مناسبة ما يعرف بـ”عيد الشهيد” أحد هذه الأعياد التي تم وقف الاحتفال بها في زمن المماليك، حيث اختلط الاحتفال بهذا العيد مع كثير من الممارسات الصاخبة التي رأى فيها أمراء المماليك سببا كافيا لمنعه.
ويوافق عيد الشهيد، يوم الثامن من شهر “بشنس”، وهو الشهر التاسع من التقويم المصري القديم، حيث يشهد بداية موسم الحصاد كل عام، ويوافق 16 من شهر مايو بالشهور الميلادية.
ويقول المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه “السلوك لمعرفة دول الملوك”، أن الأقباط كان لديهم “تابوت” فيه أصبع ينسبوه لأحد شهدائهم، وكانوا يعتقدون أن النيل لا يفيض إلا إذا ألقي فيه هذا التابوت، وكان يتم إلقاء التابوت كل عام في يوم الاحتفال بعيد الشهيد، حيث يتجمع فيه الأقباط من مختلف مناطق مصر، ويتوجهون إلى شاطئ النيل أمام شبرا للاحتفال وحضور إلقاء التابوت، ويشاركهم الكثيرون من أهل القاهرة من مسلمين وأقباط.
إلا أن هذه المناسبة مع مرور الوقت، كحال الموالد التي لاتزال تقام حتى وقتنا الحالي، اختلطت بها العديد من المظاهر الغريبة والاحتفالات الصاخبة، وكان تشهد ليس فقط ركوب الخيل للعب والتسابق والغناء واللهو، بل كان يتعدى الأمر إلى الإسراف في شرب الخبر وإتيان الكثير من المنكرات، ويقول المقريزي، إن أهل شبرا كانوا يدفعون الخراج من ثمن الخمر الذي يجمعوه في هذا اليوم لكثرته الشديدة.
وكانت نتيجة هذه الأفعال، تتطور الأوضاع ليقع الاقتتال بين المشاركين ويسقط عادة كثير من القتلى السكارى.
ونتيجة لذلك، أمر الأمير بيبرس الجاشنكير، الذي كان بمثابة رئيس الوزراء في سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون، في عام 702 هجريا، بإبطال ذلك العيد، ومنع رمي التابوت في النيل، وأمر والي القاهرة بتنفيذ ذلك ومنع الناس من التجمع في يوم الثامن من باشنس.
وظل الاحتفال بعيد “الشهيد” ممنوعا في مصر قرابة 36 عاما، إلى أن عاد الناصر محمد بن قلاوون، وقرر إعادة الاحتفال بهذه المناسبة، وانتشر الخبر في ربوع مصر، أن الاحتفالات بعيد الشهيد سوف تقام من جديد، وبالفعل توجه الآلاف من الناس إلى شواطئ شبرا وأقيمت احتفالات صاخبة كانت أشدا إسرافا في اللهو عن ذي قبل، حتى أن الاحتفال في هذا العام استمر ثلاثة أيام متواصلة.
واستمر الاحتفال على هذا المنوال فترة، حتى عام 755هـ، أثناء سلطنة صالح بن محمد بن قلاوون، حيث شهد تعدي من قبل أمراء المماليك على كثير أملاك المصريين بينهم مسلمين وأقباط، حتى أنهم تم هدم بعض الكنائس بهدف الاستيلاء على الإقطاعات التي بها، وهي الأراضي التي أضيفت إلى أملاك كل من الأمراء شيخو وصرغتمش وطاز.
ومن بين الكنائس التي هدمت، كنيسة كانت بشبرا كان يوجد بها التابوت الذي يلقى في النيل كل عام، حيث أخذ الجنود منها “أصبع الشهيد” في صندوق، وأحضروه إلى السلطان، وأحرق أمامه، ثم قاموا بذر الرماد في البحر، ومن يومها انتهى عيد الشهيد ولم يعد يحتفل به المصريون.