مصير مجهول ينتظر أقدم مجموعة آثار مصرية في دول الاتحاد السوفيتي السابق، والموجودة حاليا بمتحف أوديسا للآثار في أوكرانيا، عقب اجتياح القوات الروسية للأراضي الأوكرانية، خاصة مع بدء اشتداد القتال ووصول الروس إلى مختلف المدن الأوكرانية بما فيها العاصمة كييف، وتعرض الكثير من المباني المدنية للدمار.

ولكن القلق بشأن هذه المجموعة يزداد، إذا ما علمنا أن مدينة أوديسا، التي تعد واحدة من كبريات المدن الأوكرانية، ينتظرها مصير مشابه لمدينتي دونتيسك ولوجانسك، التي تم إعلانهما جمهوريتين منفصلتين عن أوكرانيا وشهدتا معارك عنيفة خلال الأيام الماضية.

فقد قامت القوات الروسية خلال الأيام الماضية بالسيطرة على جزيرة زميني القريبة من أوديسا، قبل أن تبدأ التحرك البري إلى داخل أوديسا فعليا، بالتزامن مع تصريحات للانفاصاليين في دونتيسك ولوجانسك يعدان فيها بمساعدة الانفصاليين في أوديسا لمنحها هي أيضا الاستقلال!

متحدث أوديسا في جنوب أوكرانيا
متحدث أوديسا في جنوب أوكرانيا

أقدم متحف في أوكرانيا

يرجع تاريخ متحف الأوديسا الواقع جنوب الأراضي الأوكرانية إلى عام 1825، عندما كانت أوكرانيا لاتزال جزءا من الإمبراطورية الروسية، حيث يعد واحدا من أقدم المتاحف الأوكرانية على الإطلاق.

كان أول مدير للمتحف هو عالم الآثار والمؤرخ المولود في هولندا، إيفان بافلوفيتش بلارامبيرج (1772-1831)، والذي كان واحدا من مؤسسي المتحف والمدافعين عن فكرة إنشائه.

ويضم المتحف حاليا حوالي 170 ألف قطعة أثرية، تمتاز بالتنوع الكبير وتشتمل على عدد لافت من آثار العصور القديمة، من اليونان وروما وقبرص وكذلك من مصر القديمة.

مجموعة مصرية نادرة

تقول دراسات حديثة، إن متحف أوديسا يضم حاليا من 400 إلى 800 قطعة أثرية ترجع إلى مصر القديمة، تغطي فترة طويلة جدا من التاريخ المصري، بدءا من عصر ما قبل الأسرات وحتى العصر البطلمي.

وتشتمل تلك المجموعة على قطع أثرية متنوعة تمثل مختلف جوانب الحضارة المصرية القديمة، في التاريخ والدين والطقوس الجنائزية والحياة اليومية والحرف اليدوية وغيرها.

وتضم توابيت حجرية وخشبية مزخرفة ومومياوات بشرية وحيوانات، وبرديات وأواني وبعض الأثاث الجنائزي وتماثيل برونزية لأوزوريس، مع بعض الآثار المنقولة من مقابر الدير البحري في الأقصر، بالإضافة إلى طاولات وأواني كانوبية ومجوهرات، بخلاف بعض الملابس والصنادل والمنسوجات والقطع الخشبية.

وتشكل هذه المجموعة أقدم مجموعة للآثار المصرية في البلدان التي كونت في السابق الاتحاد السوفيتي، كما أنها مجموعة الآثار المصرية الوحيدة في أوكرانيا كلها، وثالث أكبر مجموعة أثار مصرية في دول الاتحاد السوفيتي السابق.

من أين جاءت؟

بدأ تكوين هذه المجموعة لأول مرة عام 1826، بعدما تبرع مدير المتحف الأول “بلارامبيرج” بمجموعته الأثرية إلى المتحف الجديد، حيث شكلت مجموعته النواة الأولى لمتحف أوديسا، وكانت تشتمل مجموعة “بلارامبيرج” على آثار يونانية ورومانية قديمة بخلاف الآثار المصرية، وقد قامت حكومة الإمبراطورية الروسية بشراء المتبقي من مجموعة “بلارامبيرج” من ورثته عقب وفاته وضمتها للمتحف.

وتقول بعض الأوراق البحثية، إنه لاتزال طريقة وظروف جمع الآثار المصرية من قبل “بلارامبيرج” غير واضحة، حيث عاش طوال حياته متنقلا بين العديد من البلدان، مرجحة أن يكون قد جمع تلك الآثار المصرية من مزادات أوروبا، وربما أيضا خلال زيارة يعتقد أنه قام بها إلى مصر قبل توليه إدارة المتحف.

وقد ازدادت مجموعة الآثار المصرية بمتحف أوديسا مع مرور الوقت، نتيجة نجاح المتحف في ضم قطع أثرية إضافية، إما عن طريق الاستحواذ والشراء أو عن طريق التبرع.

وكان من أبرز من تبرعوا بآثار مصرية إلى متحف أوديسا، هو الطبيب الفرنسي أنطوان بارتليمي كلوت باي (1793-1868) الذي عمل منظما ومديرا للخدمات الطبية في مصر خلال عهد محمد علي.

وتمت آخر إضافة مهمة إلى مجموعة الآثار المصرية بمتحف أوديسا، عام 1959، عندما تم نقل الآثار المصرية من متاحف أوكرانيا المختلفة وتجميعها كلها في متحف أوديسا، ليصبح متحف أوديسا بذلك مالكا للمجموعة الوحيدة من الآثار المصرية في كامل أوكرانيا.

غياب الإحصاء الدقيق

لفترة طويلة، ظل الإحصاء الدقيق والتفصيلي لمجموعة الآثار المصرية بمتحف أوديسا غير معروف، نظرا لحالة الإهمال التي تعرضت لها المجموعة عقب وفاة “بلارامبيرج”، وهو ما كان سببا في ضياع بعض القطع واعتبارها مفقودة حاليا، كما أن كثير من آثار المجموعة لم تخضع لدراسة علمية دقيقة حتى الآن، ففي الوقت الذي يقول فيه الموقع الإلكتروني للمتحف أنه يشتمل على 400 قطع أثرية مصرية، تقول بعض الدراسات الحديثة إن المتحف يشتمل إلى ما يقارب 800 قطعة أثرية مصرية قديمة!

وربما يرجع السبب في هذا التضارب، إلى أن أول عملية جرد لآثار المتحف ومن بينها مجموعة الآثار المصرية تمت في منتصف القرن التاسع عشر، وخلال عملية الجرد تلك، تم حصر بعض القطع المصرية التي لم يعد لها وجود حاليا، ولم يعرف سبب اختفائها، ربما نتيجة الحروب أو الإهمال أو السرقات.

وكان سيرجي دونيتش، رئيس قسم الآثار المصرية القديمة بالمتحف خلال الفترة من (1927 – 1958) هو أول من حاول ترتيب مجموعة الآثار المصرية بمتحف أوديسا والتعرف على تاريخها الدقيق وتفاصيلها وجردها، وأيضا الإضافة إليها عن طريق بعض المتبرعين للمتحف.

وحتى الآن، لاتزال تجرى العديد من الدراسات التي تبحث في العدد الأصلي لهذه القطع وتحاول الوصول إلى القطع التي فقدت ومعرفة مصيرها، والتعرف على تفاصيلها الفنية وما كانت تحويه من كتابات وقيمة تاريخية وأثرية.