إذا حصلت على ملابس ناصعة البياض ونظيفة بعد الغسيل فتذكر “الجلدكي”. فمن يكون هذا “الجلدكي”؟. إنه علي بن محمد أيدمر، أو كما هو معروف بعز الدين الجِلدكي، يعود نسبه إلى “جِلْدَك” إحدى قرى خراسان في إيران، عاش في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)، وذكرت بعض المراجع التاريخية أنه توفي عام 743 هـ (1343 م)، ويُقال إنه كان كثير الترحال بين القاهرة ودمشق حتى قبل وفاته.
وذكرت دائرة المعارف الإسلامية أنه ألف كتاب “نتائج الفكر في أحوال الحجر” في القاهرة، وكتاب “البدر المنير في معرفة أسرار الإكسير” في دمشق، حيث يُعد من أشهر علماء الكيمياء العرب، ويرجع الفضل إليه في اختراع مسحوق الغسيل.
نظريات “الجلدكي”
يُنسب إلي “الجلدكي” العديد من الآراء والنظريات والشروح الكيميائية، ومنها قوله بأن المواد الكيميائية لا تتفاعل مع بعضها إلا بأوزان معينة، ليضع بذلك اللبنة الأولى في قانون النسب الثابتة، لكن بعد خمسة قرون من وفاته أعلن العالم الفرنسي “بروست” قانون النسب الثابتة لينسبه إلى نفسه، كما توصل “الجلدكي” إلى طريقة لفصل الذهب عن الفضة بواسطة حامض النيتريك، والذي يذيب الفضة تاركاً الذهب.
وقدم “الجلدكي” وصفاً دقيقاً لطرق الوقاية والاحتياطات اللازمة لتجنب خطر استنشاق الغازات السامة الناتجة من التفاعلات الكيميائية، ليعد بذلك أول من جاء بفكرة استخدام “الكمامات” في معامل الكيمياء، حيث أوصى بوضع قطعة من القطن والقماش في أنفه قبل إجراء التجارب الكيميائية.
كذلك درس القلويات والحمضيات وتمكن من إدخال بعض التحسينات على صناعة الصابون، وذلك بإضافة بعض المواد الكيميائية التي تقلل من مفعول المواد الكاوية بها، والتي قد تحرق الغسيل، ما أدى في النهاية لظهور منتج مسحوق الغسيل.
كما اهتم “الجلدكي” بدراسة خواص عنصر الزئبق، وذلك لاعتقاده بأن جميع الأحجار الطبيعية يرجع أصلها إليه، وأوضح في مؤلفاته شروحاً لأنواع مختلفة من التقطير، وشرح طريقته التي مازالت تستعمل حتى الآن مثل أوراق الترشيح والتقطير تحت الحمام المائي والتقطير المزدوج، وهو أيضاً أول من قال بأن المادة تعطي لوناً خاصاً بها عند إحراقها، ويقال إن “الجلدكي” كان على علم بالتركيب الإلكتروني للذرة.
ثروته المعرفية
ألف “الجلدكي” العديد من الكتب العلمية التي صارت مراجع فيما بعد للاحقين في مجال الكيمياء، ومنها: كتاب “البرهان في أسرار علم الميزان”، وهو الكتاب المكون من أربعة أجزاء، وأورد فيه قواعد كثيرة من الطبيعة بما يتعلق بصناعة الكيمياء.
وكذلك كتاب “نهاية الطلب”، والذي يقول عنه المؤرخ البلجيكي “جورج سارتون” في كتابه “المدخل إلى تاريخ العلوم” إنه “من أهم الكتب التي أنتجها العقل العربي، لما فيه من معلومات دقيقة مستنداً في ذلك على إنتاج عمالقة علماء الإسلام مثل جابر بن حيان والرازي”.
كما ألف كتاب “المصباح في علم المفتاح” وهو يضم معظم ما توصل إليه من معلومات عملية، وهو خلاصة لخمسة كتب قدمها سابقا وهي: “البرهان في أسرار علم الميزان”، و”غاية السرور”، و”نهاية الطلب في شرح المكتسب وزراعة الذهب”، و”التقريب في أسرار التركيب في الكيمياء”، و”كنز الاختصاص في معرفة الخواص”.
وله عدة مؤلفات أخرى، ومنها: “البدر المنير في معرفة الإكسير”، و”بغية الخبير في قانون طلب الإكسير”، و”الدر المنثور”، و”الدر المكنون في شارح قصيدة الظنون”، و”درة الغواص وكنز الاختصاص في معرفة الخواص”، و”كشف الستور”، و”مخمس الماء الورقي”، و”نتائج الفكر في أحوال الحجر”، و”شرح قصيدة أبي الأصباع”، و”شارح الشمس الكبرى أبولونيوس”، و”أنوار الدر في إيضاح الحجر”.
وتوجد معظم مؤلفات “الجلدكي” في مجال الكيمياء في شكل مخطوطات في المكتبات العامة الدولية، كما عثر حديثاً بمكتبة الأزهر في القاهرة على 12 مؤلفاً له، أغلبها في علوم الكيمياء.
وتشعب “الجلدكي” في دراسة علوم أخرى غير الكيمياء، مثل: الميكانيكا وعلم الصوت والتموج الهوائي والمائي، وأعطى شروحاً وتفصيلات علمية لبعض النظريات الميكانيكية، وذلك في كتابه “أسرار الميزان”، كما اشتغل بعلمي الطب والصيدلة.
قالوا عنه
قال عنه العالم البريطاني”ارك جون هولميارد” في كتابه “صانعو الكيمياء”: “إن (الجلدكي) يعتبر بحق من العلماء الذين لهم دور عظيم في علم الكيمياء، فقد اهتم اهتماماً بالغاً بقراءة ما كُتب عن علم الكيمياء، فاتخذ من قراءته وتحليله طريقة لبناء مسلك علمي في علم الكيمياء، وهذا ما يسمى بآداب علم الكيمياء العربية والإسلامية، وقام بتجارب علمية في حقل الكيمياء، وإن كان معظم عمله تحليلياً، إلا أنه من العلماء الذين يدين لهم علماء العصر الحديث بالكثير”.