منذ فتح مصر، حرص المسلمون على تأكيد الهوية الإسلامية للمجتمع الجديد. وكان من بين المظاهر التي حاول الفاتح العربي ترسيخها في مصر هو التفرقة بين ملابس العرب وملابس أهل الذمة، من اليهود والأقباط، الذين لم يدخلوا في الإسلام.
كان المرجع لهم في ذلك هو الحديث النبوي الذي نقله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، ورواه ابن حنبل في مسنده، ونصه “من تشبه بقوم فهو منهم”، لذلك فإن الحرص على تنفيذ كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) كان واجباً، ولهذا بعث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مكتوباً لكل البلدان المفتوحة في عهده يؤكد فيها على ذلك.
ومنع بن الخطاب، اليهود والأقباط، من ارتداء بعض الملابس، منها القباء والطيلسان والسراوية ذات الحلقات المفتوحة، ولكن الأمر لم يُتخذ بالحزم اللازم، حتى جاء الخليفة عمر بن عبدالعزيز فطلب بشكل واضح من ولاة مصر والأمصار الإسلامية بشكل عام، أن يتشددوا في شكل الملابس، بل وزاد عليهم بعض الملابس، ومنها النعال العربية.
يقول الدكتور محمد أحمد إبراهيم في دراسته التاريخية “تطور الملابس في المجتمع المصري”، إن الدولة الإسلامية أيضاً حددت ألوان الملابس التي وجب على أهل الذمة ارتداءها، ويضيف “كان عليهم الالتزام ببعض الألوان كالأصفر والأزرق والرمادي، إذ كان المسلمون لا يرتدون هذه الألوان في ملابسهم بكثرة”.
ويؤكد إبراهيم إن هذه الأوامر التي فرضت على المسيحيين واليهود، وحتى بعد تشديدات الخليفة عمر بن العزيز (رضى الله عنه)، لم تمنع أهل الذمة من الاندماج الاجتماعي ببقية عناصر المجتمع، حتى جاء الخليفة الفاطمي المتوكل على الله، وشدد من جديد على ضرورة تنفيذهم الأوامر الأولى، بل زاد عليها تحديد ألوان أخرى لبعض قطع من الملابس للتفرقة بين المسيحيين واليهود من جانب، والمسلمين من جانب آخر، ومنها مثلاً ضرورة عمل رقعتين في ملابس الرجل، تكونان مختلفتان عن لون الثوب الأساسي.
وشأنها شأن كل الأعاجيب التي ظهرت في عصر الخليفة الحاكم بأمر الله، فإن التشدد والصرامة على ملابس أهل الذمة كانت كبيرة أيضاً، حيث ألزم اليهود مثلاً بارتداء قرامي الخشب وحملها فوق ملابسهم، والقرامي هي رأس العجل الذي كان يقدسه اليهود، ثم أمرهم بارتداء العمائم السوداء لأنه الأسود كان لون شعار العباسيين، الذين يعتبرهم الحاكم بأمر الله، خصمه العتيد، وفقاً لما ذكره محمد عبدالله عنان في كتابه “الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية”.
وزيادة في التحديد، جعل نساء اليهود يرتدين نعلاً مختلف اللون، فأحدهما أحمر والآخر أسود.
الغريب وكما يذكر إبراهيم، أن هذه الأوامر شملت أيضاً بعض الوزراء، خصوصاً مع تولي أقباط من أهل الذمة بعض الحقائب الوزارية.