تعرضت الكعبة المشرفة طوال تاريخها للعديد من الحوادث، إلا أنها ظلت صامدة لتؤكد أن للبيت ربا يحميه، وكان من هذه الحوادث التي تعرضت لها الكعبة، حادثة سرقة الحجر الأسود من قبل القرامطة وإبعاده عن الحرم المكي قرابة 22 عاما، حيث وضع في مكان عرف باسم “عين الكعبة”.
فما قصة هذه العين وقصة إخفاء الحجر الأسود فيها؟
عين الكعبة
إذا توجهت إلى قرية الجش بالقطيف شرق المملكة العربية السعودية، ستجد هذا الموضع لايزال موجود حتى الآن، إلا أن الأهالي يطلقون عليه “عين الكعيبة”، ويعد من المواضع الأثرية في القطيف، وهو عبارة عن عين من الماء بنى القرامطة بجوارها بيتا دائريا من الطين والحجارة القوية الشبيهة بحجارة الكعبة المشرفة عام 318هـ ليحج إليه الناس، بعدما قاموا بسرقة الحجر الأسود، وكانت تلك العين قديما تفيض بالماء لتروي المناطق الزراعية حولها.
ويرجح المؤرخ والباحث حسين حسن آل سلهام، إن عين الكعيبة تعود إلى حقبة العمالقة أبناء كنعان بن سنجارب بن نمرود الأول بن كوس بن سام بن نوح، وتتميز بالفن المعماري لبنائها حيث شكلها الدائري المرتفع الذي يصل إلى 8 أمتار.
إلا أنه في عام 2012 طالتها يد العابثين، حيث قام أحد المقاولين المجهولين بهدم العين الأثرية وتسويتها بالأرض، ونتيجة غضب الأهالي قامت هيئة الآثار عام 2015 بترميم العين، إلا أنها لم ترجع لهيئتها الأصلية، وقد وجد الباحثون العديد من مقتنيات القرامطة في موقع تلك الكعيبة يعود تاريخها إلى عصور ما قبل الإسلام.
ولكن من هم القرامطة الذين اتخذوا من هذه الكعيبة قبلة لهم؟
القرامطة هم فرقة سياسية أسسها حمدان بن الأشعث الملقب بقرمط، وانشقوا عن الدولة الفاطمية بعدما قرروا إنشاء دولتهم في محافظة الأحساء الحالية شرق السعودية، حيث نجحوا في انتهاز فرصة ضعف الدولة العباسية والاستيلاء على بعض مناطق الجزيرة العربية، كما ارتكبوا العديد من المجازر على طريق الحج.
واقعة الحرم المكي
ولم تسلم الكعبة المشرفة من أيدي القرامطة، حيث قاد “أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد حسن بن بهرام القرمطي” جيشا عدده 900 جندي، وقاموا باقتحام المشاعر المقدسة في يوم التروية الثامن من ذي الحجة عام 317هـ، وقاموا بالاعتداء على الحجيج وخلع باب كعبة، وقاموا بإلقاء القتلى في بئر زمزم ودفنهن في الحرم بغير كفن ولا غسل ولا صلاة، وقيل أن عدد ضحايا تلك الواقعة وصل إلى قرابة 30 ألف قتيل.
ولم ينته الأمر عند ذلك، بل قام القرامطة في تلك الواقعة بنزع كسوة الكعبة وتقسيمها بينهم ونهب دور أهل مكة، كما قاموا باقتلاع الحجر الأسود وسرقته.
ويقول ابن كثير في وصف تلك الأحداث، أن أبو طاهر القرمطي أمر بأن يقلع الحجر الأسود، فجاء رجل وضرب الحجر بآلة حادة وهو يقول “أين الطير الأبابيل؟ أين حجارة من سجيل؟ ثم أخذوا الحجر معهم وعادوا به إلى القطيف.
وبالرغم من أن أمير مكة توجه إلى القرامطة وسألهم إعادة الحجر إلى الكعبة مرة أخرى وبذل لهم جميع ما عنده من الأموال إلا أنهم رفضوا الاستجابة به، بل قاموا بقتل أمير مكة ومعظم أهل بيته.
ثم قام القرامطة ببناء عين الكعبة ووضعوا بها الحجر الأسود واعتبروها قبلة لهم، وأمروا كل من كان تحت إمرتهم بالحج إلى ذلك المكان.
مفاوضات إعادة الحجر
ويقول “ابن سنان” الذى كان معاصرا لتلك الأحداث :” لقد عُرِضَت الكثير من الأموال على القرامطة كثمن لردّهم الحجر الأسود لكنّهم رفضوا كلّ تلك العروض، وكان السبب الحقيقى وراء امتثال القرامطة للأمر هو التهديد الذى وجّههُ الحاكم بأمر الله الفاطمي إليهم ممّا أجبرهم على ردّ الحجر الأسود إلى مكّة ثانية، وعاد الحجر الأسود إلى مكانه عام 339هـ، وقد حمله رجل من القرامطة يُدعى سنبر بن الحسن القرمطي، ويُقال إن الحجر الأسود حُمل إلى الكوفة قبل إرجاعه، ونصب فى العمود السابع لمسجد الكوفة حتّى يتسنّى للنّاس رؤيته، وقد كتب شقيق أبو طاهر القرمطى رسالة جاء فيها: أخذناه بقدرة الله ورددناهُ بمشيئة الله”.
ويشير الرحالة الفارسي “ناصر خسرو” الذي زار البحرين قرابة سنة 440هـ ، وكتب تقريرا مفصلا عن رحلته في بلاد القرامطة في كتابه “سفر نامه” موضحا أن السبب وراء انتزاع الحجر الأسود وسرقته، يكمن في أن القرامطة زعموا أن للحجر مغناطيس يجذب الناس إليه من أطراف العالم، وأضاف “لقد لبث الحجر الأسود عندهم سنين عديدة، ولم يذهب إليه أحد”.
ويقال إن نهاية أبو طاهر القرمطي سارق الحجر الأسود كانت مؤلمة، حيث ابتلاه الله بمرض “الجدري” ومات بسببه بعدما تقطعت أوصاله وطال عذابه في رمضان سنة 339هـ.