تعتبر الراحلة هدى شعراوي أول ناشطة نسائية في مصر، ومعروف عنها أنها أول سيدة تقود مظاهرات ثورة 1919، وقتها قامت بتنظيم أكبر مظاهرة نسائية مناهضة لبريطانيا، حيث احتشدت النساء في الشوارع لأول مرة تنديداً بالعنف والقمع الذي تمارسه السلطات البريطانية ضد الشعب المصري واحتجاجاً على القبض على الزعماء الوطنيين.
وفي هذا الوقت قامت النساء اللاتي شاركن فى المظاهرات والمتزوجات من زعماء وفديين بتأسيس لجنة الوفد المركزية للسيدات، وانتخبت هدى شعراوي رئيسة لها.
ولدت شعراوي في 1879، بمحافظة المنيا، وهي ابنه محمد سلطان باشا، رئيس المجلس النيابى الأول فى مصر فى عهد الخديوى توفيق، تلقت التعليم فى منزل والدها، وتزوجت في سن الـ13 من ابن عمتها علي الشعراوي – الذي يكبرها بما يقارب الأربعين عاما – ليتغير اسم عائلتها لـ”شعراوى”، أسست جمعية لرعاية الأطفال عام 1907، ثم نجحت فى إقناع الجامعة المصرية بتخصيص قاعات للمحاضرات النسوية.
الدور الرائد الذي قامت به هدى شعراوي أثناء ثورة 1919، وقيادتها للتظاهرات، ودعمها لقضية الاستقلال، ربما اصطدم بخطاب نشر لأول مرة في جريدة الأهرام بتاريخ 10 فبراير 1946، تدعو فيه الشباب الذين خرجوا في هذه الفترة ضد الاستعمار والقصر للعودة إلى صوابهم.
وتقول هدى “أبنائي الأعزاء، عودتموني أن تصغوا إلى ندائي في مثل هذه الظروف، فقصدت مساء أمس إلى كلية الطب لأنبهكم إلى واجب، لا أظن أن ثورة الغضب التي كثيرا ما تنسي الواجبات، قد أنستكم إياه، لكن صوتي لم يصل إليكم جميعاً”.
وتضيف “ها أنا أوجه إليكم ندائي على صفحات الصحف: لا تنسوا يا بني أننا في ظروف نحن أحوج ما نكون فيها إلى التضامن والتعاون، وأن المظاهرات وما إليها من عوامل التفرقة وإثارة الشحناء بين عناصر الأمة المختلفة لن تصل بكم ولا بالبلاد إلى أهدافها القومية، التي نطلب وتطالبون بها، بل بالعكس فهي كلها معاول هدم تعود نتائجها علينا بالوبال والخسارة”.
وتنصح هدى شعراوي في بيانها الشباب بالتزام جانب الحكمة في الجهاد، وتقول “خذوا من دروس الماضي عبراً، واعملوا لمستقبل وطنكم الذي أنت عماده، متذرعين بالصبر وبعد النظر الذي يؤدي إلى نجاح قضيتكم، وحذار أن تقعوا فيما وقع فيه أمثالكم من أغلاط كانت نتيجتها وخيمة، ومازالت جراحها في قلوبنا لم تلتئم”.
وتصدم هدى شعراوي الجميع فتقول “اليوم عيد ميلاد مليككم (الفاروق) الذي أحببتموه وأحبكم والذي حباكم الكثير من عطفه وتشجيعه، وضرب لكم مثل في الوطنية الصادقة والتضحية الخالدة. فرعوا حرمة هذا اليوم السعيد، وعودوا إلى صوابكم تولاكم الله بهديه ورعايته وضمد جراحكم، وهدأ نفوسكم وعوضكم خيراً وألهمكم الصواب والسداد”.
يذكر أن وقائع انتفاضة الطلاب في 46 كان من بين أحداثها أن عقد الطلبة المؤتمر العام الأول في 9 فبراير من 1946 في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، وهاجموا خلاله مبدأ الدفاع المشترك مع بريطانيا الذي يحمل معنى الحماية الاستعمارية، وطالبوا بعدم الدخول في المفاوضات إلا على أساس الجلاء التام، فيما توجهوا بعد ذلك إلى كوبري عباس في مظاهرات حاشدة توصف بأنها الأكبر منذ قيام الحرب العالمية الثانية.
وما إن وصلت المظاهرة إلى الكوبري حتى قامت القوات البريطانية بمحاصرة الطلاب من الجانبين، وفُتح الكوبري عليهم، ما أدى إلى انقسامهم بين طرفي الكوبري، كما بدأ الاعتداء عليهم فسقط العديد منهم في النيل.
الشباب المصري لم يستمع إلى كلمات هدى شعراوي وظل في انتفاضته الكبرى، وبالفعل اندلعت مظاهرات ضخمة في العديد من المدن، ونجح المتظاهرون في عبور كوبري عباس ووصلوا إلى ميدان الإسماعيلية (التحرير حاليا) حيث معسكرات الجيش الإنجليزي فسقط العديد من الضحايا الشباب.