يعتبر الدينار الذهبي المنسوب إلى الملك الإنجليزي الساكسوني “أوفا ريكس” المدون عليه عبارات التوحيد الإسلامية، واحدا من أندر العملات في تاريخ أوروبا الوسيط، كما أنه واحدا من أكثر العملات التي أثارت الكثير من الجدل التاريخي وأطلقت العديد من النظريات لتجيب على سؤال: ما الذي قد يدفع ملك إنجليزي مسيحي إلى كتابة جملة “لا إله إلا الله” على عملة تحمل اسمه؟!

صورة متخيلة للملك أوفا موجودة بمخطوطة عثر عليها بفرنسا

أوفا.. ملك غامض

يقول الدكتور مصطفى الكناني أستاذ تاريخ العصور الوسطى بآداب أسيوط، في كتابه “عصر أوفا ملك إنجلترا الأنجلو ساكسوني”، إن أوفا كان واحدا من أعظم ملوك أوروبا وأكثرهم شهرة وغموضا في العصور الوسطى، حيث استطاع على امتداد عصره الذي امتد 39 عاما أن يخرج مملكته عن عزلتها وبعد جهود مضنية بذلها في شتى الميادين العسكرية والدبلوماسية نجح في توحيد الممالك الأنجلوساكسونية تحت زعامته.

وتولى أوفا عرش مملكة مرسيا بين عامي 757-796، وهي إحدى ممالك إنجلترا الأنجلوسكسونية، وله بعض الآثار الباقية حتى الآن، أهمها “خندق أوفا” الذي بناه لصد هجمات الويلزيين ضده.

ويعبر الكناني عن دهشته من أنه بالرغم من عظم مكانة الملك أوفا في تاريخ إنجلترا، إلا أن جميع وثائق عصره دون غيره من الملوك الإنجليز قد اختفت، وصبغت عصره بالغموض ومنعتنا من التعرف على الكثير من التفاصيل في حياته.

دينار ذهبي

سمع العالم لأول مرة عن هذا الدينار عام 1841 وذلك في تقرير أعده جامع تحف يدعى أدريان دي لو نجبيرير، وأرسله إلى جمعية هواة جمع المسكوكات والقلائد والأوراق المالية بإنجلترا، وأشار فيه إلى أنه قد “حصل على هذا الدينار بعد جهد من دوق دي بلاكاس أثناء إقامته في مدينة روما”.

ونتيجة لأن أول ظهور له كان في مدينة روما، فإن الكثيرين يرجحون أنه عثر عليه في مدينة روما أو إحدى الضواحي القريبة منها.

بعدها انتقل الدينار حتى استقر أخيرا في المتحف البريطاني، حيث يعرض حاليا ضمن مجموعة المتحف من المسكوكات والنقود.

نقوش إسلامية

بمطالعة الدينار سنكتشف أنه كتب على وجهه، وبالتحديد في وسطه جملة “لا إله إلا الله وحده لا شريك له”، وعلى الهامش الدائري جملة “محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله”، وعلى ظهر العملة كتب في وسطها جملة “محمد رسول الله + اسم الملك أوفا بالإنجليزية” وعلى الهامش الدائري جملة “بسم الله ضرب هذا الدينر سنة سبع وخمسين ومئة”.

وجه العملة
ظهر العملة

وبدراسة هذا الدينار، ظهر واضحا أنه تم سكه على طراز العملات العباسية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، كما يظهر جهل ضارب تلك العملة باللغة العربية، حيث حفلت النقوش الكتابية العربية الموجودة على وجهي العملة بالعديد من الأخطاء.

دينار ذهبي عباسي شبيه بعملة الملك أوفا

وفي فتسير سبب قيام ملك مسيحي بضرب عمله عليها عبارات إسلامية، تعددت الآراء، حيث تقول أولى النظريات إن أوفا كان يرغب من وراء ذلك في تسهيل عملية التجارة مع إسبانيا الإسلامية، وهي نظرية يتبناها المتحف البريطاني حيث يقول في المدونة التابعة للمتحف على الإنترنت “كانت العملات الذهبية الإسلامية هي أهم عملة في البحر المتوسط في ذلك الوقت، وهو ما كان يجعل عملة أوفا بهذا الشكل سهلة التداول ومقبولة في جنوب أوروبا”.

بينما يذهب رأي آخر إلى أن السبب هو رغبة الملك في الظهور والشهرة والتفاخر بين أقرانه من الملوك المعاصرين بمقدرته على سك مثل هذا الدينار “المنقوش”، ويضيف أصحاب هذا الرأي أن أوفا ومستشاريه كانوا يجهلون اللغة العربية ولا يعرفون معنى هذه العبارات الموجودة على الدنانير العباسية التي قلدوها.

فيما يعتقد آخرون أن أوفا تعمد ضرب هذه العملة بهذا الشكل، لإرسالها إلى البابا في روما، ضمن الضريبة التي كان يجب عليها أن يدفعها، حيث أراد إثارة غضب البابا الذي كان على خلافه معه.

ويعتقد البعض أن هذا الدينار مزور، وأن طرفا ما قام بإقحام اسم الملك أوفا عليه، مستدلين في ذلك بأن الكلمات العربية كانت مقلوبة في بعض الأحيان وغير متناسقة مع اسم الملك بالإنجليزية.

وأخيرا، يرحج الدكتور مصطفى الكناني في تفسيره لهذه العملة، أن يكون الملك أوفا قد اعتنق الإسلام نتيجة اختلاطه بالتجار المسلمين حيث نشطت التجارة بين الأنجلوساكسونيين وبين الدول الإسلامية في تلك الفترة، مضيفا أن العديد من الجهات في أوروبا خططت للتخلص من أوفا نتيجة اعتناقه الإسلام، مضيفا “ولعل ذلك يفسر سبب اختفاء كافة وثائق عصر الملك أوفا دون غيره من الملوك الإنجليز”.

إلا أن كل تلك الآراء تظل فرضيات لا يوجد أي دليل قاطع على صحة أي منها، لتظل تلك العملة تثير الحيرة وتطرح الأسئلة.