قد يعيش الإنسان عمره بالكامل يسعى وراء الشهرة والنجاح، وقد يصيب شيئا منهما، إلا أن شهرته الحقيقية قد لا تتحقق إلا بعد وفاته!
كانت حياة الناشر والكاتب والعالم الأمريكي “جيروم رودالي” مثالا حيا على هذه المفارقة، فرغم أن الرجل تمتع بشهرة محدودة داخل الأوساط الأمريكية في منتصف القرن الماضي، إلا أن وفاته الغريبة والدراماتيكية أثناء مشاركته في إحدى الحلقات التلفزيونية عام 1971، كانت سببا في ذياع صيته في كل بلدان العالم، وتخليد ذكراه حتى الآن.
رحلة البحث عن الخلود
ولد رودالي في مانهاتن عام 1898، لأسرة يهودية، وكان اسمه عند الولادة “كوهين”، ويظل يحمل هذا الاسم حتى عمر الشباب، وعندما بدأ يحترف التجارة والأعمال المحاسبية، رأى أن اسمه قد يكون عائقا أمام انتشار تجارته، لذا قرر أن يغيره إلى اسم لا يكشف عن انتماءاته الدينية.
بدأ رودالي ممارسة بعض الأعمال المحاسبية، وخوض تجارب صغيرة في الأعمال التجارية الخاصة، وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، حاول الاشتراك بها، إلا أن القوات الأمريكية رفضت ضمه بسبب هزال حالته الصحية وضعف بصره، وهو ما كان سببا لاهتمامه لاحقا بالكتابات الصحية ودفعه لإجراء العديد من الأبحاث في هذا المجال، كما أنه استطاع اختراع جهاز يساعد على أداء التمارين الرياضية.
تزوج من آنا أندروز في عام 1927 وأنجب منها ثلاثة أطفال “روبرت، نينا، روث”، وهم الذين تولوا إدارة شركاته عقب وفاته.
بدأ رودالي شركته الخاصة والتي عرفت باهتمامها بنشر الكتابات الزراعية وتبني الزراعة العضوية الخالية من المبيدات، ثم ضم إليها الاهتمامات الصحية، وفي عام 1950 أطلق مجلة “بريفينشن” أو “الوقاية” والتي كانت تهتم بنشر الوعي الصحي والممارسات الصحية التي تقلل الإصابة بالأمراض، وهي المجلة التي كانت سببا في شهرته على المستوى المحلي في أمريكا، والتي لاتزال تصدر حتى الآن.
كانت الكتابات التي تنشرها شركة رودالي سببا لاشتهار صاحبها في الأوساط الأمريكية بوصفه واحدا من أوائل المدافعين عن العودة إلى الزراعة المستدامة والعضوية في الولايات المتحدة، كما أنه صاحب الفضل في شيوع مصطلع “أورجانيك” على أنه مرادف لمعنى الزراعة بدون استخدام مبيدات، والذي يستخدم حتى الآن بالمعنى ذاته.
ونتيجة اهتمامه بهذه الكتابات الصحية، اشتهر عنه مقولة إنه ينوي أن يعيش حتى يصل إلى عمر “مائة عام” عن طريق التزامه بطريقة العيش الصحية والالتزام بالأسلوب الذي يقيه الأمراض.
نهاية غير متوقعة
في يوم الثلاثاء 8 يونيو 1971، توجه رودالي للمشاركة في إحدى حلقات برنامج المذيع “ديفيد كافيت” ليتحدث إلى المشاهدين عن أسلوب الحياة الصحية الذي يطيل العمر، الحلقة كانت معروضة أمام جمهور عام من المشاركين داخل الاستوديو، وكان يتوقع إذاعتها على التلفزيون في نفس يوم التسجيل مساء.
أثناء الحلقة قال ردوالي إنه في صحة جيدة، بالرغم من تعرضه لسقطة شديدة من على السلالم قبل يوم من تسجيل الحلقة، مؤكدا أنه ظل يضحك على شكله وهو يسقط، وأضاف “لقد قررت أن أعيش حتى مائة عام”، مؤكدا أنه لم يكن يشعر بصحة جيدة مثلما هو عليها في ذلك اليوم.
وقرب نهاية التسجيل، فوجئ مقدم الحلقة أن وجه رودالي تغير وأن هناك خطب ما، فسارع بطلب المساعدة، ليندفع أحد الأطباء الذي كان يشارك في الحلقة ضمن المشاهدين في الاستوديو، محاولا إجراء إنعاش لرودالي إلا أنه لم يفلح، وبدا أن الرجل يلفظ أنفاسه الأخيرة، فتم نقله سريعا إلى مستشفى “روزفلت” وهناك أعلن وفاته رسميا بالسكتة القلبية، عن عمر يناهز 72 عاما.
الحلقة لم تتم إذاعتها أبدا بعد هذا الحدث، إلا أن المذيع كافيت كشف تفاصيلها في أكثر من لقاء علني، وعبر مدونته على الإنترتت التي أنشأها بعد سنوات من هذه الواقعة.
وكانت المفارقة المتمثلة في وفاة رودالي بهذا الشكل كفيلة بأن تدفع مختلف الصحف في عدد من بلدان العالم للكتابة عن هذه النهاية الغريبة لرجل لفظ أنفاسه بعد لحظات من تأكيده إنه سيعيش “مائة عام”، اللافت أن وفاته الدراماتيكية تلك كانت سببا في انتشار مجلته “الوقاية”!
وفي التسجيل التالي يظهر المذيع ديفيد كافيت وهو يحكي بعد سنوات طوال، واقعة وفاة رودالي أثناء إحدى حلقاته التلفزيونية، حيث لا يوجد أي تسجيل مصور للواقعة بعدما رفضت القناة إذاعة الحلقة.