رغم كل الشهرة التي يحظى بها شارع المعز لدين الله الفاطمي بالقاهرة التاريخية، إلا أن هذا الكنز الأثري والمتحف المفتوح لم يكشف بعد عن كل خباياه وأسراره، ولازال يحفظ لنا المزيد من المفاجآت التي لم تظهر للعلن.

فمما لا يعلمه الكثيرون، أن مدينة القاهرة التاريخية الواقع في قلبها شارع المعز، كانت تحفل بالعديد من السراديب الخفية التي أنشأها الخلفاء الفاطميون تحت الأرض لأغراض مختلفة، وهي السراديب التي نسيها الجميع مع مرور الوقت، ولم يعد يتذكرها إلا المنقبين عن الآثار بشكل غير قانوني في الشارع.

و”السرداب” في اللغة، هو ممر خفي ضيق يتم حفره تحت سطح الأرض وفي بعض الأحيان يتفرع عنه حجرات وممرات وفجوات، وقد يستخدم في التنقل من مكان إلى مكان سرا، وجمع الكلمة “سراديب”.

وتأثر الفاطميون في مصر بفكرة السراديب، كونها مرتبطة بالمذهب الشيعي الذي كانوا يعتنقونه، حيث يعتقدون أن إمامهم المهدي غاب في سرداب تحت الأرض وأنه يقيم فيه فترة غيبته ولن يخرج منه إلا آخر الزمان، كما أن بعضهم كان يقول بأن الحاكم بأمر الله لم يختف ولكنه دخل في سرداب وسوف يعود يوما منه ليقر العدل ويسترد حكمه.

ونتيجة حرص الخلفاء الفاطميون على التنقل داخل مدينة القاهرة بحرية والخروج من قصر إلى آخر دون أن يراهم أحد، اتجهوا إلى التوسع في حفر السراديب.

يقول الدكتور أيمن فؤاد سيد في كتابه “القاهرة.. خططها وتطورها العمراني”، إن الفاطميين اتخذوا عددا من السراديب والممرات المبنية تحت الأرض، كان الخلفاء ينزلون إليها من القصر ويسيرون فيها بالدواب يصحبهم عدد من الجواري، ويتوجهون منها إلى القصر الصغير والبستان الكافوري والمناظر المطلة على الخليج، بحيث لا تراهم الأعين في تنقلاتهم الخاصة، وبعض هذه السراديب وصل طوله إلى 500 متر.

وطوال العصر الفاطمي، كان لهذه السراديب استخدامات كثيرة، فمن خلالها حمل جثمان الأئمة الخلفاء: الآمر والحافظ والفائز، الذين وافتهم المنية بجزيرة الروضة وبمنظرة اللؤلؤة على الخليج إلى القصر الكبير، وعندما حوصر الأمير حسن بن الخليفة الحافظ في القصر الصغير عبر عن طريق أحد هذه السراديب إلى القصر الكبير ليحتمي بوالده الخليفة.

كما يقال إنه عندما وصلت رأس الإمام الحسين -رضي الله عنه- إلى مصر قادمة من عسقلان سنة 549هـ/1154م، تم نقلها إلى القصر ومنه إلى المشهد الذي أعد لدفنها في الجانب الآخر من القصر عبر أحد هذه السراديب.

وشارك الوزراء كذلك في عملية إنشاء السراديب، فعندما سكن الوزير العادل زريك ابن الصالح طلائع، في دار سعيد السعداء فتح من دار الوزارة الكبرى إليها سردابا تحت الأرض ليمر فيه.

وكثيرا ما كانت تستخدم هذه السراديب من قبل الفاطميين لتخزين كنوزهم ومقتنياتهم الثمينة أثناء الاضطرابات بخلاف مساعدتهم على الهرب من أي خطر قد يتهددهم، وفي الشدة المستنصرية الشهيرة في بدايات القرن السادس الهجري، قام الجنود الأتراك بنهب العديد من الكنوز التي عثروا عليها داخل هذه السراديب.

وبعد أن زالت الدولة الفاطمية، وأنشئت المدارس في موقع القصر الشرقي الكبير بمنطقة بين القصرين، اتخذت بعض هذه السراديب أسربة للمراحيض، بحسب المقريزي، الذي كان يؤكد في كتابه “الخطط” أن تلك السراديب كانت لاتزال موجودة حتى زمانه وكانت تصب في الخليج.

ومع مرور الوقت، نسي الكثيرون أمر هذه السراديب وانشغلوا بالمباني الموجودة أعلى شارع المعز فقط، غير مدركين أن هناك ما يمكن اعتباره “شارع معز موازي” تحت الأرض.

وقبل ما يزيد على عام تقريبا، أعلن عن ضبط 4 أشخاص كونوا تشكيلا عصابيا للتنقيب عن الآثار داخل أحد العقارات بالجمالية بالقرب من شارع المعز، وهو ما تسبب في حدوث هبوط بجوار مسجد الحاكم بأمر الله، وعثر حينها على آبار أثرية وممرات تؤدي إلى منازل أخرى أسفل الأرض.

فمتى تبدأ وزارة الآثار عملية مسح شامل لشارع المعز تمهيدا لاكتشاف هذه الممرات السرية واستجلاء حقيقتها؟!