أدخلتها “أرامكو” في الثلاثينات ومنعها “الفيديو” في السبعينات وسمحت بها الدولة أول 2018
وافق مجلس إدارة الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع بالمملكة العربية السعودية على إصدار ترخيص لمن يرغب في فتح دور للعرض السينمائي بالمملكة مع بداية 2018.
واجتاح فرح السعوديين موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، وقالوا إن هذه هي أفضل نهاية لعام 2017، العام الذي شهد الكثير من الخطوات الجادة نحو مواكبة التطور في العالم، حيث أخيرا سمح للمرأة السعودية أن تقود سيارة، إضافة إلى مراجعات في بعض الأمور الفقهية.
البعض غرّد بأنه ينتظر من المنتجين والمخرجين السعوديين أن يغزوا العالم، وأن يظهروا مواهبهم، في حين فرح آخرون بالقرار مؤكدين أن لا داعٍ من اليوم للسفر إلى البحرين، حيث كانت المملكة المجاورة هي المتنفس الأقرب للسعوديين الراغبين في مشاهدة العروض السينمائية في دور العرض.
مناطق محددة
وكشف المشرف على قطاع السينما في هيئة الإعلام المرئي والمسموع السعودية، فهد المعمر، عن أن الاستراتيجية المعتمدة تتضمن دراسة إنشاء دُور عرض للسينما بجميع المناطق بالمملكة، على أن يتم الاكتفاء في الوقت الحالي بإصدار تراخيص لدور في المناطق الرئيسية فقط.
وأكد المعمر، في تصريحات صحفية لقناة “الإخبارية” السعودية أن الجهود منصبة الآن على إعداد اللوائح والأنظمة، لافتًا إلى أن الأيام المقبلة ستكشف عن مدى رغبة المستثمرين في ضخ أموالهم في المملكة فيما يتعلق بقطاع السينما.
منتصف القرن الماضي
لأول وهلة، قد يظن البعض أن التصريح بإنشاء دور العرض في السعودية هو الأول من نوعه، ولكن التاريخ الحديث يؤكد أن أول دار سينما في المملكة أقامها موظفون أجانب في شركة “أرامكو” النفطية الشهيرة، وسمحت لهم الشركة بإنشاء صالة عرض صغيرة قاصرة عليهم كنوع من الترفيه، وكان هذا في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي وحتى السبعينيات، وما كان من المواطنيين السعوديين إلا أنهم أنشأوا بعض صالات العرض الصغيرة، حيث اقتصر وجودها بالأندية الرياضية والبيوت الشبابية فقط، ولم تخرج عن نطاق جدة وأبها والطائف والرياض، احتوت على أدوات عرض بدائية، وكانت مخصصة للرجال فقط.
واستمر الحال حتى اتخذت الحكومة السعودية قرارها بإلغاء إقامة دور العرض بشكل نهائي في كل أرجاء المملكة، بعد حادث اقتحام جهيمان العتيبي للحرم المكي الشهير في العام 1979.
رئيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون، سلطان البازعي، قال في تصريحات صحفية عن مسألة إلغاء دور العرض تلك، إن الأحداث السياسية لم تكن سببا في هذا القرار، بل ظهور أجهزة “الفيديو” على حد قوله.
المدهش أن غالبية المواطنين السعوديين في هذا التاريخ وقبله كانوا يجهلون كل شيء عن السينما، حيث ذكر الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي جورج سادول في كتابه الشهير “تاريخ السينما في العالم” أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم العربي خلال فترة السيتنيات التي يجهل سكانها كل شيء عن السينما.
السينما السعودية
قرار إنشاء دور العرض في المملكة بالتأكيد لم يواكب التطور في السينما السعودية، ولم يسر بالتوازي معه، فيعود أول إنتاج سينمائي سعودي إلى العام 1950، وكان فيلما بعنوان “الذباب” بطولة حسن الغانم، والذي يعتبر أول ممثل سعودي يحترف مهنة التمثيل السينمائي، وجاء بعد ذلك مسيرة طويلة من الأفلام السعودية السينمائية التي وصلت تقريباً إلى 255 فيلما بحلول عام 2012.
إلا أن بعد ذلك التاريخ حدث تغير كبير في نوعية الأفلام المقدمة وموضوعاتها والتقنيات المستخدمة لها، إذ نالت الكثير من الأعمال عددا من الجوائز في المهرجانات العالمية، ومنها على سبيل المثال فيلم “وجدة” للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، الذي صعد إلى الترشيحات الأولية لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي لعام 2013.
قضية عدم وجود دور عرض سينمائية في المملكة كانت أيضا مثار حديث بعض الأفلام السعودية، ومنها الفيلم التسيجيلي “سينما – 500 كلم”، حيث اختار المخرج السعودي عبد الله آل عيّاف ملصقا معبرا لفيلمه، يحتوي على صورة رجل يحمل جواز سفره الأخضر ويسير في طريق صحراوي وأمامه لوحة إرشادية تدله إلى أن السينما تقع على بعد ٥٠٠ كيلومتر (في بلد مجاور).
مشاركات الأفلام السعودية في المهرجانات الدولية كانت كثيرة، ومنها فيلم “بركة يقابل بركة” الذي شارك في الدورة 66 لمهرجان برلين السينمائي، ومثله شارك فيلم “ظلال الصمت” في مهرجان كان السينمائي، وهو الفيلم الذي كان من تأليف وإخراج وإنتاج عبدالله المحيسن.
التجارب السينمائية السعودية الجديدة لم تتوقف عند هذا الحد، بل جاءت المخرجة الشابة سميرة عزيز كأول مخرجة سعودية تغزو السينما الهندية “بوليوود” بفيلمها “ريم” الذي تم تصويره في الهند، كما دخل فيلم الأنيميشن الشهير “بلال” موسوعة الأرقام القياسية “جينيس” كأطول مقطع كرتون في السينما، وهو الفيلم الذي استمر صنعه لمدة 4 سنوات.
واستمرارًا للانفتاح السعودي على التجارب السينمائية الأخرى جاء الفيلم السعودي الأمريكي “انتقام أب” الذي أنتجه محموعة من الطلاب السعوديين المبتعثين، من إخراج السعودي طارق ملفي الرويلي.