يأتي إليها المريدون من كل حدب وصوب من داخل جمهورية مصر العربية، ومن خارجها أيضا. يتبركون بمقامها البديع، وبمقصورتها التي ليس لها مثيل.
في الميدان أيضا الجميع يأخذ البركة. الباعة هناك لا يتحدثون سوى عن “كرامة” تواجدهم بالقرب من حفيدة النبي صلى الله عليه وسلم، السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها، أخت الشهيد الحسين بنت الإمام علي كرم الله وجهه.
الكل في منطقة السيدة زينب لا يتحث إلا عن أم هاشم، كمعلم عظيم من معالم القاهرة المحروسة، وكضريح ومقام للبركة والتبرك.
مولد السيدة زينب غير عادي. تكاد أن تتعثر كل خطوة بسبب الزحام وتكدس البشر الذين يأتون لمجرد مشاهدة ضريح رئيسة الديوان، وكذا حضور حضرات أهل الذكر التي يقيمونها بجوار الضريح في مشهد صوفي بالغ التأثير والروحانية.
إلا أن كل هؤلاء – وفي قلبهم ومعظمهم غير الدارسين للتاريخ – لا يعلمون أنهم يأتون لضريح ليست مدفونة فيه السيدة زينب أخت الحسين وبنت علي وفاطمة الزهراء!.
تماما كحالة ضريح الرفاعي وكحالة كثير من أضرحة أولياء الله من آل البيت الذين ربما لم يأتوا إلى مصر في الأساس، ومع ذلك يقيم لهم الناس ضريحا، ويتداولون أنهم مدفونين فيه.
أما عن حالة ضريح السيدة زينب تحديدا فالمصادر التاريخية تجيب وتوضح.
– المؤرخ ابن الأثير في كتابه الموسوعي (الكامل في التاريخ) روى أن الخليفة يزيد بن معاوية أمر بترحيل السيدة زينب ورفاقها من الشام إلى الحجاز في العام 61هـ، بل وبعث معهم رجل من أهل الشام فيسير بهم إلى المدينة المنورة، ثم توفيت السيدة زينب بعد هذا الترحيل بعام واحد أي 62هـ وقت أن كان النيل يغمر منطقة السيدة زينب بالكامل، بل استمرت المنطقة مليئة بالبرك والمستنقعات بعد انحسار النيل عنها نحو 300 عام كاملة.
– كما أن من التقاليد الثابتة في مصر منذ العصر الفرعوني وحتى الآن أن أهلها يتجنبون دفن موتاهم في المناطق الرطبة القريبة من شاطيء النيل، حيث كان الابتعاد إلى المناطق الصحراوية أفضل وأسلم.
– الأمر الآخر أن ثمة ضريح بمصر للسيدة زينب لم يُذكر في معظم الكتب التي تحدثت عن الزيارات التي أجراها المؤرخون والرحالة العرب، ومنهم على سبيل المثال الرحالة محمد العبدري الذي زار مصر سنة 688هـ (أي بعد وفاة السيدة زينب بأكثر من 6 قرون)، ولم تأتِ في زيارته أي شيء يذكر عن ضريح للسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب.
– يثبت في مجمل كتب التاريخ أن السيدة زينب مدفونة بالفعل في منطقة البقيع في المدينة المنورة.
– يوجد في معظم البلاد العربية – وبالأخص سوريا والعراق – كثير من الأضرحة المسماة باسم السيدة زينب، ويعتقد كثير من أهل هذه المناطق أن السيدة زينب بالفعل مدفونة فيها.
– مؤرخ المزارات ابن الناسخ أرجع هذا الأمر إلى مصطلح من ابتكاره وهو “قبور الرؤيا”، أي يحلم شخص موثوق فيه أن فلانا مدفون هنا، فيشيع ذلك على أتباعه، وبالتالي ينتشر الأمر ويتداوله الناس ليصير في مقام الحقيقة عندهم.
وعليه فإن الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه “المنن الكبرى” أكد أن شخصا اسمه علي الخواص أشاع في العام 935هـ أنه رأى رؤيا أن السيدة زينب مدفونة قرب منطقة قناطر السباع (ميدان السيدة زينب حاليا)، وبالفعل كان يذهب إلى أحد الأماكن في المنطقة ليعتني ويتبرك به، ثم توسع الأمر وبنى ضريحا، وأخذ الضريح يكبر شيئا حتى صار مسجدا كبيرا.
– الأمر الأخير أنه الكنائس كانت تحيط منطقة قناطر السباع (السيدة زينب حاليا) في العصور الإسلامية الوسطى، وهو الأمر الذي كان يدفع المسلمين إلى الابتعاد عن تلك المناطق والسكن في المدن التي أقاموها مثل الفسطاط والعسكر والقطائع وغيرها، وعلى هذا فإن مسألة مجيء السيدة زينب رضي الله عنها إلى مصر وإلى هذه المنطقة تحديدا والوفاة فيها في هذا الوقت المبكر جدًا من التاريخ أمر من المستحيلات.