إذا كان لا يليق ولا يجوز قيمة ومقاما وضع كلام سيد الخلق صلى الله عليه وسلم أمام كلام طبيب خواجة في كفتي ميزان، فإن مسؤولية هذه المقارنة تظل عالقة في رقاب الذين يصرون على الخلط بين قداسة النبي في كل ما هو ديني وبين بشريته وإمكانية خطاءه في بعض ما هو دنيوي والتي لم يعترض عليها النبي نفسه ولا حتى الله عزوجل في كتابه الكريم.
فقد تراجع صلى الله عليه وسلم عندما نصح مزارعي المدينة بعدم تأبير النخيل قائلاً (لعلكم لو لم تفعلوا ذلك كان خيراً) فلم فسد المحصول وصار شيصاً قال لهم (ما أنا بصاحب زرع ولا نخيل، لقحوا فإني إنما ظننت ظناً والظن يخظئ ويصيب، فلا تواخذوني بالظن) ثم قال حازماً ليفصل بين ما هو من عند الوحي وما هو دنيوي (ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل) و(إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر.. أنتم أعلم بأمر دنياكم).
وكذلك فعل في غزوة بدر عندما اختار موضعًا غير مناسب لعسكرة المسلمين واعترض “ابن المنذر” قائلاً له (هل هو وحي من الله أم هي الحرب والمكيدة) فلما أقر النبي بأنها الحرب والمكيدة حدد ابن المنذر المكان المناسب بالقرب من عين ماء بدر مما مكن المسلمين من الماء وأصاب الكفار بالعطش وحقق النصر العظيم، كما حدث أيضافي غزوة الخندق حيث وافق النبي على مقترح “سلمان الفارسي” بحفر الخندق الذي حقق النصر.
أما عن الحجامة والتي تداوى بها العرب نقلاً عن الصينين والهنود والفراعنة حتي أنهم نسبوها لآدم عليه السلام، لذا أوصي بها النبي فقال (خير ما تداويتم به الحجامة والفصد) و(إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم، فإن الدم إذا تبيغ بصاحبه قتله) وقال أيضا (أخبرني جبريل بأن الحجم أنفع ما تداوي به الناس) وحدد أياما 17، 19، 21 من الشهر العربي وفضل فترة ما بين الظهر والعصر.. ولقد كان ومازال يُظن أنها تعالج أمراض النفس والبدن مثل الأنيميا والناسور والروماتيزم وأمراض الجلد وحبوب الوجه فضلا عن الضعف الجنسي والعقم.
ولكن بمرور الزمن تطور العلم وظهر العلم الطبي الحديث الذي يعتمد على الملاحظة والتجربة والبحث عن العلة والسبب ومحاولة الوصول لعلاج الأمراض عن طريق معرفة أسبابها وما تحدثه في الجسم من تغيرات مرضية والبحث الاختباري التجريبي عن العلاج المناسب في الظروف المناسبة وتحديد نتائجها المرجوة وأعراضة الجانبية ومضاعفاته.
وفي دراسة حديثة نشرت عام 2008، قال الباحثان “سيمون سينج” و”إيزارد إرنست” إنه لا يوجد أية أدلة علمية تدعم وجود فائدة إيجابية للعلاج بالحجامة، بل العكس فقد تؤدي إلى توسيع الأوعية الدموية وتمزقها والارتشاح والكدمات، كما تساعد في ظهور مجموعة من الأمراض رصدها العالم الألماني “كوبنر” مثل (الصدفية – البهاق – الحزاز – ورم كابوسي – مرض دارير- مرض إستيل – والتقيح الجلدي الغرغرينيا) ونقل أمراض معدية مثل (اللميساء المعدية – السنط والإيدز واإلتهاب الفيروسي الكبدي)، لذا كان من الطبيعي أن يندثر العلاج بها ويطويها النسيان شأنها شأن وسائل العلاج القديمة التي طواها التاريخ كالكي والفصد.
لكن بعض التيارات الدينية في محاولة امتدادها وسيطرتها بالنفط وعائداتها الدولارية ومع انهيار الاتحاد السوفياتي وصناعة تنظيم القاعدة ومن بعده داعش، ومحاولة خلق هوية إسلامية شكلية، عملت على التمسك ببعض المظاهر الشكلية ومنها الحجامة والختان والتداوي بالقرآن وببول الإبل ولعق الذبابة التي سقطت في الطعام، ومحاولة الزج بالنبي بالدعوة إلى أحاديث مشكوك فيها إما لضعفها أوعدم منطقيتها، وحتى وإن كانت صحيحة فهذا رأيه في زمنه وتاريخه، ولو كان بيننا اليوم وعرضنا عليه مخاطر الحجامة لقال عن الحجامة (إنما ظننت ظناً) تداوا بالطب والصيدلة (أنتم أعلم بأمر دنياكم).