الوقت الذي يستغرقه إنشاء جروب على الفيسبوك، قد لا يتجاوز ثلاث دقائق، تقوم خلالها باختيار اسم ووضع صورة وإضافة بعض الحسابات إليه، وهو أمر بسيط للغاية، إلا أن المعقد والمدهش حقا، هو أن يتحول الجروب وخلال ثلاثة أشهر تقريبا، إلى مجتمع تضامني غير مسبوق يضم مليون ونصف رجل من مختلف الفئات والأعمار والمناطق داخل مصر وخارجها، رافعين شعارا واحدا هو “جدعنة ولاد البلد”، عن أشهر جروب في مصر والوطن العربي نتحدث، جروب “جت في السوستة”.
يا رجال مصر اتحدوا
في مايو الماضي بدأت الفكرة لدى أدمن الجروب، إنشاء مجتمع افتراضي للذكور فقط، يناقشون فيه قضاياهم بحرية تامة، دون أي حرج من اطلاع النساء على مناقشاتهم، جروب يسمح لهم بإثارة أي فكرة أو مشكلة يتحرجون من طرحها على صفحاتهم الشخصية، ويبحثون لها عن حلول مناسبة ويتبادلون خبراتهم المختلفة، مع التمسك برفض إثارة الجدل حول ملفين محددين، “الدين” و”السياسة”.
الفكرة على بساطتها، والاسم الذي لا يخلو من الإحياء، كانا كفيلان بجذب الآلاف خلال أيام معدودة، حيث تجاوز أعضاء الجروب المائة ألف الأولى في شهره الأول، ولم يكد يمر الشهر الثاني إلا واقتربوا من المليون، والآن يتجاوزون المليون ونصف المليون عضو بالجروب، بينهم عشرات الأدمنز، حتى بات من الصعب أن تجد رجلا في مصر ليس عضوا في الجروب أو لا يحاول الانضمام إليه.
وكان من أهم أسباب انتشار الجروب بهذا الشكل، هو “الإحساس بالخصوصية”. فالنساء ممنوعات من دخول الجروب، ومن يتم ضبطها وقد دلفت إلى الجروب بالخطأ، تحذف فورا، أضف إلى ذلك حظر إدارة الجروب لنقل أي نقاشات تحدث داخله إلى صفحات الأعضاء الشخصية، ومن يفعل ذلك يكون الاستبعاد مصيره الحتمي.
نقلة نوعية
إلا أن اللافت في الأمر، ليس فقط العدد الضخم الذي استطاع أن يكسب جروب “جت في السوستة” ثقته في تلك الفترة المحدودة، بل في الدور الذي بات يلعبه الجروب ككل، عندما تحول بشكل تلقائي إلى حالة من التضامن الشديد بين أعضائه، ربما لم يشهد مثلها أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي في الوطن العربي من قبل.
بدأت هذه الحالة، عندما أخذ أعضاء الجروب يلجأون إلى بعضهم البعض في مشكلاتهم الصغيرة، للبحث عن حلول مناسبة، ليتوسع الأمر ويخرج من كونه طرح للحل فقط، إلى المساعدة في تنفيذ الحلول، فبدأوا في مساعدة من يبحث عن وظيفة، أو نجدة من تعرض لأزمة مادية أو قانونية، أو جمع أموال لعلاج أصحاب الحالات الصعبة والحرجة، ثم حدثت القفزة النوعية بتمدد تأثير الجروب إلى المصريين بالخارج، وهو ما جعل التضامن بين أعضائه يتخذ شكل أسري نادر، أكسب الجروب زخما وقوة.
فجولة صغيرة على البوستات التي نشرت على جروب “جت في السوستة” تظهر كم من التجارب أشبه بقصص الأفلام والروايات، إلا أن أعضاء الجروب جعلوها حقيقة، تجارب لا تخلو من مفارقة شديدة الغرابة، أو مفاجأة غير متوقعة على الإطلاق، أو من فرحة تدمع لها الأعين.
تطور دراماتيكي
سارت الأمور على هذا المنوال، إلى أن عرض أحد أعضاء الجروب علاج فتاة تدعى “رحمة” مصابة بالتهاب في النخاع الشوكي، وتحتاج مبلغ مالي كبير للعلاج بالخارج، فسارع أبناء الجروب المخلصين إلى نجدتها، وخلال أيام جمع مبلغ لم يتوقعه أحد.
وقبل أن تتمكن “رحمة” من السفر للخارج، بدأت تثار النقاشات بين الأعضاء، عن حقيقة وصول هذه المبالغ إلى والدة الفتاة المريضة، وهو ما رد عليه مؤسس الجروب بحزم مؤكدا أن أحدا من إدارة الجروب لم يتكسب من قضية “رحمة” وأن الغرض الأساسي كله كان مساعدتها ليس إلا، وفي ظل ازدياد حدة النقاشات واتهامات للبعض بمحاولة تشويه الجروب، أعلن مؤسس المجموعة أنه يتجه لإغلاقها ووقف هذه الاتهامات، لتصبح واحدة من أكثر التجارب الاجتماعية فرادة واختلافا عبر السوشيال ميديا في مصر مهددة بالوفاة مبكرا.
جت في السوستة مستمر
إلا أن هذه العراقيل والأزمات التي ضربت الجروب مؤخرا، لا تعني أنه سينتهي فعلا، بل على العكس، وكما يقول المثل المصري الشهير “الضربة اللي ما تقتلكش تقويك”، فقد تكون هذه الأزمة سببا في إعادة ترتيب الأوراق داخل جروب “ولاد البلد” ليصبح أكثر صلابة خلال الفترة المقبلة، وأكثر حنكة في إدارته واختيار الأدمنز، بل وفي تطوير دوره الاجتماعي وتشعبه.
وبعد استعراض هذه التجربة المميزة، يمكن استخلاص ثلاثة أسباب واضحة، تؤكد وجهة النظر السابقة في قدرة الجروب على الاستمرار:
1
تعمد إفشال التجربة.. فقد بدا واضحا للجميع، أن هناك مجموعة دخلت الجروب مظهرة حسن النية، بينما كانت تنتوي ضرب “جت في السوستة” وتفكيك المجموعة وإفساد تجربتها من الداخل، والقضاء على دورها، بعدما أصبح بهذا الحجم.
افتضاح أمر هؤلاء، يجب أن يدفع القائمين على الجروب لمواجهتهم عبر مزيد من التماسك والتلاحم، وتفويت الفرصة عليهم، فربما كان من السهل إنشاء الجروب وتنميته، إلا أن الأصعب هو الحفاظ عليه في مواجهة مثل هذه الأزمات.
2
حجة يسهل الرد عليها.. فالسبب الرئيسي الذي كان مدخل محاولات شق صف أعضاء الجروب، هو قضية جمع الأموال وآليات وأساليب جمعها، وهو ما يمكن تلافيه مستقبلا بوضع آليات واضحة لمساعدة مثل هذه الحالات وتلقي تبرعات الأعضاء عنها، بحيث ترسل التبرعات فورا إلى من يحتاجها دون أن تمر على طرف ثالث.
3
حالة فريدة.. فالحالة التي خلقها الجروب، والروح المختلفة التي بثها في أعضائه، تجعل من الصعب التخلي عنها بهذه السهولة.
فبعدما وجد هذا العدد الضخم من الرجال ضالتهم في هذا المجتمع الصغير، الذي أصبح كأسرة كبيرة متماسكة متحابة، يصعب عليه أن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات التفكيك، وهو الذي لم يعتد أن يقف موقف المشاهد لمن يحتاج المساعدة، فما بالك إن كان من يحتاج المساعدة هذه المرة، هو الكيان نفسه الذي جمعهم وجعل منهم إخوة! وهو ما ستبتثه الأيام المقبلة عن “جت في السوستة”.
اقرأ أيضًا: سؤال الساعة في مصر: هو احنا شعب كئيب بطبعه؟