صدم العالم مساء يوم الاثنين 15 أبريل 2019، باندلاع حريق هائل دمر جزءا كبيرا من كاتدرائية نورتدرام في قلب العاصمة الفرنسية باريس، والتي تمثل قمة الفن والعمارة القوطية التي سادت في القرن الثاني عشر الميلادي.

الغريب في تاريخ تلك الكاتدرائية التي تعد رمزا فريدا ومعلما سياحيا هاما، أنها تعرضت لعمليات تدمير وتخريب عدة طوال تاريخها الذي امتد لمئات السنين، حيث لم يكن هذا الحريق هو أول حادث تتعرض له الكاتدرائية.

فقد بنيت النسخة الأولى من كاتدرائية نوتردام على يد الملك شيلدبرت الأول عام 528م، إلا أن النسخة الأصلية هدمت وتمت إعادة بنائها على الطراز القوطي خلال القرن العاشر الميلادي، حيث قرر أسقف باريس موريس دي سولي بعد توليه المنصب أن الكاتدرائية لم تعد تليق بمكانة العاصمة الفرنسية، وقرر هدمها وإعادة بنائها مجددا، حيث تم اتكمال بنائها الجديد في عام 1240.

وبدءا من عام 1548، كانت الكاتدرائية على موعد مع موجات عنيفة من التدمير على أيدي من اعتبروا أن طرازها القوطي الذي بنيت به يحتوي عناصر وثنية تخالف العقيدة المسيحة ويجب إزالتها، ومن هذه الموجات تدمير تمثال ضخم كان موضوع قرب المدخل الغربي يرجع تاريخه إلى عام 1413، كما تم تدمير عدد من النوافذ الملونة بالزجاج في الأجنحة الشمالية والجنوبية للكاتدرائية، وغيرها من العناصر المعمارية الهامة التي طالتها يد التخريب.

وخلال الثورة الفرنسية عام 1793، تعرضت الكاتدرائية مجددا للتدمير وتعرضت كنوزها للنهب، وتسببت الاضطرابات في هدم أحد أبراج الكاتدرائية يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر، بالإضافة إلى مجموعة من تماثيل ملوك الكتاب المقدس كانت موضوعة على واجهة الكاتدرائية، حيث تم قطع رؤوس تلك التماثيل، ومن جملة عمليات الإهمال تحولت الكاتدرائية خلال تلك الفترة إلى مخزن لتخزين المواد الغذائية.

وبالرغم من أن الكاتدرائية خضعت لعملية ترميم شاملة بدأت عام 1845 أشرف عليها المهندس المعماري الشهير يوجين فيوليه لو دوك، إلا أن تلك الترميمات لم تعش أكثر من مائة عام، حيث جاءت أحداث الحرب العالمية الثانية لتترك بصمتها على الكاتدرائية مخلفة دمارا كبيرا على العديد من عناصرها المعمارية بسبب ما تعرضت له باريس خلال تلك الحرب من قصف ومعارك عنيفة، قبل أن يتم إخضاع الكاتدرائية مجددا لعملية ترميم محدودة بعد الحرب.

وفي عام 1991، بدأ تنفيذ برنامج شامل لصيانة وترميم الكنيسة، استمر عدة سنوات، كما أن الكنيسة كانت تخضع خلال الحريق الذي اندلع بها مؤخرا لعملية ترميم لبعض عناصر، قبل أن يأتي الحريق ويدمر أغلب المبنى الرئيسي للكنيسة وانهيار برجها الشهير بالكامل.