ثار جدل كبير خلال الساعات الماضية عبر الشبكات الاجتماعية في الوطن العربي، وخاصة في مصر، بعد إعلان المكتبة الوطنية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، تدشين أرشيفا رقميا لصحيفة “الأهرام” المصرية، وإتاحته للقراء في كل مكان، وهو ما دفع الكثيرون للتساؤل عن كيفية وصول أرشيف الأهرام لمكتبة الاحتلال؟ وكيف استحوذت عليه؟ وهو ما سنحاول الإجابة عليه في هذه السطورة.
تغريدة مضللة
بدأت الواقعة بتغريدة على حساب “إسرائيل بالعربية” التابع لوزارة خارجية الاحتلال بموقع تويتر، قال فيه نصا “المكتبة الوطنية الإسرائيلية تدشن أرشيفا رقميا لصحيفة الأهرام المصرية”، مضيفا أن المكتبة الوطنية في القدس أطلقت مشروعا جديدا لمشاركة الجمهور بما تملكه من وثائق ومعلومات، وهذه المرة تضع بين أيديهم في كل مكان نسخا من صحيفة الأهرام المصرية العريقة التي تأسست منذ عام 1875.
وبعدها، نشر الحساب الرسمي للمكتبة الوطنية للاحتلال على فيسبوك، منشورا يؤكد فيه هذه المعلومة، مضيفا أن أرشيف صحيفة الأهرام المصرية بات متاحا رقميا ضمن خدمات المكتبة، وأن على راغبي الاطلاع على الأرشيف، إما زيارة مقر المكتبة في القدس المحتلة للاطلاع عليه، أو التواصل مع المكتبة عبر بريدها الإلكتروني وطلب الاطلاع على الأرشيف عبر الإنترنت من خارج المكتبة.
قبل أن تضيف في تعليق على المنشور السابق موضحة، أن من يريد الوصول إلى الأرشيف الرقمي من خارج مقر المكتبة لابد أن يحصل على رمز للدخول (كود)، مشيرة إلى أن الرمز صالح فقط للاستعمال في “داخل البلاد” -تقصد الأراضي المحتلة- وأن رموز الدخول تلك محدودة لـ10 أشخاص فقط كل شهر.
شركة أمريكية
إلا أن البحث وراء حقيقة ما نشرته المكتبة الوطنية للاحتلال، يظهر أن المكتبة لم تصبح مالكة لنسخة ورقية من أرشيف صحيفة الأهرام المصرية، بل ولم تحصل على حق ملكية النسخة الرقمية منه، ولكنها حصلت فقط على حق الوصول إلى أرشيف رقمي للأهرام مملوك لجهة أخرى، بهدف إتاحته للمترددين على المكتبة والمستفيدين من خدماتها.
وما يؤكد ذلك أن المنشور الموجود على صفحة المكتبة الوطنية للاحتلال على فيسبوك، مرفق معه رابط الأرشيف، الذي يظهر بكل وضوح أنه غير مرتبط بموقع المكتبة على الإنترنت، ولكن مرتبط بموقع شركة أمريكية اسمها (East View).
وشركة (East View) هي شركة متخصصة في توفير خدمات المعلومات لغير الناطقين بالإنجليزية، ومنها قواعد البيانات العربية والدوريات والمطبوعات والكتب العربية، وتقدم خدماتها بشكل أساسي إلى المؤسسات الأكاديمية والمنظمات الحكومية والمكتبات العامة في مختلف أنحاء العالم، أي أنه يمكن لأي مكتبة وطنية في العالم -مثل مكتبة دولة الاحتلال- الدفع مقابل الحصول على خدمات قواعد البيانات التي تقدمها الشركة.
الشرق الأوسط
وتركز الشركة الأمريكية اهتمامها على توفير قواعد البيانات المتعلقة بالمنطقة الشرقية من العالم، لذا تضم أرشيفات عديدة لصحف صادرة في روسيا وأوروبا الشرقية وآسيا، بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط.
وتقدم من خلال قواعد بياناتها، نسخا رقمية لعدد من الصحف والمجلات الصادرة في المناطق المذكورة -موزعة على قرابة 30 دولة- وتتيح الاطلاع عليها بشكل مجاني -لبعض الصحف- وبشكل مدفوع -شهري أو سنوي- لصحف أخرى نادرة ومن بينها أرشيف صحيفة الأهرام المصرية.
وتتيح الشركة الأرشيف الرقمي لأكثر من 80 صحيفة صادرة في منطقة الشرق الأوسط، أغلبها ناطقة بالعربية، بينها 9 صحف مصرية هي: الأهرام الجمهورية، البلاغ، المقطم، المصري، المؤيد، الشعب، العلم، مصر الفتاة، الأهالي، وجميعها متاحة مجانا باستثناء أرشيفي الأهرام والجمهورية.
كما تضم أرشيفات لصحف أخرى من الجزائر والعراق وفلسطين والأردن ولبنان والمغرب والسعودية وسوريا، وأغلبها متاحة بشكل مجاني أيضا.
كيف تحصل على الأرشيفات؟
السؤال الملح حاليا، هو كيف تحصل الشركة الأمريكية المذكورة على أرشيفها من الصحف التي تقوم بتحويله إلى نسخ رقمية؟ الإجابة موجودة على موقعها الإلكتروني.
حيث تشير الشركة إلى أن البرنامج الذي أطلقته والذي يحمل اسم East View Global Press Archive، والذي توفر من خلاله النسخ الرقمية للصحف السابق الإشارة إليها، اعتمد بشكل أساسي على أعداد الصحف المطبوعة الأصلية التي جمعتها مؤسسة “هوفر”، وهي مركز أبحاث أمريكي يقع مركزه داخل جامعة ستانفورد بكاليفورنيا.
ويفهم من موقع مؤسسة هوفر، أنها جمعت أرشيفها من الصحف المطبوعة الأصلية، على مدار سنوات طويلة عن طريق الشراء من جامعي الصحف والكتب في عدد من أنحاء العالم، وهي أعداد أصلية غير تلك الموجودة داخل المؤسسات الصحفية التي أصدرت تلك الصحف.
إلا أن محمود كامل، عضو مجلس نقابة الصحفيين، أكد في منشور له عبر صفحته بموقع فيسبوك تعليقا على واقعة ظهور أرشيف صحيفة الأهرام لدى مكتبة الاحتلال، أنه حصل على معلومة من مصادر مطلعة داخل مؤسسة الأهرام، تفيد بأنه قبل 8 سنوات من الآن، قام مسؤول بمؤسسة الأهرام حينها، ببيع أرشيف الأهرام للشركة الأمريكية (East View) مقابل مبلغ 185 ألف دولار.
كذب مكتبة الاحتلال
وبغض النظر عن طريقة حصول الشركة الأمريكية على النسخة الرقمية للصحيفة الأهرام، إلا أن الثابت هنا أن المكتبة الوطنية في الأراضي المحتلة لم تحصل على نسخة ورقية من أرشيف الأهرام كما اعتقد البعض، بل إنها لا تملك حق النسخة الرقمية لأرشيف الأهرام، ولكن فقط حصلت على حق الوصول إلى النسخة الرقمية المملوكة للشركة الأمريكية السابق ذكرها، بهدف إتاحتها للمستفيدين من خدمات المكتبة.
كما أن هذا الوصول محدود كما يظهر، حيث أن الاطلاع على الأرشيف الرقمي من خلال الحساب الذي حصلت عليه المكتبة الوطنية للاحتلال، يستوجب التواجد داخل مقر المكتبة في مدينة القدس المحتلة، أما راغبي الاطلاع عليه من خارج المكتبة فلابد لهم للحصول على أكواد للدخول، ولا يمكن لأكثر من 10 أشخاص الحصول على هذه الأكواد كل شهر، إضافة إلى شرط مهم وهو أن هذه الأكواد لن تعمل على أجهزة الكمبيوتر خارج الأراضي المحتلة.
في النهاية، يبقى القول أن المؤسسة الوحيدة في مصر، التي تملك حق الوصول إلى هذا الأرشيف الرقمي للشركة الأمريكية حاليا هي “الجامعة الأمريكية بالقاهرة”، بينما لا تملك مؤسسة الأهرام على حد علمنا نسخة رقمية من أرشيفها! فيما تسعى الشركة -بحسب تصريحات سابقة لها- للتواصل مع مكتبة القاهرة لإعطائها حق الوصول إلى أرشيف الأهرام الرقمي، بهدف إتاحته لطلاب الجامعة داخل مقراتها.