تعرف الكتب السماوية بأنها الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله لدعوة الناس إلى عبادة الله، يقول الله تعالى في سورة النساء “إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا”.

ومن هذه الكتب ما ذكر صراحة في القرآن، مثل صحف إبراهيم التي نزلت على إبراهيم عليه السلام، والتوراة التي نزلت على موسى عليه السلام، والإنجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام، والزبور الذي أنزل على داوود عليه السلام، بينما هناك كتب أخرى لم تذكر صراحة.

ومن الكتب التي ثارت بشأنها تساؤلات، حول ما إذا كانت كتب سماوية فعلا أم مجرد كتب من تأليف البشر، ما يعرف بـ”مجلة لقمان”، فما قصة هذا الكتاب؟

مجلة لقمان

يقول الدكتور جواد علي في كتابه “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام”، أن العرب عرفت الكتابة قبل الإسلام وكان للعرب العديد من الكتب المعروفة المتداولة بينهم، ومن بين هذه الكتب ما عرف بـ”مجلة لقمان”، المنسوبة إلى لقمان الحكيم الذي ورد ذكره في القرآن الكريم وسميت سورة كاملة باسمه.

ويوضح جواد علي أن علماء اللغة اعتبروا أن المقصود بكلمة “مجلة” أي الصحيفة التي يكتب فيها شيء من الحكمة، بينما يرى هو أن الكلمة استعملت للدلالة على “الكتب المقدسة” بالأخص، وبالتحديد الكتب التي كانت على شكل أوراق ملفوفة.

** أقرأ أيضا: هل رسم الفراعنة نبي الله إبراهيم عند زيارته إلى مصر؟

فيما يقول “السهيلي” في كتاب “الروض الأنف”، أن المجلة هي الصحيفة، مرجحا أنها مشتقة من كلمة الجلال والجلالة، على وزن مَفْعَلَة، والجلالة من صفات المخلوق بينما الجلال من صفة الله تعالى.

وورد ذكر “مجلة لقمان” في سيرة ابن هشام، في الحديث عن قدوم سويد بن صامت إلى مكة لأداء الحج، وكان سويد يشتهر في قومه بأنه رجل كامل ذا شرف ونسب، وكانت له أشعار كثيرة، فتوجه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ودعاه إلى الإسلام، فقال له سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “وما الذي معك؟” قال مجلة لقمان، فقال له الرسول “اعرضها علي” فعرضها عليه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم “إن هذا الكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا، قرآن أنزله الله تعالى علي هو هدى ونور”.

حكيم من أسوان

ويعد الفيصل في أمر كون “مجلة لقمان” كتاب سماوي أم أنها كانت مجرد كتاب من تأليف البشر حوى بعض الحكم والأمثال، هو صفة الشخص المنسوب إليه هذه المجلة، وهو لقمان، فمن هو لقمان؟ وهل كان نبيا؟

لم يذكر القرآن الكريم الكثير من التفاصيل عن حياة لقمان، وبالأخص متى وأين عاش، بينما ركزت سورة لقمان على ذكر الحكم والمواعظ التي قالها لقمان إلى نجله، فيما تمتلأ كتب التراث بقصص عنه وحكايات مأثورة عن حياته لا يمكن القطع بصحتها.

يقول ابن كثير في كتاب “البداية والنهاية”: هو لقمان بن عنقاء بن سدون، وأنه كان رجلا نوبيا صالحا ذا عبادة وعبارة وحكمة عظيمة. ويقال كان قاضيا في زمن داود عليه السلام، فيما يقول سعيد بن المسيب أن لقمان كان من “سودان مصر”.

** اقرأ أيضا: “مدائن صالح”.. منطقة أثرية تواجه فتاوى التحريم

فيما تقول بعض الآراء أنه كان يدعى “لقمان بن ياعور” وكان له صلة قرابة بنبي الله أيوب عليه السلام، وأنه عاش في أسوان بمصر، واختلفت الآراء حول عمله، فقال البعض كان يعمل نجارا، وقيل كان خياطا، وقيل كان راعيا للأغنام.

واشتهر لقمان بأن أتاه الله الحكمة، يقول الله تعالى “ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه” [سورة لقمان – 12]، كما ورد في الحديث عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “كان لقمان عبدا كثير التفكر حسن اليقين، أحب الله تعالى فأحبه، فمنّ عليه بالحكمة”.

هل أتاه الله النبوة؟

أما عن كونه نبيا أم لا، فقد ذهب البعض إلى أنه كان نبيا لورود ذكره في القرآن والاستشهاد بالحكم التي قالها إلى ولده في سورة “لقمان”، خاصة وأن القرآن لم يقل بنبوته بشكل صريح.

يقول القرطبي في كتاب “الجامع لأحكام القرآن”، أن عكرمة والشعبي ذهبا إلى أنه كان نبيا، وفسرا قوله “آتينا لقمان الحكمة” أي آتيناه النبوة.

أما باقي جمهور العلماء، فقد ذهب إلى أنه كان رجلا حكيما ولم يكن نبيا. يقول ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا العباس بن الوليد حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة قال: خير الله لقمان الحكيم بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة على النبوة، قال: فأتاه جبريل وهو نائم فدر عليه الحكمة، قال: فأصبح ينطق بها.

** اقرأ أيضا: حقيقة تمثال سيدنا يوسف الذي ظهر في فيلم “وادي الملوك”

ويقول الإمام أحمد في تأويله لآية “ولقد آتينا لقمان الحكمة” إن المقصود بالحكمة الفقه والإصابة في غير نبوة، وينقل القرطبي عن سعيد ابن المسيب قوله: كان لقمان أسود من سودان مصر ذا مشافر، أعطاه الله تعالى الحكمة ومنعه النبوة، ويؤكد القرطبي أن جمهور أهل التأويل قال بأنه كان وليا ولم يكن نبيا.

وينقل القرطبي في تفسيره عن ابن عمر، حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في أوله “لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين”.

أما عن مصير “مجلة لقمان” وما إذا كانت محفوظة إلى اليوم أم لا، فلم نعثر على ما يشير إلى أنها موجودة إلى الآن في أي مكان، كما لم يتضح من كلام الدكتور جواد علي اللغة التي كتبت بها “مجلة لقمان”، كما لم يعرف على وجه التحديد ما احتوت عليه من كتابات أو حكم ومواعظ وما اشتملت عليه من نصوص، لتظل “مجلة لقمان” كتابا مجهولا لا نعرف عنه سوى اسمه.