بدأت علاقة المصري القديم بكائنات بيئته منذ أن عرف استئناس الحيوان في العصر الحجري الحديث، واتخذت أشكالًا مختلفة، فمنها علاقة نفعية مباشرة حيث استخدم الحيوانات في حياته اليومية، كالعمل في الحقول والنقل وانتفع بلحومها وألبانها وجلودها، وأخرى تتسم بالطابع العاطفي حيث أنه كان يأنس ببعض أجناسها كالكلب والقطة، بالإضافة إلى علاقة عقائدية حيث قدس المصري القديم الكثير من الكائنات لارتباطها المباشر ببيئته إما لنفع ينتظره منها مثل البقرة حتحور، أو لدفع شرها كالتمساح والثعبان، وأيضًا لبعض الصفات المميزة كما هو الحال مع الصقر والقرد.
أي أن الكائنات كانت حاضرة بشكل قوي في كل جوانب حياة المصري القديم، وخير دليل ملموس على ذلك هو مومياوات الحيوانات التي قام بتحنيطها المصري القديم، والمنتشرة حاليا بالعديد من متاحف مصر والعالم، وتنقسم هذه المومياوات إلى خمسة أنواع هي:
الحيوانات الأليفة:
تعد مومياوات الحيوانات الأليفة أكثر أنواع المومياوات في مصر القديمة، حيث أنها كانت محبوبة لدى المصريين القدماء، فأراد المصري القديم أن تعيش تلك الحيوانات حياة أبدية خالدة، لذلك اهتم بتحنيطها، وكانت تُدفن إما داخل توابيت مالكيها أو في توابيت منفصلة، فإذا مات الحيوان قبل الإنسان فكان يقوم بتحنيطه ودفنه في المقبرة وحيدًا لينتظر موت مالكه حتى يُدفن معه، أما إذا مات الحيوان بعد الإنسان فإنه يحنط أيضًا ويُدفن في مقبرة صاحبه، كما تمتعت بعض الحيوانات بدفن مميز، كالبشر، حيث كانت تُدفن في توابيت مزخرفة مع قرابين خاصة بها، مثل طعامها المفضل، وأيضًا متعلقاتها كالسرج والطوق.
القرابين:
تُوضع في المقابر لتكون غذاء المتوفى في الحياة الأخرى، وتكون عبارة عن قطع من اللحم أو الدجاج ملفوفة بقطع من القماش داخل توابيت من خشب الجميز شُكلت طبقًا لحجم وشكل القطع، وبعضها وضع في سلال من القصب. يكون محتوى القربان كما لو كان مجهز للطبخ: فقطع اللحم منزوعة الجلد ومقطعة، والدجاج منزوع الجلد والأحشاء، غالبًا ما تكون أطراف أجنحة الدجاجة وأرجلها مقطوعة، وأحيانًا توضع الكبد والقانصة ملفوفة داخل تجويفها. بعض هذه المومياوات ملونة باللون البني، ربما لإعطائها لون اللحم المشوي وذلك عن طريق وضع مادة الراتنج ساخنة على المومياء الملفوفة، أو قد تكون هذه القطع مطبوخة بالفعل ويصعب تحديد ذلك بعد مرور آلاف الأعوام، لكنها بالتأكيد كانت تحفظ عن طريق الملح والنطرون.
الحيوانات المقدسة:
مومياوات لحيوانات كانت تُعبد خلال حياتها كتجسيد لإله، وبعد موتها تُدفن بطريقة فخمة، ومن أمثلة هذه الحيوانات العجل المقدس أبيس والعجل منفيس، وتماسيح سوبك في كوم أمبو والفيوم، وكباش الإله الفنتاين والإله منديس.
القرابين النذرية:
عبارة عن حيوانات محنطة ومكرسة لآلهة محددة دفنت في سراديب تحت الأرض ملحقة بالمقابر، وكان المصري القديم يقوم بشراء مومياء منها، ويتلو عليها الصلوات خلال تقديمها للإله، ومن أمثلة هذه المومياوات القطط التي كانت تقدم للإلهة “باستت”، إله الحب، وطائر أبي المنجل المخصص لـ”تحوت”، إلهة الحكمة.
المومياوات المزيفة:
بعض اللفافات التي تبدو مومياوات لقطة أو كلب مثلًا اتضح أنها خالية أو تحتوي على عظام أو كتل من الطين أو قطعة من مادة الراتيينج، ربما جهزها الكهنة في الأوقات التي لم تتوفر فيها حيوانات كافية لتقديمها كقرابين للآلهة.
كان المصريون القدماء يحنطون الحيوانات بنفس الطريقة التي يستخدمونها في تحنيط موتاهم لكن مع بعض الاختلافات البسيطة كالتخلص من أحشاء الحيوان، أما عن طريقة موتهم فحيوان النذر كان يُربي ثم يُقتل، وبعض القطط كان لها فقرات أو جماجم مهشمة مما يدل على كسر رقابها قبل التحنيط، وكذلك طيور أبي المنجل فرقابها كانت ملتوية أي أن طريقة قتلها كانت كسر الرقبة أيضًا، أو ربما تكون قد ماتت بطرق طبيعية. على أي حال يبدو أن المصري القديم اتخذ الكائنات الحية في بيئته كشريك أساسي لا غنى عنه في رحلة الخلود.