الفن الشعبي ليس له مؤلف واحد، بل هو إبداع شعوب، تضيف له وتختزل وفقاً للبيئة والزمن والأحداث.

والأغنية، هي إحدى روافد التراث الشعبي الأربعة إلى جوار “الحكاية الشعبية، والمثل، والحزر (الفزورة)”، وهي الروافد التي يستخدمها الباحثون في التأريخ لإبداعات الشعوب وفنونها.

وخلال الفترة الأخيرة، ومع انتشار التكنولوجيا في كل البيوت بالعالم تقريباً، اجتاحت حمى أغنيات الأطفال، وصارت هي الأكثر مشاهدة وربحاً على موقع الفيديوهات الشهير “يوتيوب”، ومن بين تلك الأغنيات التي جذبت المليارات من المشاهدين أغنية “baby shark” أو “سمك القرش الصغير”.

يعترف الفنانون الذين قدموا الأغنية أن ليس لها مؤلف لكلماتها، تماماً مثل الإبداعات الشعبية المماثلة، ولكن النغمة هي لأغنية كان الجنود يغنونها في معسكرات الحرب العالمية الأولى، أوائل القرن الماضي.

ويختلف الباحثون التاريخيون حول أحقية أي من المعسكرين المتحاربين آنذاك في النغمة، إلا أن بدايتها وانتشارها في دول الشرق الأوروبي قد يشير -ولو بشكل ما- إلى خروجها من معسكر “المحور” الألماني.

الأغنية بنفس نغمتها انتشرت في معسكرات الطلبة ومدارس الأطفال “الحضانات” في كل أوروبا تقريباً، بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن بكلمات وجمل مختلفة، إلا أن كلمة “shark” بدأ استخدامها فيها بعد صدور النسخة الأولى من فيلم “jaws” والمعروف في الدول العربية باسم “الفك المفترس” العام 1975 للمخرج ستيفن سبيلبرج.

ومع ظهور الـ”يوتيوب” واجتياح مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت أول نسخة من الأغنية لمطربة ألمانية تدعى آليمويل في العام 2007، بعنوان “Kleiner Haai” وترجمتها بالعربية “سمك القرش الصغير”.

الانفجار الكبير لأغنية “baby shark” حدث في العام 2016، وتحديداً في 17 يونيو من العام المذكور، ومع إنتاج الشركة الكورية Pinkfong لنسخة من الأغنية مصحوبة بكليب بسيط لطفلين يغنون الأغنية بإيقاع راقص يجذب آذان الأطفال والكبار معاً، وبالفعل نالت هذه الأغنية نحو 2.5 مليار مشاهدة حتى مارس 2019، بينما نالت إصدارات الأغنية المختلفة، والتي أنتجتها أكثر من فرقة غنائية للأطفال حول العالم، أكثر من 7 مليارات مشاهدة.

ومثل أي أغنية عالمية ناجحة ظهرت إلى جوارها “تحدياً” خاصاً لرقصها، مثل “تحدي الكيكي” أو تحدي الثلج، كما ظهر تطبيق على الهواتف المحمولة بنفس العنوان، وهو من أنجح التطبيقات التي ظهرت في عالم المحمول.

المدهش أنه في يناير 2018، نشرت صحيفة Kyunghyang Shinmun الكورية الجنوبية مقالة افتتاحية على الصفحة الأولى تدين هذه الكلمات باعتبارها عنصرية، فيما استخدمها حزب هناك كأغنية دعائية له، ومنذ ذلك التاريخ تتنازع بعض الشركات في العالم على أحقيتها بالأغنية من حيث حقوق الملكية الفكرية.