قد يندهش الكثيرون إذا ما عرفوا أن الجمهورية الفرنسية، ظلت واحدة من آخر الدول التي تستخدم “المقصلة” كوسيلة لتنفيذ عقوبة الإعدام في أوروبا وربما في العالم أجمع، حيث لم يتم إلغاء استخدام هذه الآلة إلا مع إلغاء عقوبة الإعدام ذاتها عام 1981 عقب فوز فرانسوا ميتران برئاسة الجمهورية.

ونظرا لتوسع فرنسا في استخدام هذه الآلة، واعتمادها كوسيلة وحيدة لتنفيذ عقوبة الإعدام في كثير من الفترات -خاصة عقب اندلاع الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر- ارتبطت هذه الآلة في الأذهان بالجمهورية الفرنسية دون غيرها، وكان أشهر من أعدم بها هما الملك لويس السادس عشر والملكة ماري أنطوانيت.

وتتكون هذه الآلة القاتلة، من شفرة حديدية حادثة ثقيلة، تسقط من أعلى فتهوي على رقبة الشخص الذي حكم عليه بالإعدام وتقطع رقبته في الحال.

عقوبة واحدة ووسائل متعددة

قبل اندلاع الثورة الفرنسية كانت هناك العديد من الوسائل التي تستخدمها الحكومة الفرنسية لتنفيذ عقوبة الإعدام، حيث كان يتم إعدام النبلاء بالسيف، وإعدام اللصوص بالشنق، وإعدام المتهمين بالزندقة بالحرق، وغيرها من الوسائل، وكانت تتم الغالبية العظمى من هذه العقوبات في أماكن علنية أمام الجمهور.

وفي عام 1791، ظهرت أول الدعوات في فرنسا للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، بدعوى أنها لا تتناسب مع الأهداف النبيلة للثورة الفرنسية، إلا أن الجمعية الوطنية التي كانت تحكم فرنسا عقب الثورة، أصدرت قانونا في العام ذاته يتمسك بتطبيق عقوبة الإعدام، وتوحيد وسيلة التنفيذ لتكون قطع الرأس للجميع، النبلاء وغيرهم وأي شخص يحكم عليه بالموت.بعدها تنوعت وسائل قطع الرأس ما بين السيف أو الفأس ووسائل أخرى، إلى أن تم اعتماد المقصلة الميكانيكية كوسيلة وحيدة لتنفيذ هذه العقوبة، باعتبارها وسيلة سريعة لإنهاء الحياة لا تتضمن تعذيبا أو آلاما طويلة قبل إزهاق الروح، وبالفعل تم استخدام المقصلة الميكانيكية لأول مرة على شخص يدعى “نيكولا جاك بللوتيه” يوم 25 أبريل 1792.

يوجين وايدمان

في الصورة التالية، تظهر آخر عملية إعدام علنية نفذت في فرنسا، حيث ظلت عمليات قطع الرؤوس بالمقصلة تتم في أماكن وساحات عامة أمام الجمهور، وبالتحديد يوميا من الساعة الثالثة فجرا وحتى شروق الشمس، وفي يوم 17 يونيو 1939، أعدم “يوجين وايدمان” في مكان عام بالمقصلة بتهمة إقدامه على ارتكاب ست جرائم قتل، ليكون بذلك آخر شخص يعدم علنا، حيث قررت بعدها السلطات الفرنسية قصر تنفيذ عقوبة الإعدام بالمقصلة داخل مقار السجون فقط، مع تزايد الدعوات الرافضة للعقوبة ولوسيلة التنفيذ.

وخلال الربع الثاني من القرن العشرين، توسعت الحكومة الفرنسية في توقيع عقوبة الإعدام كعقاب على الكثير من الجرائم، خاصة مع تزايد أعداد الرافضين للوجود الفرنسي في مستعمراتها خارج أوروبا، حيث تم إعدام الكثير من المواطنيين الجزائريين الذين حاربوا الاحتلال الفرنسي لبلادهم بالمقصلة، وكان أول من أعدم بالمقصلة منهم هو الشهيد أحمد زبانة، الذي تسجل الصورة التالية واقعة إعدامه عام 1956 داخل سجن سركاجي، إبان ثورة التحرير.

وبعد سنوات قليلة من بداية النصف الثاني من القرن العشرين، كان الوعي ازداد في فرنسا بمدى وحشية عقوبة الإعدام بالمقصلة، ونتيجة العديد من الضغوط قام رؤساء فرنسا بالتوسع في استخدام حقهم الذي يخوله لهم القانون، الذي ينص على حق رئيس الجمهورية في تخفيف عقوبة الإعدام بحق أي شخص تصدر ضده تلك العقوبة.

حميدة الجندوبي

كانت آخر عملية إعدام فعلية تتم في فرنسا بالمقصلة، وفي العالم أجمع، من نصيب التونسي “حميدة الجندوبي”، وهو مزارع مقطوع الساق، اتهم بتعذيب وقتل امرأة شابة في مدينة مارسيليا الفرنسية سبق واتهمته بمحاولة إجبارها على ممارسة الجنس، حيث صدر الحكم عليه بعدما وصفته المحكمة بأنه يمتلك “روحا شيطانية”، وتم تنفيذ العقوبة بالمقصلة في الساعة الرابعة و40 دقيقة من فجر يوم 10 سبتمبر عام 1977 في ساحة سجن ديه بومات.

ومنذ عام 1977 وحتى 1981 تراجع القضاء الفرنسي بشكل غير رسمي عن إصدار هذه العقوبة، وفي مارس 1981، وعد فرانسوا ميتران خلال حملته الانتخابية للراسة بإلغاء عقوبة الإعدام إذا ما نجح في الوصول إلى قصر الإليزيه، وبالفعل وفور فوزه، بدأ ميتران يتخذ خطوات جادة لإلغاء العقوبة بشكل رسمي ونهائي، وخلال مداولات عملية الإلغاء، قام ميتران بالعفو عن آخر شخص صدر بحقه حكما بالإعدام في فرنسا مستخدما سلطاته كرئيس للجمهورية، وكان يدعى “فيليب موريس”.

وأخيرا، صدر في التاسع من أكتوبر عام 1981، قانونا بإلغاء عقوبة الإعدام برمتها في فرنسا ووقف استخدام المقصلة نهائيا، لتكون بذلك آخر بلد أوروبي يلغي عقوبة الإعدام، لتنهي حقبة طويلة كانت فيها المقصلة وسيلة لتنفيذ القانون.