الدهاء والذكاء، جزء أصيل من استراتيجية فنون الحروب، لاسيما وإن كان الحصار هو سيد الموقف، لذا كان التعبير الأشهر في التاريخ أن “الحرب خدعة”، فربما تُحقق انتصارًا دون إراقة قطرة دم واحدة، وأحيانًا دون جيش من الجنود.

وإذا كان التاريخ قد سجل في الحروب صفحات انتصار لقادة عسكريين، فقد وثق أيضًا شجاعة وبسالة مدنيين تمسكوا بأراضهم ورفضوا الاستسلام للحصار.

ففي عام 1948 وإبان “النكبة”، رفض المفكر والأديب والصحفي الفلسطيني “حسن مصطفى” أن تقع قريته “بتير” التي تربى بها، تحت سيطرة حصار الكيان الصهيوني.

وفي ذلك الوقت، اعتمد مرتزقة الاحتلال على الترهيب لتهجير الفلسطينيين، عبر ارتكاب المجازر لتخويفهم ودفعهم للهرب، تاركين خلفهم منازلهم.

وكانت “بتير” في محافظة بيت لحم، ضمن القرى التي هجرها أهلها رعبا من المجازر التي ارتكبت في مناطق مجاورة، إلا أنه بحيلة ذكية فقط، تمكن الصحفي الفلسطيني من إنقاذ القرية التي نجت من الاحتلال قبل 70 عامًا.

فبعد أن هجر القرية أهلها، بقي فيها “حسن مصطفى” وحده، يحمل إبريق الجاز كل مساء ويسقي به المصابيح في البيوت الفارغة ويوقدها، فظن الحصار الصهيوني أن أهل بتير صامدون ومسلحون، لذا قرر الابتعاد عنهم وعدم احتلالها.

وكانت سلطات الانتداب البريطاني أصدرت أمرا باعتقال حسن مصطفى بعد أن أكمل دراسته في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إلا أنه قبل أن ينفذ الأمر استطاع أن يهرب، ثم عاد إلى فلسطين قبل النكبة وعاش فيها حتى توفي عام 1961، ثم دفن في مسقط رأسه بـ”بتير”.

وقد أدرجت منظمة اليونسكو في 2014، قرية “بتير” على قائمة التراث العالمي وقائمة التراث العالمي المهدد بالخطر باعتباره تعرض للضرر بسبب التحولات الاجتماعية والثقافية والجغرافية السياسية التي من شأنها أن تصيب الموقع بأضرار جسيمة غير قابلة للتصحيح.

وتتربع “بتير” القرية المعلقة التي بناها الرومان بين الجبال الخضراء، وتضم مقامات دينية، على رأس القرى الفلسطينية السياحية لما تتميز به من طبيعة خلابة وتاريخ باسل.

وتنبعث من بين صخور القرية الأثرية المدرجة ثمانية ينابيع تُطل على مصاطب مائية ومدرجات رومانية حولها الفلاحين إلى جنة خضراء من مزروعات عدة أبرزها الباذنجان الذي أكسبها شهرة إضافية وارتبط اسمه بها، بالإضافة إلى خط “سكة حديد الحجاز” الذي أضفى معنى جمالي آخر على القرية.

OLYMPUS DIGITAL CAMERA
TO GO WITH AFP STORY BY MAJEDA BATSH STORY
Palestinian farmers cross the railway line to work on their land in the ancient West Bank town of Battir, south west of Jerusalem, on July 5, 2012. Palestinian farmers from Battir can work in their fields by crossing a railway line but access to their land is under threat by Israel, who wants to build a wall of separation across the town. AFP PHOTO/MUSA AL SHAER / AFP PHOTO