ينتصب تمثال إبراهيم باشا في ميدان الأوبرا بوسط القاهرة، منذ أكثر من مائة عام، شاهدا على فترة هامة مرت على تاريخ مصر، شهدت حروبا وإصلاحات، تطورات سياسية وتغييرات في عرش مصر، وحركات تحررية وثورات.

إلا أن التمثال لم يكن موجودا في موضعه ذلك منذ إنشائه، حيث أقيم لأول في ديسمبر سنة 1872 في شارع العتبة الخضراء، فيما بين مسجد أزبك -الذي هدم لاحقا لتوسعة الميدان- وبين قصر العتبة الخضراء، قبل أن ينتقل عدة مرات بسبب بعض التطورات السياسية، قبل أن تدور به الدائرة ويستقر في موضعه الحالي بميدان الأوبرا.

المهندس كوردييه

يقول المؤرخ فتحي حافظ الحديدي، في كتابه “دراسات في التطور العمراني لمدينة القاهرة”، إن الخديوي إسماعيل أمر إبان توليه عرش مصر، بصنع تمثال لتخليد ذكرى والده إبراهيم باشا، صاحب الانتصارات الحربية الشهيرة، حيث استطاع تكوين إمبراطورية آسيوية-أفريقية مترامية الأطراف.

ويبين أن بعض المؤرخين تجاهوا الحديث عن تمثال إبراهيم باشا، مثل علي باشا مبارك الذي لم يرد ذكر التمثال في كتابه “الخطط التوفيقية”، إلا أن مؤرخين آخرين، نسبوا صنع التمثال إلى المهندس المدني كوردييه وهو الذي كلفته الحكومة المصرية بتنفيذ أعمال عمرانية في مدينة القاهرة، وهي تنفيذ وإدارة شبكة توزيع المياه النقية بشوارع القاهرة، وكذلك تنفيذ مشروع تحديث كل من حديقة الأزبكية وميدان الرميلة. وقد منح رتبة البكوية.

ويرجح “الحديدي” أن المهندس المدني كوردييه لم يكن ضمن المثالين أو من الفنانيين التشكيليين، لذا من المستبعد أن يكون هو من نفذ التمثال، وإنما الأرجح أن كوردييه قام بدور متعهد التوريد، فاتصل بمدرسة الفنون والصنايع بباريس لصنع هذا التمثال الذي نفذته مجموعة عمل برئاسة كونت بتوكرك.

فتوى تحريم

في 31 أغسطس سنة 1882، وبالتزامن مع أحداث الثورة العربية، أصدرت دار الإفتاء المصرية، الذي كان يرأسها الشيخ محمد العباسي المهدي، فتوى ردا سؤال حول مدى شرعية التماثيل التي أقامها الخديوي إسماعيل، وكانت أمورا مستحدثة نوعا ما لم يعهدها المصريون أثناء حكم من سبق الخديوي إسماعيل من الأسرة العلوية.

وأفتى الشيخ المهدي حينها، بأن إقامة هذه الصور والتمثايل “مكروه كراهة تحريمية” وهي الفتوى التي ضمنها مؤلفه الضخم “الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية”.

إلا أنه أضاف في حاشية بجوار نص الفتوى، أن إزالة كل منكر في البلاد وتجنب الحكم بغير ما أنزل الله لهو أمر آكد، أي أشد توكيدا من إزالة الصور والتماثيل.

وبغض النظر عن هذه الحاشية، إلا أن الفتوى كانت كافية لتحرك البعض ضد هذه التماثيل لإزالتها.

العرابيون

ويقول الحديدي، إن العرابيين في سنة 1882 وبناء على تلك الفتوى -التي يزعم الحديدي أن الزعيم أحمد عرابي هو الذي استصدرها من المفتي- قاموا بنقل تمثال إبراهيم باشا إلى متحف الأنتكخانة في شاطئ بولاق آنذاك بالتزامن مع أحداث الثورة، وكان في نية العرابيين أن يقوموا بصهره وصنع مدافع منه، إلا أنه تبين لهم أن ذلك يفوق طاقاتهم كما وأن الثورة العربية سرعان ما انتهت.

وظل التمثال في الأنتكخانة عدة سنوات، حتى تقرر نقله في 21 يونيو 1891 إلى مكانه الحالي بوسط ميدان الأوبرا، وذلك قبل وفاة الخديوي توفيق بأشهر قليلة.