بين طلقتين أطلقهما “السيدان”؛ قلب الأهلي يأسه في ملعبي القاهرة وبرج العرب إلى أمل خلف بوابات ملعبي المنزه ورادس، وحكايات للنصر تُكتب لا تعترف بحسابات الأرض ولا تعير اهتماما لأصوات الجماهير.

تعادل سلبي في القاهرة يباعد بينه وبين الوصول لنهائي كأس لم يذق حلاوته طيلة 14 عاما من التمنع والعصيان والمقاطعة، وتعادل إيجابي في برج العرب وضع الترجي على حافة الذهب، يتحولان إلى تأهل لنهائي كأس ثالثة تدخل قلعة الجزيرة، وكأس آخر في رادس يرفع لبطولة أتت من رحم المعاناة والدم والغياب الجماهيري.

مرحبا بكم في تاريخ لا يبدو أنه سينتهي قريبا بين الأهلي والترجي.

الأهلي والترجي يتواجهان للمرة الـ14 في السابعة مساء السبت على ملعب برج العرب، حقق الأحمر 5 انتصارات وتعثر في 3 مواجهات، فيما خيّم التعادل على 6 مواجهات.

لكن في تاريخ مواجهات الفريقين، ربما نتوقف عند أهم مواجهتين بين الفريقين، تلك التي أنهاها الأهلي بنجاح خرج من رحم معاناة رآها من فريق الدم والذهب، كانت مواجهات عسيرة بادر فيها الترجي، لكن الكلمة الأخيرة خرجت من أسفل برج الجزيرة.

نوفمبر 2001..

في القاهرة، وأمام أنظار 100 ألف مناصر أتاهم قلبهم وحبهم للأهلي نحو ملعب القاهرة الأول؛ حيث يقف مانويل جوزيه مجاهدا نحو تاريخ جديد، ومباراة جديدة في رحلة خاضها الفريق الذي توّج لتوه؛ ناديا للقرن الإفريقي، كل الرصاصات أطلقها الأهلي صوب مرمى الترجي.. وكل الرصاصات أخطأت طريقها نحو الهدف، دقائق تتسارع، وحملات حمراء تتوالى على مرمى رفض الحظ فقط فك عذريته في القاهرة، الفرصة أنجبت حينها اثنان وثلاثة جميعهم عصوا قاهر ريال مدريد ورفضوا أن يمهدوا الطريق.

في طريقه نحو الأميرة لم يكن الأهلي يعرف حينها أن حظا آخر سيقف بجانبه في ستاد المنزه؛ مرعب الأندية الإفريقية حينها.

بدأت المباراة في المنزه حزينة؛ فالكرة التي عانقها الحضري من أقدام كارلوس وزيدان وفيجو منذ نحو 3 شهور فقط، عصته أمام أقدام أديلتون التي منحته هدفا في شباك الأهلي وضع للترجي قدما نحو معانقة الذهب، الحلم أكثر خطرا وأشد قسوة..

لكن.. عبد الحفيط وقف على ناصية الحلم وسدد بيمناه.

لا يبدو عبد الحفيظ مكترثا بما سيجنيه من تبعات ضياع تلك الكرة، فصراخ جوزيه حينها سيكون أكثر قسوة، واعتراضات زملائه المهاجمين ستكون أكثر عنفا.. لا يكترث.. سددها.. آتانا بتسديدة يمينية متطرفة سكنت شباك الترجي من مسافة قدرت حينها بنحو 40 مترًا.. هدف مهد للأهلي طريقه نحو النجمة الأولى في الألفية الجديدة..

الأهلي يسجل هدف التعادل ويعيد قدم الترجي إلى المنزه، ويضع جسده كله في طائرة متجهة نحو جنوب إفريقيا، ليعود منها الأهلي بتعادل إيجابي وبرأس عبد الحفيظ أياضافتح له خزينة حوت حينها مليون دولار أمريكي حين أنهى بيبو المهمة بهاتريك في القاهرة على حساب صن داونز..

نوفمبر 2012؛ يعيد الحياة للكرة وينطلق وحده متجاوزا أحزانه في طريق لم يعرف الورود، ربما أقرب للمشي على الأشواك، يتغلب على المدرجات الخاوية والمضايقات الأمنية، والمسابقات المحلية الغائبة، يتجه حاملا معه آمالا لا تنتهي نحو بطولة أطلق عليها “بطولة الشهداء”، فالبطولة التي عاندت الأهلي لثلاث سنوات غير مستقرة كرويا وسياسيا وأمنيا، قد يكون إعجازا أن تبتسم له في نهاية عام دموي ضاع فيه خيرة شبابه في مذبحة قضت على 72 شابا أهلاويا مع سبق الإصرار والترصد..

هناك في بورسعيد لم تعد الحياة مثلما كانت قبل 1 فبراير 2012..

مشاهد ما زالت حاضرة في ذاكرة 11 مقاتلا سيواجهون جمهورهم في نهائي كأس صمموا أن يأتوا به من أجل ذهبوا لرؤيتهم ولم يعودوا، ومحمد أبو تريكة نجم النادي الأول يعود من إصابة أبعدته عن بضع مباريات خاضها الفريق في دوري أبطال إفريقيا..

2001 يبدو أنها تتجسد من جديد ولكننا ابتعدنا نحو 200 كيلو مترا حيث ستاد برج العرب..

الأهلي يضيّع عدة فرص في شوط المباراة الأول كان بطلها محمد أبو تريكة، ومعز بن شريفية حارس الترجي يخرج كساحر أغلق كل الطرق نحو مرماه، لكن الترجي لم يكن هادئا مثلما كان في 2001، وأطلق لنفسه فرصة للذهاب مستريحا إلى رادس.. الهدف الأول للترجي من ركنية غالطت شريف إكرامي وأعلنت عن أول أهداف المباراة..

الأهلي على مقربة من السقوط بعد أن وصل إلى حافة الطريق، وحسام البدري مدرب الأهلي العائد في ولايته الثانية ربما على مقربة من اللدغ من جحر الترجي مرتين، بعد أن أسقطه الحكم لامبتي من بطولة عام 2010 بيد فاجرة من مهاجم الترجي إينرامو..

لكن الأهلي عاد.. ما فشل فيه كبار الأهلي في 88 دقيقة نجح فيه “العشوائي”، بعد انطلاقة ارتجالية من قلبه النابض أحمد فتحي، يحاول فيها المراوغة، لحسن خظه أنها تغالطه، تذهب إلى أقدام السيد حمدي، يطلق رصاصة تخترق شباك معز بن شريفية، وتضع حمدي على رأس قائمة اللاعبين الهابطين إلى ملعب رادس..

هنا في رادس نعود..

الأهلي يتجه إلى رادس مرة أخرى بعد 6 سنوات من كأس كان مذاقه الأجمل في تاريخه، فصوت يسارية أبو تريكة ما زال يدوي في الملعب الأشهر في تونس.. لكن البدري يقرر إبقاء أبطال مهمة رادس 2006 أبو تريكة وعماد متعب بجواره على مقاعد الاحتياط ليصاحبوا محمد بركات، الذي لم تكتب له الإصابة صناعة التاريخ على حساب الصفاقسي هنا أيضا..

مهاجمة الترجي بعبد الله السعيد ووليد سليمان وجدو والسيد حمدي، رهان صعب يخوضه البدري في 90 دقيقة لا أمل للأهلي فيها سوى الفوز أو التعادل بأكثر من هدف.. يبدو أن رادس ستظل آمنة للأهلي.. الأهلي يسيطر ويبدع، وسيد حمدي يعطي جدو تمريرة ذهبية يغازلها هداف مصر في كأس الأمم الإفريقية 2010 بباطن قدمه، لتعلن عن نجاح مهمة الأهلي في الشوط الأول..

انهيار تام للترجي، الفريق المرعب الذي تعادل في برج العرب لم يأتي إلى تونس، والأهلي يفرض سطوته ويضيع مهاجموه أهدافا بالجملة، لكن وليد سليمان يطلق الرصاصة الأخيرة من مسدسه، يعلن للأهلي مجدا جديدا في القارة السمراء، ويمنح الفخر لمن ذهبوا لأجلهم خلف القبور..