“إنسجمنا.. واستحال ذلك الضوء الفضي إلى شعاع منعش كله حياة.. هذا ما جال بخاطري من مشاهدتي بعض مناظر فيلم غزل البنات “، هكذا عبر نجيب الريحاني عن رؤيته للسينما، في خطاب كتبه قبل رحيله بثلاثة أشهر إلى أنور وجدي مخرج فيلمه الأخير، حيث بدا أن إحساسه الغاضب من السينما في طريقه إلى الزوال، خاصة بعدما رأى بعض اللقطات من فيلمه الذي لم يشاهده كاملا.

استغرق الريحانى عشرون عاما وأكثر من عشر تجارب شملت أفلام سينمائية رائدة، حتى استطاعت كاميرا السينما مصالحته وإقناعه بضوئها الفضي، ولكنه كان إقناع أتى متأخرا.

هو النجم الأكثر جماهيرية رغم وجود آخرين سبقوه على شاشة السينما، فوزي الجزايرلي وعلي الكسار وأمين عطا الله وبشارة واكيم.. ورغم أن ما قدمه الريحاني على المسرح يزيد بعشرات الأضعاف عن أفلامه، إلا أن الذي احتفظ بصوت الريحاني وصورته هى السينما التي لم يعطها كثيرا من اهتمامه.

وربما يرجع إحجام الريحاني عن السينما فى البداية أنه لم يكن ميالا بحكم شعبيته المسرحية للظهور في السينما الصامتة، مضحيا بأهم أدواته “الحوار”، كذلك عدم سيطرته على كل عناصر العملية الإبداعية فى السينما، بعكس الحال في المسرح؛ حيث كان الريحاني صاحب اليد العليا على كل شيء، كما أن السينما كانت لاتزال تخطو خطواتها الأولى كتجارب تحاول الاكتمال، تجارب لم تستطع إقناع الريحاني بها في البداية.

فترة غامضة.. وتاريخ ضائع

وقد اختلف السينمائيون والمؤرخون وتباينت معلوماتهم حول طبيعة المرحلة السينمائية الأولى للريحاني من بداياته حتى عام ۱۹٣٦، فهي فترة ما زالت تحتاج إلى مزيد من التدقيق للوصول إلى حقائق واضحة عن ما أبدعه نجيب سينمائيا، خاصة بعدما ضاع كل إنتاج الريحاني السينمائي في هذه الفترة.

فقد وردت أخبار بالصحافة الفنية عن مشاريع أعمال، بعضها أفلام صامتة وأخرى ناطقة لنجيب فى الفترة المختلف عليها، والمفقود نسخها من سنة ١٩٢٩ -تاريخ مشروع أول فيلم صامت له “جحا”- وحتى عام ١٩٣٧ – سنة إنتاج فيلم “سلامة فى خير”.

مجلة المسرح نشرت بتاريخ ١٧ مايو ١٩٢٦ أن المخرج وداد عرفى اتفق مع نجيب الريحاني أن يقوم مع أفراد فرقته بتصوير فيلم “جحا”، وكما اتفق عرفي في الوقت ذاته مع يوسف وهبى ليقوم ببطولة فيلم “النبي محمد” على أن يشترك نجيب الريحاني معه، وهما الفيلمين اللذين لم ينجح عرفي في تنفيذهما.

وحسب ما ورد في موسوعة تاريخ السينما المصرية لأحمد الحضري، نقلا عن مجلة الصباح عدد ٢٩ سبتمبر ١٩٢٩، فقد عاد الريحاني لإحياء تجربة فيلم “جحا” مجددا، حيث قالت المجلة أن إحدى الشركات السينمائية في مصر أوشكت على الانتهاء من إخراج رواية “جحا” التي بدأ العمل بها منذ شهرين، وأن أكثر ممثلي هذا الفيلم من أعضاء فرقة الريحاني.

ولكن يبدو أن مصير تجربة فيلم “جحا” الثانية، لم تكن أفضل حظا من الأولى، حيث توقف تصوير العمل بسبب الخلافات التي دبت بين المخرج جاك شوتز وبين نجيب الريحاني، كما نشبت خلافات بين نجيب وبديعة مصابني التي كانت تشاركه بطولة الفيلم، وتؤكد بعض المصادر أنه تم تصوير مئة متر، كما تؤكد مصادر أخرى بأن ما تم تصويره مئتا متر.. ثم توقف التصوير، بينما يؤكد آخرون أن التصوير كان قد اكتمل وخرج الفيلم تحت عنوان “الريحاني” حسبما ورد فى كتاب “نجيب الريحانى من عصر الازدهار حتى انسداد شرايين الكوميديا” لأحمد سخسوخ، إلا أن سخسوخ لم يوضح مصير الفيلم بالرغم من اكتماله.

كشكش بك.. من المسرح للسينما

بعد عامين قام الريحاني ببطولة فيلمه الصامت الثاني “صاحب السعادة كشكش بك” عام ١٩٣١ من إخراج ستيفان روستي، حيث الفيلم عرض لأول مرة يوم ٢٧ إبريل ۱۹۳۱، ثم أعيد عرضه بعد ذلك ناطقا، كما سيتضح من خلال الأحداث السينمائية في عام ۱۹۳۳، وكانت بعض الكتابات والأخبار عن هذا الفيلم تحمل اسم “صاحب العزة كشكش بك” وذلك بحسب أحمد الحضري.

ويقول نجيب الريحاني في مذكراته عن تنفيذ فيلم “صاحب السعادة كشكش بك”: قد كان غريبا أن نبدأ العمل دون أن نضع فكرة أو نكتب سيناريو، وكل ما هنالك أننا كنا نخرج في السادسة صباحا دون أن ندري ما ستفعل، حتى إذا جلست لتركيب لحية كشكش، بدأت أفكر في المناظر التي سنقوم بتصويرها”، مشيرا إلى أن حسين رياض وإنصاف رشدي شاركاه بطولة الفيلم.

وورد بمجلة “الصباح” عدد ۲۲ فبراير ۱۹۳۱ أنه لم تصرح لجنة مراقبة الأفلام السينمائية بوزارة الداخلية بظهور فيلم “صاحب السعادة كشكش بك”، حيث أشارت المجلة إلى أن نجيب الريحاني كان لايزال يسعى لاستصدار التصريح، قبل أن تضيف المجلة نفسها في عدد ۱۰ إبريل ۱۹۳۱، بأن وزارة الداخلية صرحت بعرض شريط “صاحب السعادة كشكش بك” وقد حذفت منه خمسة عشر مترا رأت ضرورة حذفها للتصريح به.

وتكشف الأخبار أن الفيلم عرض عرضا تجريبيا بصالة سينما چوزی بالاس مساء ۲۳ أبريل ۱۹۳۱، وبدأ عرضه العام بعد ذلك بأربعة أيام، وعن تكاليف الفيلم يقول نجيب الريحاني في مذكراته: “تكلف فيلم صاحب السعادة كشكش بك أولا عن آخر مبلغا وقدره أربعمائة جنيه مصري فقط لا غير. يعني أننا أخرجناه بتراب الفلوس”.

هكذا تحدث “كشكش بك”!

كان الفيلم التالي الذي بدأ الريحاني العمل عليه، فيلما حمل اسم “سعادة كشكش بك” وكان من إخراج إستيفان روستي أيضا، لذا اعتبر البعض أن هذا الفيلم لم يكن سوى النسخة الناطقة من الفيلم السابق “صاحب السعادة كشكش بك”.

ويقول أحمد الحضرى في موسوعته أنه: “عندما عرض فيلم صاحب السعادة كشكش بك أول مرة في ٢٧ إبريل ۱۹۳۱ كان صامتا، وإن كانت تصاحبه أسطوانة لأغنية أو أكثر في بعض أجزائه. أما في نسخة عام ١٩٣٤ من نفس الفيلم، فقد تم إضافة الصوت لها، كما تمت إضافة بعض المناظر، وأعيد عرض الفيلم باسم “سعادة كشكش بك” وعرض ناطقا عام ١٩٣٤ في افتتاح سينما رمسيس”.

وكان من اللافت، أن الريحاني حريص على أن تكون بدايته في السينما مرتبطة بشخصيته الأشهر في المسرح “كشكش بك”، حيث كان فيلمه الثالث يحمل اسم “حوادث كشكش بك” وصدر في عام 1934 أيضا، وهو ما كان سببا في اعتقاد البعض بأن الفيلم الثالث لم يكن إلا نسخة ناطقة أخرى من فيلم “صاحب السعادة كشكش بك”.

وهنا يفرق سمير فريد بين فيلم “سعادة كشكش بك” الذي أضيف إليه الصوت وكان في الأصل يحمل اسم “صاحب السعادة كشكش بك”، وبين فيلم “حوادث كشكش بك”، فالأول من إخراج إستيفان روستي مخرج الفيلم الصامت وقد أضيف إليه الصوت، بينما مخرج فيلم “حوادث كشكش بك” هو كارلو بويا، ورغم هذا الوضوح فإن هناك من يخلط بين الفيلمين باعتبارهما فيلما واحدا.

والأكثر منطقية أن يكون “سعادة كشكش بك” الذي أضيف إليه الصوت هو الأصل الصامت لـ “صاحب السعادة كشكش بك” من إخراج إستيفان روستي كما هو موثق، خاصة وأنه حسب القواعد الفيلموجرافية، فالفيلم الذي يعرض مرة ثانية بعد أي تغير في أحداثه بالإضافة، يصبح فيلما جديدا، وبالتالي فإن إضافة الصوت إلى فيلم “صاحب السعادة كشكش بك” وتغيير عنوانه إلى “سعادة كشكش بك” تعني أنه أصبح فيلما جديدا.

الريحاني في باريس

انتقل الريحاني بعد ذلك إلى باريس ليصور فيلم “ياقوت” سنة ١٩٣٤، ويقول الريحاني في مذكراته حول هذه التجربة: “بينما كنت في باريس دعاني مسؤول بشركة چومون السينمائية لزيارة الاستوديوهات، وكان معي الأستاذ إميل خوري سكرتير تحرير جريدة الأهرام، وعرض علينا أن تخرج الشركة فيلما أتولى أنا بطولته”، مضيفا أنه رغم رأيه بأن السيناريو لا يصلح مطلقا للسينما، لكنه وافق في النهاية مع يقينه أنه سيسقط سقوطا مدويا.

وقد صور الفيلم بالكامل في الريڤيرا، وعرض لأول مرة في مصر في ۲۳ مارس عام ١٩٣٤ في سينما جومون بالاس بالإسكندرية، كما عرض بعد أيام في سينما متروبول بالقاهرة.

وتذكر مجلة العروسة بعددها الصادر فى ١٤ مارس ١٩٣٤ أن وزارة الداخلية لاحظت أن فيلم “ياقوت” يعد دعاية سيئة ضد مصر، ورأت منعه من العرض، أو قص تلك المشاهد المسيئة.

وفي كل الأحوال، فقد اختفت نسخ الفيلم وظلت مفقودة حتى أواخر التسعينات، حين كان مدكور ثابت رئيسا للمركز القومى للسينما، وفى إحدى زياراته لسينماتيك فرنسا، وبعد العديد من المراسلات عثر على فيلم “ياقوت” هناك، حيث كانت تقضى القوانين الفرنسية بعدم خروج أي فيلم تم تصويره بفرنسا دون الاحتفاظ بنسخة منه لدى الأرشيف الفرنسي للسينما. وقد أهدى السينماتيك نسخة من الفيلم إلى المركز القومي للسينما، وتم عرضه في افتتاح المهرجان القومى للسينما في يونيو ۲۰۰۰ بدار الأوبرا تكريما لنجيب الريحاني، وقد ظلم نجيب نفسه برأيه في نفسه كممثل سينمائي، كما ظلم الفيلم، فمستوى تمثيله يؤكد حضوره.

كذلك مستوى الممثلين رغم أن أغلبهم كانوا من الهواة المصريين والعرب في باريس، والدور الذي مثله بديع خيري في الفيلم هو الظهور الأول والأخير له على الشاشة، بما يعد الوثيقة السينمائية الوحيدة للكاتب المسرحي ومؤلف الأغاني وكاتب الحوار الأشهر في السينما المصرية.

800 جنيه تغير رأي الريحاني

لم تكن تجارب نجيب السينمائية حتى تاريخ صدور فيلم “ياقوت” على المستوى الذي يرضاه الريحاني، بل رأى أنها أساءت لسمعته المسرحية، وبالرغم من ذلك، أقدم الريحاني على تمثيل فيلم جديد حمل اسم “بسلامته عاوز يتجوز”، ويبرر الريحاني موافقته على الفيلم في مذكراته بقوله: “عرضوا أن أتقاضى ثمانمائة جنيه وخمسة في المائة من الإيراد وشاورت عقلي”.

وقد ورد ذكر هذا الفيلم بكتابات السيد حسن جمعة تحت اسم “حضرته عاوز يجوز”، حيث قال: “وهذا هو اسم الشريط الذى يمثله الآن الأستاذ نجيب الريحاني. وقد نقلت حوادثه عن الرواية المسرحية “الدنيا جرى فيها ايه؟” التي أخرجها الريحاني على خشبة المسرح. وقد أتيح لنا أن نزور استودیو کانساروس الذي يجرى فيه التصوير، وكان القائمون بالعمل عائدين في نهاية اليوم من رحلة إلى ضاحية “المرج” أخذت فيها بعض المناظر الخارجية، وأخبرنا الأستاذ عبد السلام النابلسي مساعد المخرج أنه قد تم الاتفاق مع النجمة عزيزة أمير للقيام بدور البطولة مع نجيب”، وقد عرض الفيلم بالفعل فى ٦ فبراير ١٩٣٦ بسينما ديانا بالاس بالقاهرة واستمر ثلاث أسابيع.

كان نجيب الريحاني قد عانى الكثير من تنفيذ الأفلام السينمائية التي قام ببطولتها من قبل، وعندما دعاه أحمد سالم مدير أستوديو مصر للاتفاق على إنتاج فيلم جديد، يعلق الريحاني على ذلك بقوله: “لقد كان مجرد التفكير في السينما يزعجني بعدما قاسيت ممن تعاملت معهم، ولذلك قضيت الطريق بين منزلي وبين الاستوديو، مفكرا في طريقة الاعتذار بذوق عن ظهوري على الشاشة، وبزيادة علينا المسرح.. !!”.

أول كوميديا سينمائية مصرية ناجحة!

وكان حلم نجاح الفيلم الذي اعتبر “الفرصة الأخيرة” مشجعا للريحاني على الموافقة خاصة أنه إنتاج ستوديو مصر. ويقول نجيب: “واشتركت مع بديع خيري في وضع السيناريو وذهبنا للقاء الأستاذ أحمد سالم، ولكنه قص علينا فكرة جديدة مفضلا جعلها أساس السيناريو ولا أجد غضاضة في التصريح بأنها المرة الأولى التي استحسنت فيها قصة لأي إنسان كان.. وسافر أحمد سالم إلى أوروبا بعد أن سلمنا للأستاذ نيازي بصفته مخرجا للفيلم. الذى لم أحب العمل معه فى البداية، ولكن بمرور الوقت عرفت قيمة نيازي مصطفى”.

أثناء مونتاچ الفيلم صرح نيازي مصطفى لمجلة المحروسة عام 1937 قائلا: “كان لقائي الأول بنجيب الريحاني بعد الاتفاق على سيناريو الفيلم وأحسست أنه يستقل بي من أول نظرة، حتى أنه جعلني أشك في نفسي وفي قدراتي وتولد سوء التفاهم بيني وبين الريحاني في البداية، ومع الوقت زاد التفاهم وكان فيلم “سلامة في خير” أول كوميديا سينمائية مصرية ناجحة فنيا”.

ما قدمه الريحاني من أفلام خلال الفترة ما بين عامي 1929 وحتى عام 1936 كان مثار جدل، إذ قدم في هذه الفترة ستة أفلام، بما يساوى أفلام فترته الثانية غير المختلف عليها من عام 1937 وحتى رحيله عام 1949، وبهذا تصبح أفلام الريحاني 12 فيلما، مما يخالف الآراء التي تجمع على أنه قدم تسعة أفلام فقط، حيث يتناسى البعض أفلاما لم تكتمل مثل (جحا)، وأفلاما أخرى صامتة وقد أدخل عليها الصوت، فأصبحت في مصنف آخر، بينما تم الاتفاق على ما قدمه بالفترة الثانية إذ قدم فيها ستة أفلام أيضا.

“أنا شبعت تمثيل النهاردة”!

توقف الريحاني عن السينما ثلاثة أعوام ليقدم سنة 1949 فيلم “غزل البنات”، الذي رحل قبل أن يشاهد عرضه، وقد توفرت للفيلم كل سبل النجاح، ذكاء أنور وجدي في تسويق الفيلم بالدعاية الضخمة التي صاحبت التصوير وركزت على اشتراك ليلى مراد ونجيب الريحاني ومحمد عبد الوهاب ويوسف وهبي وأنور وجدي لأول مرة في فيلم واحد، وكان قد حدث اتفاق بين عبد الوهاب وليلى مراد على بطولة الفيلم من إنتاجه، ودخل أنور وجدي معه شريكا في الإنتاج بعد أن طلبت ليلى مراد عشرة آلاف جنيه أجرا لها، واستكثر عبد الوهاب هذا الأجر، فأقنعه أنور وجدي أن الفيلم سيحقق مليون جنيه باشتراك الريحاني ويوسف وهبي في الفيلم، ومن ثم تم إعادة كتابة السيناريو من قبل بديع خيري ونجيب ليتضمن الفيلم وجود كل هؤلاء النجوم.

ما إن انتهي الفنان نجيب الريحاني من تصوير مشهد أغنية عاشق الروح، حتى طلب من حسن الصيفي مساعد المخرج أن يعد له فنجان قهوة، وطلب التليفون ليتصل بالمسرح ويبلغ مدير فرقته بأن يلغي عرض النهارده، فرد عليه مدير الفرقة متسائلا: “ألف سلامة عليك يا أستاذ.. إنت تعبان النهاردة؟”، فأجابه الريحاني قائلا: “أنا شبعت تمثيل النهاردة”، تلك الواقعة رواها عمرو الصيفي نقلا عن والده.

تم عرض الفيلم بسينما مصر في 19 من شهر سبتمبر 1949، ولكن الريحاني كان قد رحل في الثامن من يونيو، أي قبل عرض الفيلم بحوالي ثلاثة أشهر، حيث فارق نجيب الريحاني الحياة فور انتهاء آخر مشهد.

وذكر سمير فريد فى كتابه “نجوم وأساطير في السينما المصرية”، أن عبد الوهاب سجل شعوره حول فقدان نجيب الريحاني بقوله: “كان هذا الشعور الذي أسجله يجول في نفسي قبل فقدنا لنجيب بشهورتسائلت أن الريحاني لو توفي يوما فلن يترك إلا أوراقا بالية هي ما تبقى من مسرحيات لن تكون لها قيمة بدون وجوده، فاعتزمت أن أنفذ مشروعا مع أنور وجدي بإحياء مسرحياته الخالدة على الشاشة الكبيرة، لكن القدر شاء أن نقف بعد غزل البنات”.

وعن مشهد نجيب الريحاني الأخير يروي صديقه عثمان العنتبلي، بأن الموت كان يخيف الريحاني، إن الريحاني أثناء رحلته الأخيرة للإسكندرية كاد يفقد حياته حيث نجا نجيب من موت محقق حين تفادى سائقه صداما قاتلا بين قاطرة ترام وأتوبيس ضخم، كان ضحيته أرواح عدة وكانت نجاته، ويموت نجيب بعد ذلك الحادث نتيجة خطأ طبي سواء كان بخطأ التشخيص أو خطأ العلاج.

أقيمت جنازة الريحاني في اليوم التالي لرحيله، حيث أقيمت الصلاة عليه بكنيسة السريان الكاثوليك بشارع الظاهر، وسارت الجنازة حتى ميدان الأوبرا بالعتبة، كانت جنازة الريحاني أكبر جنازة في تاريخ مصر حينها بعد جنازة سعد زغلول، حضرها مندوب الملك، بالإضافة إلى الفنانين والسياسيين وجماهير نجيب، وبحسب الفيلم الوحيد لجنازة نجيب الريحاني 19 مللي، ومدته 18 دقيقة، والذي تم تصويره بأمر الملك فاروق، ثم اختفى من قصر عابدين بعد 23 يوليو، ليظهر في تركيا، ثم يشتريه هاو مصري لا يزال محتفًا به، يبدأ الفيلم بعرض جنازة نجيب الريحاني بداية من إقامة مراسم الصلاة في الكنيسة حيث وضع صندوق جثمانه على منضدة عالية، ووقف بالقرب منه قسيس كان يتلو الصلاة في حضور أصدقائه وزوجته السابقة بديعة مصابني، وشقيقه يوسف الريحاني وأنور وجدي ويوسف وهبي، وأمام الكنيسة وقفت العربة الملكية المذهبة كي تحمل جثمان الريحاني إلى مثواه الأخير.

**

تمنى نجيب أن يقضى نحبه فوق خشبة المسرح عن أن يموت على فراشه، ومات نجيب وفقدت مسرحياته، ولكن بقيت أفلام السينما التي خلدته وعرفنا من شاشتها من نجيب.. ويبدو أن وحده نجيب الذي رأى نفسه على الشاشة غير من رأيناه نحن.