أحب بليغ حمدي الحياة، فأحبته حيناً وآلمته أحيان أخرى. أعطته موهبة فريدة عاشت وستعيش لسنين طويلة، لكنها أخذت منه الطمأنينة والاستقرار. حياة بليغ حمدي سيرة تستحق أن تُروى، لأنها متشعبة لدرجة مدهشة، ليست فقط الأحداث الكبيرة فيها والقصص المستقرة في وجدان الناس وذاكرتهم، بل والأحداث الصغيرة أيضاً، التي وقعت في فترات زمنية قليلة، ثم غابت ونساها الرواة والكتاب الذين غاصوا في بحر حياته.

وردة الجزائرية، هي قصة العشق الأهم في حياة بليغ حمدي. من أجلها ترك نفسه، وترك عقله في طريق الحب كثير المخاطر. مشروع خطوبة لابنة الموسيقار محمد عبدالوهاب، وعلاقات عابرة هنا وهناك. حادث مأساوي، ثم هروب ثم عودة. لكن الموسيقى دائماً كانت البطل المصاحب في قصته، بها عاش مع وردة، وبها قدم كل ما هو جديد لكثير من الأصوات الجديدة، مثل سميرة سعيد وميادة الحناوي وغيرهن، وبها جسد أزمته، وحبه لوطنه، وعشقه لموهبته.

***********

بين أيدينا قصة من قصص بليغ حمدي المتشعبة، هي قصة حبه لسامية جمال، أو بالأحرى، قصة خطوبة لم تستمر سوى 20 يوماً أو أقل بقليل.

بليغ مولود في حي شبرا بالقاهرة في 7 أكتوبر 1931، بينما ولدت زينب خليل إبراهيم محفوظ الشهيرة بسامية جمال في بني سويف يوم 5 مارس 1924، أي أنها تكبر بليغ بحوالي 7 سنوات ونصف. بدأ بليغ حياته الفنية شغوفاً بالغناء، لكن التلحين كان يطرد هذا الشغف شيئاً فشيئاً، حتى توطدت علاقته بالموسيقار الراحل محمد فوزي، الذي أعطاه فرصة التلحين لكبار المطربين والمطربات من خلال شركة (مصر فون) التي كان يملكها، لكن بليغ صار بليغاً في عام 1957 عندما قدم أول ألحانه للعندليب عبد الحليم حافظ “تخونوه”، وبعدها بثلاث سنوات لحن أول أغنية لأم كلثوم، وكانت “حب إيه”.

أما سامية جمال فبدأت حياتها الفنية في أوائل الأربعينات مع فرقة بديعة مصابني، حيث كانت تشارك في التابلوهات الراقصة الجماعية بـ”كازينو بديعة”، كما أنها ظهرت في أفلام “العزيمة” لكمال سليم و”انتصار الشباب” لأحمد بدرخان و”ممنوع الحب” لمحمد كريم، باسم سميحة عبدالرحمن. في منتصف الأربعينات كونت ثنائياً ناجحاً مع الفنان فريد الأطرش في عدة أفلام، لكن أشهرها على الإطلاق كان في 1949 بفيلم “عفريتة هانم” للمخرج بركات.

وبالتالي، فإن سامية جمال قد سبقت بليغ سناً وشهرة، حتى جاءت سنة 1959 والتي أعلنت فيها خطبة الاثنين المفاجئة للجميع.

***********

قصة الحب كما روتها سامية جمال
قصة الحب كما روتها سامية جمال

كانت مجلة “الكواكب” الصادرة عن دار الهلال في تلك الفترة تقدم باباً أسبوعياً رائعاً بعنوان “قصة حبي”، حيث تعرض فيه نصاً لأحد النجوم سارداً قصة حبه مع نجم آخر، مطعماً بمراجعة من الحبيب الثاني بخط يده. ربما بدأت قصة حب بليغ وسامية قبل اليوم الذي صدر فيه عدد 28 يوليو من سنة 1959 من “الكواكب” بأيام، لكن الباب الذي كتبته سامية في المجلة، وراجعه بليغ حمدي كان حديث الوسط الفني حينها.

وقُدم الباب كالتالي: “كان نبأ إعلان خطبة الفنانة سامية جمال لبليغ حمدي مفاجأة الموسم. لم يكن أحد يتوقع أن تقبل سامية الزواج من بليغ بعد أن أعلنت أكثر من مرة أنها تعيش لفنها فقط ولن تفكر مطلقا في الزواج. ماذا حدث إذن حتى تعدل سامية عن مقاطعتها للزواج؟ إنه الحب الذي يتخطى كل الحواجز، و”الكواكب” تنفرد بالقصة كاملة”.

تذكر سامية في مذكراتها أنها تزوجت في بداية حياتها من شاب أمريكي يدعى عبدالله كينج، فيما ربط كثيرون اسمها باسم فريد الأطرش فنياً وحياتياً أيضاً في منتصف الخمسينيات، لكنهما كانا ينفيان هذه الشائعة مؤكدين أنهما مجرد زميلين كونا ثنائياً سينمائياً ناجحاً، لكن في الثمانينات قالت سامية جمال خلال لقاء تليفزيوني لها مع الإعلامي طارق حبيب أن حب عمرها هو الفنان فريد الأطرش، مضيفة أن حالة الحب بينها وبين فريد كانت واضحة لكل من عرفهما.

إذن، كان هناك قصة حب حقيقية بين سامية وفريد، نعم لم تكلل بالزواج، ولكنها كانت موجودة، وبالتالي فإن واقعة خطوبة سامية وبليغ حدثت بعد قصة الحب تلك.

الغريب أن بليغ هو الآخر كان خارجاً لتوه من قصة حب لا تخلو من مأساوية، كما يقول الناقد الكبير أيمن الحكيم لـ”عرب لايت”، فبليغ كان يحب فتاة يونانية بشبرا، وتوفيت بعد أن أصيبت بمرض نادر. ويضيف صاحب كتاب “موال الشجن” الذي يروي سيرة بليغ حمدي إن خروج سامية وبليغ من قصتين عاطفيتين قويتين أثارا لديهما شجناً ما، في أن يتعرفا على بعضهما البعض، وأن يعلنا خطبتيهما.

بدأت سامية جمال باب “قصة حبي” بالآتي: “منذ عام، قطعت على نفسي عهداً ندرت ألا أخونه، عاهدت نفسي أن أعيش لفني فقط بلا زواج، على أن الأقدار بدأت تتدخل لتكتب أول حرف في قصة حب جديدة طوت حياتي، تلك القصة التي انتهى الفصل الأول منها بإعلان خطبتي للملحن بليغ حمدي”.

سامية سردت بعد ذلك قصة اللقاء الأول بينهما، حيث كان ذلك خلال عملها باستديو مصر في فيلم “كل دقة في قلبي”، إذ جاء بليغ ليزور الاستديو من أجل بعض أعماله الفنية. هنا يتدخل بليغ ليراجع بخط يده ما كتبته سامية جمال فيقول “كنت على موعد مع الصديق محمد فوزي لأحصل منه على مبلغ كان وعدني به ثمناً لألحاني، فوجدته، ولكن لم يعطني شيئاً، فكنت في منتهى الضيق، ولكن خفف من هذا الضيق لقائي بالعزيزة سامية”.

تعود سامية لتقول “كانت تصحبه (أي بليغ) صديقة عزيزة جداً هي حرم المطرب أحمد فؤاد التي قامت بمهمة التعارف بيننا، وبعد أن تبادلنا التحية قلت لهم أن الجو شديد الحرارة داخل البلاتوه، وطلبت منهم مرافقتي إلى ساحة الاستديو حيث نستطيع أن نجلس في الهواء الطلق ونتبادل الحديث”.

فريد الأطرش وسامية جمال
فريد الأطرش وسامية جمال

لفت نظرها في اللقاء الأول – كما تقول سامية – أن بليغ خجول وميال للصمت، حتى أنهما لم يتبادلا الحديث، بل كانت سامية مهتمة بسماع تعليقاته القصيرة الموجزة على الحديث، حيث كان يعلق بطريقة خير الكلام ما قل ودل.

لم يترك اللقاء الأول أي أثر في نفس سامية جمال، ولكنه لم يكن الأخير، فتعددت زيارات بليغ للاستديو مع فؤاد الذي كان يعمل مع سامية في الفيلم وحرمه، ومع تعدد اللقاءات حدث تقارب بينهما.

“كنا نناقش الموسيقى وشؤونها. وأفضت في الحديث عن ألحانه التي أعجبت بها قبل أن أراه، وقبل أن أتعرف به، ولكثرة زياراته للاستديو، ولكثرة تكرار لقائنا وتبادلنا الحديث بدأت أشعر بفراغ إذا جاءت الصديقة العزيزة وزوجها بدون بليغ حمدي، ولهذا كنت اسأل عليه كلما غاب”، قالت سامية، ليتدخل بليغ معلقاً بجملة “غمرتني فرحة شديدة عندما بلغتني حرم صديقي أحمد فؤاد لسؤال سامية عني”.

تؤكد سامية جمال أن السؤال لم يكن يعني أنها مغرمة به، كما أنها لم تكن تفكرفي علاقة بينها وبينه، وهو يصغرها بسنوات طويلة (كانت تبلغ من العمر 35 سنة، وهو 28 سنة)، كما أنها كانت أشهر منه بكثير في تلك الفترة، لكن كل ما كان هو أن بليغ حمدي كان يترك في نفسها أثراً جميلاً لطيبته وحبه الشديد للموسيقى، يقابله حبها هي الأخرى لها وشغفها بالحديث عنها.

وتعود سامية للحديث عن فكرة إضرابها عن الزواج لتقول “في هذا الوقت بالذات كنت قد ضربت حول نفسي ستاراً من العزلة، والتزمت عهدي الذي قطعته على نفسي بأن أعيش وفية لفني، وابتعد عن الرجال وعن الزواج بعد تجاربي. دعوت صديقتي وزوجها المطرب وبليغ إلى سهرة عندي في البيت، لم أكن أسهر خارج البيت عملا بما أخذت به نفسي من عزلة، وبعد هذه السهرة توطدت بيني وبين بليغ صدارقة رزينة، وتكررت سهراتنا مع الأصدقاء في بيتي، وفي خلال إحدى هذه السهرات سمعته يترنم بلحن لذيذ له، ويردده لكل من يقابله، وبلا تفكير، بل بحماس واندفاع، وجدت نفسي أنصحه ألا يردد ألحانه على أحد قبل تسجيلها وإذاعتها خوفاً من أن (يلطشها) – كما وردت في النص – البعض كما يحدث كثيراً، ويومها رمقني بليغ بنظرة طويلة شاردة وهو يردد عبارات الشكر على هذه النصيحة وقطع على نفسه عهداً بأن يأخذ بها”.

صارت الشلة (سامية وبليغ وأحمد فؤاد وزوجته) تجتمع كثيراً، صاروا يلتقون يومياً، لكن سامية فوجئت في يوم أن زوجة فؤاد تزورها وحدها، لتحدثها عن عزلتها ووحدتها والجفاف العاطفي، وضرورة أن تتخلص من كل ذلك. فهمت سامية أن أمراً مهماً في الأفق، ففاجئتها صديقتها بالفعل وقالت لها “لقد عثرت لك على عريس طيب وابن حلال، يحبك إلى درجة العبادة، وقد كلفني أن أعرض عليكِ الزواج منه، متمنياً أن توافقين على العرض”.

قال بليغ حمدي في مراجعته لنص سامية إنه لم يكن يفكر هو أيضاً في الزواج، ولكن حرم صديقه سألته يوما “إيه رأيك في سامية؟، فأجبتها بأنها الوحيدة التي تستطيع أن تقنعني بضرورة الزواج”.

عرض الزواج لم يأخذ وقتا طويلاً من التفكير، حيث رفضت سامية الفكرة قائلة “بليغ حقاً إنسان طيب القلب، وأنا أحترمه كصديق وأقدره كفنان” لكنه طلبت من صديقتها أن تُبعد فكرة الارتباط والزواج الرسمي عن ذهنه، ولكنها طلبت منها أن توصل لها تلك الرسالة بأسلوب خفيف حتى لا يصدم لأنه “إنسان طيب”، كما قالت سامية.

أيام قليلة مضت، لتتلقى سامية جمال اتصالا من صديقة لها من الوسط الفني تخبرها بأنها سمعت عن قصة حب بينها وبين الملحن الشاب بليغ حمدي، وأن تلك القصة ستنتهي بالزواج القريب. “جن جنوني وثرت غاضبة، لأن أشد ما يثير أعصابي ويفقدني السيطرة على نفسي هو إشاعة عن حياتي الخاصة تلوكها الألسن في الوسط الفني، فهي إشاعة لا نصيب لها من الصحة”، أجرت سامية اتصالا بزوجة فؤاد وطلبت منها أن تخبره بأن يكف عن إطلاق مثل هذه الشائعات الكاذبة، لكنها فوجئت باتصال منه يخبرها بأنه لم يطلق مثل هذه الشائعة، ولم يتحدث بها قط مع أحد.

يقول بليغ في مراجعته “كنت أشعر بألم شديد عندما كان يصلني أنها تعتقد أنني مصدر هذه الإشاعات، خصوصاً أن هذا لا يتفق مع طبيعتي”. أقسم بليغ حمدي لسامية جمال أنه برئ من هذا الأمر، لتزيد محبته في قلبها.

وأكملت سامية “ذات أمسية كنت أقضى السهرة مع بليغ حمدي وتبادلنا الحديث في شئون كثيرة مختلفة وتعهدت أن أشرح له كل ظروفي وما يحيط بي من متاعب ومشاكل، وبدأت أشعر برغبته في أن يحول شقائي إلى سعادة بل شعرت أنه إنسان قد عذبه الحب وقال لي بليغ: “أنني أحبك وأقصى أماني أن أتزوجك ويوم توافقين على الزواج أرجو ألا تبخلي على بإعلان موافقتك في أمسية أخرى، ليلة الأحد، فقضينا السهرة معا وتكلمنا في شئون الحياة المختلفة، وفي نهاية السهرة في الرابعة صباحا تقريبا قالت له: “بليغ أنا موافقة أنا قبلت الزواج منك، وعلت الفرحة وجهه وصاح في سرور أشتري الدبل بكره نعم، وفي اليوم الثاني الاثنين 29 يونيو أعلنا خطبتنا دون أن يسمع بها أحد، وتصادف أن دعتني الصديقة صباح تلك الليلة إلى سهرة، واتصلت بي تستعجلني الحضور فأبلغتها نبأ الخطبة، وكانت أول من عرف بها وقد يسألني البعض عن ما أعجبني في بليغ حمدي فأقول “شخصيته وطيبة قلبه وأخلاقه واعتزازه بكرامته وأنا استعجل الأيام الباقية على إتمام الزواج وقد اتفقنا على أن يكون زفافنا عقب انتهائي من فليمي الجديد الذي أعمل فيه مباشرة”.

***********

سامية جمال تروي قصة فسخ خطبتها من بليغ
سامية جمال تروي قصة فسخ خطبتها من بليغ

شهر وأيام قليلة فقط مرت على إعلان خطوبة سامية جمال وبليغ حمدي، لتنفرد جريدة “الأخبار” اليومية بخبر “فسخ الخطبة” دون إعلان أية تفاصيل، فماذا حدث؟.

“الكواكب” أيضاً كان لها سبق في إجراء حديث مع سامية جمال توضح فيه أسرار فسخ الخطبة. “فتش عن المرأة” كانت جملة صادمة صدرت بها المجلة حديث سامية جمال، واصفة تلك المرأة بأنها “المرأة التي حولت الفرح إلى مأتم”.

جلست سامية جمال لتتحدث إلى محرر الكواكب في مكان على النيل. كانت الفنانة الكبيرة وكلبها في حالة حزن – كما يقدم محرر المجلة للحديث، مضيفاً “كان كلبها الأسود الفحل رابضا على الأرض وأمامه كرة ونفسه (مصدودة) – في الأصل – عن اللعب، وهي في بنطلون أزرق وبلوزة سماوي، والهواء يداعب شعرها، والذكريات القريبة تنسال على لسانها، وألم خفي يتسلل من نبرات صوت تجاهد ألا يبدو حزيناً.. والطبيعة ككلبها الأسود واجمة”.

“كان قلبي دليلي” بهذه الجملة بدأت سامية حديثها مؤكدة أن “القصة من أولها أنني كنت خارجة من صدمة حب، من حب كبير أعيش فيه، أتنسم به الدنيا، أرى به الكون، أوسده أحلامي وأعلق عليه المنى، ثم تبدد حبي، وجاء الفراغ. وفي الفراغ تتفتح الشهية للكلام وللدردشة. هكذا بدأت قصتي مع بليغ حمدي”.

كانت سامية هنا تقصد قصة حبها لفريد الأطرش التي أشيع عنها في الخمسينات، وهي صرحت بها في مذكراتها، وفي حلقتها مع الإعلامي طارق حبيب.

أخبرت سامية جمال أهلها أنها ستوافق على عرض الزواج من بليغ حمدي لأنها لا ترضى لإنسان أن يتعذب ويشقى بالحب، هكذا قالت في حديثها للمحرر، ولكن أهلها وبالأجماع رفضوا هذه الزيجة، ومع هذا قبلت خطبته، وبعد إعلان الخطبة بيوم واحد فقط كانت الكارثة.

روحية جمال، تلك المرأة التي قالت عنها “الكواكب” في بداية الحديث أنها المرأة التي حولت الفرح إلى مأتم. ولكن من هي روحية جمال؟

هي ممثلة غير مشهورة على الإطلاق، بدأت حياتها الفنية بفيلم “المستهترة” سنة 1953، وأنهتها بفيلم “سمك لن تمر هندي” سنة 1988. قدمت 20 عملاً دون ترك علامة واضحة أو أثر بارز في السينما، لأنها كانت تظهر في أدوار صغيرة للغاية، مجسدة دور المرأة اللعوب دائماً.

قالت سامية إن روحية قامت بالحديث إلى أنور منسي (الموسيقي الشهير الذي تزوج من صباح وهو والد ابنتها هويدا)، وأخبرته بأنها تحب بليغ حمدي، وأن بينهما أشياء كثيرة، وأن سامية جمال قامت باختطاف بليغ منها، مضيفة إلى هذه الجمل شتائم كثيرة لم يخبرها بها منسي.

واجهت النجمة الكبيرة، بليغ، بما قاله منسي فرد عليها بأنها معجبة تحبه، وأنه لا يبادلها ذرة من الحب. روحية لم تكتف بالاتصال بأنور منسي، بل تواصلت كذلك مع زوجة أحمد فؤاد، لتشبعها لوماً وتعنيفاً بسبب نفس المسألة.

هنا ثارت شكوك سامية جمال، التي أخبرت محرر “الكواكب” أنها ذات ليلة حلمت بأنها مع بليغ يمضون في سيارة إلى أحد الملاهي الليلية في شارع الهرم، “ومن الظلام انبرت سيارة امرأة في سواد، ولم يعرج عليها بليغ، إنما أوقف السيارة وترجلنا لنتجه إلى باب الملهي، وتجاهل بليغ المرأة، فصاحت به (تنكرني أيضاً)، أما أنا فقد رق لها قلبي فتوقفت عندها وطيبت خاطرها وشكت لي من أنه يحبها وتحبه وهو يهملها، وبليغ في وقفته البعيدة كان جامد الوجه، لا تتحرك منه عاطفة، ولا تثور فيه شفقة”.

إلى هنا انتهى حلم سامية جمال التي أخبرته للمحرر، كما أخبرته لبليغ أيضاً، لكنه نصحها بألا تكثر من الطعام ليلاً حتى لا تتعرض إلى كوابيس.

الأمريكي شبيرد كينج.. أحد قصص الحب التي لم تكتمل في حياة سامية جمال، تزوجها في بداية الخمسينات ثم استولى على أموالها في أمريكا
الأمريكي شبيرد كينج.. أحد قصص الحب التي لم تكتمل في حياة سامية جمال، تزوجها في بداية الخمسينات ثم استولى على أموالها في أمريكا

***********

لم تكن إثارة قصة انفصال بليغ حمدي عن سامية جمال قد اكتملت بعد كما روتها النجمة الكبيرة، مؤكدة أنها في يوم دعيت هي وبليغ إلى العشاء عن الراحلة شادية. كان الخلاف بينهما كبيراً خصوصاً بعدما واجهته سامية بالحلم وبما دار في مكالمتها مع أنور منسي، الأمر الذي أغضب بليغ، حتى أنه ظهرت على وجهه علامات الضيق، لاحظت شادية ضيق بليغ فسألته فأنكر أن به شيئاً.

لكن سامية جمال وقتها قالت لشادية إنه فعل شيئاً يستحق أن يكون واجماً ضائقاً بسببه، وعندما ثارت ثورة بليغ ولاحظتها شادية، غضبت سامية بشدة قائلة للمحرر “نعم غضبت، فكيف ننشر على الناس غسيلنا غير النظيف؟!”.

عاد المخطوبان إلى بيت سامية، وفتحا الموضوع أكثر، فقالت له “لا أحب أن أقيم سعادتي على أشلاء حب. إنني لا أحب أن أخطف رجلاً ممن يحب، أو ممن تحبه. سر شقائي هو أنني دائماً قمت بهذا الدور، بدور التي تنكر قلبها وحبها إذا كان في سعادتها شقاء الآخرين، ولكنني راضية بالشقاء في ظلال راحة الضمير، عن السعادة في ظلال شقاء الآخرين”، ومضت تقول لبليغ “إذا كان بينك وبينها قد بلغ نهاية محتومة قبل خطبتنا فاذهب لها وقل لها أن تكف. لا تتركها حائرة لا تدري من أمرها معك شيئاً، ضع لها النقاط فوق الحروف، إنها فيما يبدو تتعذب، وأنا على كل الأحوال أعذرها”.

ظهرت سامية في تلك الجمل التي قالتها للمحرر، أو جوّدها المحرر ذاته، في ثوب الضحية المضحية بحبها وهنائها، الرافضة لشقاء الآخرين على سبيل سعادتها، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة، لا سيما في حياة الراحلة المليئة بالتقلبات النفسية والمزاجية.

أخبرها بليغ أنه تحدث إلى روحية متخذا موعداً للحديث معها في الموضوع برمته. كان ذلك في منتصف ليل أحد الأيام، قالت له سامية إنها تريد أن يذهب معه إليها طرف ثالث، ليحكم بين الطرفين، ولكنه ذهب وحيداً.
انشغلت سامية جمال بتصوير فيلم “الرجل الثاني”، وعاد بليغ – كما تقول سامية – إلى سهراته غير البريئة. حاولت

أن تعرف أكثر مصيرها، لكنه وكما تقول أيضاً كان يقول الكذب. أعطته فرصة أخرى، وعلمت أنه يواعدها ويقابلها، حتى أنها قالت “استمررت في العمل في فيلم (الرجل الثاني)، واستمر هو في العمل في قصة (المرأة الثانية)”، مضيفة “ذات ليلة كان مفروضاً أن يحدثني ولم يتحدث، اتصلت به عند منتصف الليل فقال لي خادمه إنه غير موجود. مناطق الخطر في أعماقي تنبهت، قالت لي إن شيئاً يحدث في تلك الليلة، خصوصاً أنه يسهر كثيراً (…) في الثالثة اتصلت به ولم أجده، في الرابعة أيضاً، وصحوت في السابعة صباحاً ولم أجده، بات بعيداً عن بيته، ولما عاد حدثني قائلا إنه كان حراناً وزهقاناً – كما وردت في الأصل – فسهر مع أصدقائه حتى الصباح”.

باغتته سامية بأنها تريد رقم تليفون روحية جمال، فأحست – كما تروي – بأن صوته ضاع، حاول أن يراوغ، فأخبرته أنها من الممكن أن تأتي بالرقم من أي شخص في الوسط الفني، فقال لها الرقم بصوت مرتعش. المدهش في رواية سامية أنها لم تتصل بروحية لتحصل منها على الخبر اليقين، بل اعتمد على مكالمة أنور منسي، ومكالمة زوجة أحمد فؤاد، وعلى رواية سائقها الذي سمع روحية في إحدى الجراجات وهي تكيل لها الاتهامات والشتائم.

قررت سامية الانفصال عن بليغ. أخبرت بذلك جريدة “الأخبار”، ليعلم بليغ الخبر من الجريدة، لا من سامية.

***********

الأطراف الثلاثة تدافع عن نفسها
الأطراف الثلاثة تدافع عن نفسها

القصة هنا غير مكتملة. القصة هنا على لسان سامية جمال فقط، فماذا عن الآخرين، وتحديداً روحية جمال وبطل القصة نفسه بليغ حمدي؟

“الكواكب” أيضاً كان لها السبق في الوصول إلى روحية التي قالت إن ما بينها وبين بليغ كان صداقة فقط، وإنها عندما علمت بخطبته على سامية جمال سارعت تهنئه، نافية أن تكون قد شكت سامية جمال لزوجة أحمد فؤاد، مؤكدة أنها صديقة لأحمد فؤاد وزوجته وبليغ، “كان من الطبيعي جداً أن نتبادل أنا وهي – تقصد زوجة فؤاد – الحديث عن الخطبة بعد إعلانها (…)، أرسلت رسالة إلى سامية جمال مع صديقتي لأن الشائعات التي انتشرت تقول إنني ثائرة غاضبة لإعلان خطبة سامية وبليغ، وأردت أن أصحح أفكار سامية جمال حتى لا تتأثر بهذه الشائعات، فأرسلت لها رسالة شفهية أؤكد لها كذب هذه الإشاعات، وليس بيني وبين بليغ غير صداقة بريئة”، مشيرة إلى أن ما بينها وبين بليغ هو إعجاب فني فقط، بألحانه ليس إلا.

واجهها محرر “الكواكب” بسؤال عما إذا قالت إن سامية جمال خطفت بليغ منها فردت “هذه نكتة يجب أن أضحك لها، أنني لم أبك على رجل أبدا. الرجال جميعا لا يستحقون أن تبكي من أجلهم”، مشيرة إلى أن زوجة أحمد فؤاد عادت إليها لتقول إن سامية جمال تعتقد أن هناك قصة حب بينها وبين بليغ، لتؤكد أن هذا الأمر غير حقيقي، “كما أن سامية جمال هددتها بنشر صور لنا، وهذا أيضاً غير حقيقي، لأنني ليس عندي لبليغ إلا صور تجمع بيني وبينه وبعض الأصدقاء أخذت في حفلات عامة، وغني عن القول إنها لا تدل على شيء خطير”.

المحرر سألها عن رأيها في الذين يحاولون إطلاق مثل هذه الشائعات قالت روحية “ناس لهم مصلحة في التفريق بين سامية وبليغ، أما أنا فلا دخل لي مطلقا فيما حدث، ويؤسفني أن تفسخ الخطبة على هذا النحو، خاصة وأنا كنت ضحية إشاعة كاذبة”، وعندما سألها المحرر عما إذا كانت ستوافق إذا عرض بليغ حمدي عليها الزواج في المستقبل فقالت “سأرفض، إن ظروفي تمنعني من الزواج، وعندي ابنة تحتاج إلى رعايتي وقد يمنعني الزواج عن رعايتها”.

بطل القصة بليغ حمدي كان أكثر هدوء في تصريحاته للمجلة، حيث رد على السؤال الأول حول إشاعة حبه بروحية جمال فقال “لنفرض أن هذا الكلام صحيح، فالحب على ما أعتقد أقوى من هذه الصغائر وتفاهات الأمور. كنت أعتقد أن الحب القوي الذي كان يبدو واضحاً من تصرفات سامية لا تؤثر فيه مثل هذه الصغائر، بل كنت أنتظر من سامية أن تؤمن بأن هذه صعاب يجب أن نتغلب عليها وندعم حبنا. وماذا كانت تعتقد؟، هل كانت تعتقد أنني إنسان بلا ماضٍ، إن كل إنسان له علاقات ثانوية حتى طالبات المدارس لهن مثل هذه العلاقات، وسامية خير إنسانة تعرف أن لكل بشر ماضيه، وأنا لم أخف عليها شيئاً. صارحته بكل ما في حياتي حتى بأسماء أصدقائي المقربين”.

ويضيف بليغ “على كل حال إن هذه القصة التي ألفتها سامية من خيالها لا ظل لها من الحقيقة، ولقد فسخت سامية الخطبة لأسباب أخرى لا يعلمها أحد غيرها هي، والأيام كفيلة بأن تكشف الحقيقة.

وفي رده على سؤال أن سامية تؤكد أن المصادر التي نقلت إليها القصة لا يرقى إليها الشك، قال بليغ “عيب سامية أنها تأخذ الشائعات على أنها حقائق، ولو جاءها إنسان بكذبة صدقتها على الفور، وإذا جاءها بعد هذا يفضح هذه الكذبة لم تصدقه، وأعتقدت أنه يكذب”.

وحول تلقيه نبأ فسخ الخطبة قال بليغ “قرأت الخبر في إحدى الصحف اليومية – يقصد الأخبار – ، وكان أولى بسامية أن تذكر لي هذا الخبر قبل أن ترفع السماعة وتعطيه للصحف، ومع هذا فقط فكرت أن أرسل لها باقة من الورود متمنياً التوفيق، ولكني خشيت أن تحمل هذا التصرف أكثر مما يحتمل”.

واجهه المحرر بأن سامية جمال قالت عليه إنه انتهز فرصة انشغالها بتصوير فيلم “الرجل الثاني” ليعود إلى سهراته البوهيمية – كما ورد في الأصل -، ليرد بليغ “سامية تعرف عن أخلاقي وطبيعتي أنني لا أحب القيد، وأحب السهر، ولقد كنت أسهر في الأريزونا أثناء انشغالها بالعمل ليلا، فهل كانت تريدني أن أسجن نفسي في البيت، أو أقضي الليل قابعا بجوارها في الاستديو، أنا لا أرضى لنفسي هذا الموقف أبداً، فعبدالوهاب كان يسهر في الأريزونا مع أصدقائه أثناء غياب زوجته نهلة المقدسي في الأراضي الحجازية، هل معنى ذلك أنه كان يخون زوجته؟”.

وختم بليغ كلامه للمجلة بأنه ليس بينه وبين روحية جمال أي علاقة غير الصداقة البريئة، قائلاً “وعلى كل حال أتمنى لسامية التوفيق”.

***********

سامية جمال قالت تعليقاً على كل هذا الأمر إنها تريد أن تسدل ستاراً سميكا على تلك الفترة، وبالفعل أسدلت سامية هذا الستار حتى أنها تزوجت من رشدي أباظة بطل فيلم “الرجل الثاني” التي انشغلت في تصويره عن بليغ، بعد سنتين تقريباً، وظلت زوجة له لمدة تقترب من 17 سنة، تخللها زواج رشدي من صباح، التي تزوجت من أنور منسي صاحب الوشاية الأولى.

المدهش في الأمر أن الناقد طارق الشناوي، قال إن مرسي سعد الدين، رئيس هيئة الاستعلامات الأسبق، والشقيق الأكبر للموسيقار الكبير بليغ حمدي، ذهب مع شقيقه لخطبة الفنانة سامية جمال، وذلك عقب انفصال الأخيرة عن رشدي أباظة، وانفصال بليغ عن وردة.

وأكد الشناوي في تصريحات لموقع “مصراوي” أن هناك أمرا غامضا في علاقتهما، وتابع “في هذا الوقت كانت سامية جمال قد فقدت جزءا من بريقها، وكان بليغ يحبها بشكل كبير، لكن قال لي شقيقه الأكبر أنه لا يعلم السبب الذي منع إتمام هذه الزيجة، على الرغم من قبول الطرفين، فلم يحاول شقيقه معرفة السبب، ولم يخبره بليغ بما حدث بعد ذلك”.

وهو الأمر الذي ينفيه أيمن الحكيم، قائلاً إن الحادث الذي ذكره الشناوي هو الخطبة الأولى وكانت في بيت سامية جمال بعمارة ليبون، وغير صحيح ما يقال عن إنه حاول أن يتزوجها بعد كل هذه السنين. ويشير الحكيم إلى أن السبب الرئيسي في فسخ خطبة بليغ وسامية رغم حبهما الشديد هو أنه أراد أن تترك الرقص، وهو ما كانت ترفضه تماماً سامية جمال.

مات بليغ في 12 سبتمبر 1993 ، وماتت سامية بعده بعام واحد في الأول من ديسمبر 1994، ليسدل الستار على قصة حب عمرها شهر واحد فقط.