ابتسامة ساحرة، وجسد نحيف قليل. خفة قلما توجد لدى راقصة، ووجه ضحوك ملائكي، لا مصري ولا غربي، هو مزيج من الاثنين، لكنك ترتاح في النظر إليه. موهبة في التمثيل مقبولة، ولكنها لم تخش الوقوف أمام إسماعيل يس وفاتن حمامة، وهما من هما في عالم السينما المصرية، كذلك لم تخش الوقوف أمام كاميرات كثير من المخرجين الذين يُشار إليهم كصناع مهمين لتاريخ الفن السابع في مصر. سنوات قليلة من الظهور، واختفاء غريب مريب، تبعه شائعات لا حصر لها. هذا هو ملخص 19 عاماً (1946 – 1965) قضتها الراقصة كيتي في عالم السينما المصرية الساحر، لكن الغموض لم يأت بعد.

إن البحث عن تاريخ كيتي خلال فترة إقامتها بمصر، وسبب مغادرتها المفاجئ بعدما أصبحت نجمة بمعنى الكلمة، أمر صعب ومحير، خاصة وأن المعلومات المتاحة عنها قليلة ومصادرها غير موثوقة، والأكثر صعوبة هو البحث في تاريخها بعد مغادرتها لمصر، حيث تكاد تكون المعلومات باللغة العربية عن هذا الأمر قليلة للغاية، أما الأمر الذي كان بالنسبة إلينا أشبه بالمستحيل، فهو معرفة مصيرها، والإجابة على السؤال الصعب: هل ماتت كيتي بالفعل عام 1980 كما تقول موسوعة الممثل لمحمود قاسم وكذا أغلب المواقع والصحف العربية؟ أما أنها لازالت على قيد الحياة كما تزعم بعض المواقع الأجنبية؟!

في القصة التالية، نأخذ معنا القارئ في رحلة طويلة للبحث عن كيتي، تلك الفنانة الجميلة والمحيرة، رحلة نتمنى أن تكون ممتعة ومليئة بالمعلومات الجديدة، بخلاف مفاجأة في نهاية تلك القصة حول حقيقة وفاتها.

كيتي فوتساكي

*****

إن الخلاف حول كيتي والمعلومات المتضاربة عنها، تبدأ من الاسم الذي ظهر في العديد من الصحف بأشكال مختلفة، ولكن بعد بحث عبر كثير من المصادر الأجنبية وقليل من المصادر العربية، توصلنا إلى أن اسمها الصحيح هو (كيتي فوتساكي) ويكتب باليونانية (Καίτη Βουτσάκη)، وبالإنجليزية (Keti Fotsaky)، ويكتبه البعض kitty وkaty وkiti، ويلحقونها أيضاً بلفظ (fotsaty) فوتساتي، أي بقلب الكاف تاء، وهذا أمر مفهوم بسبب اختلاف الألسن ونطق الحروف بين لغة وأخرى، فيما تشير قلة من المواقع العربية إلى أن اسمها (كيتي لوتراكي) ويُكتب باليونانية (Καίτη Λουτράκι)، وهو اسم غير صحيح انتشر بالخطأ عنها.

البحث عن معلومات عنها باللغة العربية لم يقدنا إلى شيء نطمئن إليه، فما كان منا إلا البحث عنها عبر المواقع الأجنبية باستخدام اسمها الحقيقي باليونانية وترجمة نطقه بالإنجليزية، فكانت وجهتنا الأولى إلى “ويكيبيديا”، تلك الموسوعة الطائشة التي تحمل كماً غزيراً من المعلومات غير الموثقة بنسبة 100%.

كانت المفاجأة، وعبر صفحة لها على تلك الموسوعة، أن عثرنا على كم كبير جدا من المعلومات المكتوبة عنها باللغة اليونانية، إلا أننا واجهنا تحدٍ صعب، وهو كيفية ترجمة كل هذا الكم من المعلومات من اليونانية إلى العربية، والأهم كيف نتأكد من مدى صحة تلك المعلومات ودقة المذكور فيها؟

عن كيفية الترجمة، كان الأقرب هو الاستعانة بمترجمين مصريين عن اليونانية، وبالفعل حدث، وكانت النتيجة معرفتنا بمعلومات سنوردها فيما بعد بشكل متفرق.

صفحة ويكيبيديا اليونانية عن كيتي فوتساكي
صفحة ويكيبيديا اليونانية عن كيتي فوتساكي

*****

في فبراير عام 1931، رُزقت عائلة فوتساكي، وهي إحدى العائلات المسيحية الأرثوذكسية التي ترجع أصولها إلى جزيرة كريت، بطفلة رقيقة الملامح أطلقوا عليها اسم “كاترين”، كان الأب والأم يشكلان أسرة صغيرة من عشرات الأسر اليونانية التي كانت تقيم في منطقة الإبراهيمية بالإسكندرية، ولم تكن كاترين أول مولود لهما.

كاترين، التي رأت العائلة أن تناديها لاحقا باسم “كيتي”، كانت تتمتع بموهبة فنية مبكرة، ما دفع أسرتها لتوجيهها لدراسة الباليه والفنون الاستعراضية وهي في سن السادسة، عبر التحاقها بمدارس مختلفة في الإسكندرية، أبرزها مدرسة “نيكول” -التي كان مقرها الأصلي في الإسكندرية، قبل أن ينتقل مقرها إلى القاهرة- كما التحقت كذلك بمدرسة “مانوس ديميتريوس” لدراسة المسرح والدراما، حيث كانت المدرسة تنظم عروضاً لطلابها من الأطفال والبالغين قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، وكانت كيتي تشارك ضمن هذه العروض في سن مبكرة.

سريعا، بدأت موهبة كيتي تقودها إلى الاحتراف، حيث بدأت حياتها المهنية في سن صغيرة جدا، واستطاعت في تلك الفترة تقديم عروض فنية بصحبة الفرق التي كانت تعمل لديها في الإسكندرية أمام العديد من الشخصيات الهامة، حتى أنها قدمت عرضا راقصا أمام الملكة فريدة زوجة فاروق الأول ملك مصر.

عندما ظهرت كيتي لأول مرة في المسرح اليوناني بالإسكندرية، كانت تبلغ من العمر 8 سنوات فقط. وفي سن الثالثة عشرة شاركت ضمن عروض المطربة صوفيا فيمبو التي كانت تقوم بجولة فنية في مصر في ذلك الوقت (وصوفيا فيمبو هي ممثلة ومطربة يونانية، قيل إنها صاحبة أغنية “يا مسافر وحدك” الأصلية، وأشهر أفلامها هو فيلم يوناني بعنوان “اللاجئة” وأخرجه المخرج المصري توجو مزراحي سنة 1938).

في عام 1943 وجدت كيتي اللون الفني الذي رأت أنه يناسبها، والذي سيصاحبها طوال فترة عملها في مصر بعدما التحقت بفرقة “ماري جياترا ليمو”، حيث قدمت معها عدداً من العروض على مسارح الإسكندرية المختلفة، كما شاركت في عدد من المسرحيات، وخلال تلك الفترة تميزت كيتي بأداء أدوار الكوميديا، الذي مزجت بينه وبين الاستعراض والرقص، لتصبح علامة من علامات هذا اللون.

قدمت كيتي العديد من العروض الفنية في الإسكندرية قبل قدومها بصحبة أسرتها للاستقرار في شارع عماد الدين بالقاهرة
قدمت كيتي العديد من العروض الفنية في الإسكندرية قبل قدومها بصحبة أسرتها للاستقرار في شارع عماد الدين بالقاهرة

*****

عند هذا الحد تبدو معلومات النص اليوناني من “ويكيبيديا” وكأن كاتبها شخص يعلم جيداً تاريخ كيتي، ويحاول الدفاع عنها، وربما هو على صلة بها. هذه الأمور جعلتنا نبدأ رحلة متاعب أخرى حول عدد من الأسئلة:

– إذا صحت المعلومات الواردة في النص، فمن يكون واضعها، وما هي درجة قربه من كيتي؟

– لماذا لم تعد كيتي إلى مصر مثل بعض من أبعدوا ومنهم الراقصة هدى شمس الدين مثلاً أو نيللي مظلوم؟

– لماذا توارت عن العيون كل هذه الفترة، لا سيما في مصر؟ وماذا كان مصيرها؟

الصدفة فقط قادتنا إلى نقاش باليونانية عبر صفحة الـ”ويكيبيديا” تلك بين شخصين، أحدهما يعلق على النص المذكور بقوله أنه ممتع ولكن المراجع المذكورة فيه غير قوية ويصعب تصديق المعلومات الواردة بها بناء على هذه المصادر، أما الآخر فبدا من طريقة حديثه أنه هو كاتب النص الوارد في “ويكيبيديا” اليونانية، حيث قال إن “المعلومات الواردة في النص هي معلومات حقيقية وموثوقة، وأن السيدة كيتي فوتساكي صديقة شخصية له، وأن المعلومات تستند بشكل أساسي على شهاداتها الشخصية، وأنها اطلعت بالفعل على هذا النص عندما كتب لأول مرة وأقرته وشعرت بالارتياح له”.

كاتب نص “ويكيبيديا” بدا صادقا في دفاعه عن كيتي وتصحيح الصور والمعلومات المغلوطة المكتوبة عنها بالعربية، وهو ما ظهر واضحا في رده على تعليق أحد الأشخاص، حيث قال “آسف لأن ظروفي تجبرني على عدم الكشف عن هويتي، ولكن لك أن تعلم أن السيدة فوتساكي غير معروفة بشكل عام في اليونان، ولكن إذا كتبت اسم كاتي أو كيتي باللغة الإنجليزية أو العربية، فسترى الكثير المكتوب عنها وكذلك في ويكيبيديا العربية، لذا كان لابد من كتابة نص لوضع الأمور في نصابها الصحيح، وأؤكد أن نص ويكيبيديا اليوناني الشامل هذا فتح أعين الكثير من الأصدقاء العرب الذين سبق وكتبوا الكثير من المعلومات الخاطئة”.

شارع عماد الدين قديما، المكان الذي أقامت فيه كيتي فوتساكي طوال إقامتها في القاهرة

*****

النجاح الكبير الذي حققته كيتي في الإسكندرية قياسا على سنها في ذلك الوقت، شجع أسرتها على اتخاذ قرارا بالرحيل إلى القاهرة عام 1946، وبعدما استقرت في شارع عماد الدين لتكون بالقرب من المسارح والكازينوهات، بدأت كيتي مواصلة دراستها للرقص بمدرسة البالية الروسية “سونيا إيفانوفا”، وهي نفس المدرسة التي درست بها كل من تحية كاريوكا وسامية جمال، حيث قامت أيضا بتعلم الفنون الاستعراضية والبهلوانية.

في حوالي عام 1948 بدأت العمل في الكازينو الشهير الذي كانت تديره الراقصة الأكثر شهرة بديعة مصابني، والذي ساهم بشكل كبير في انطلاقتها الفنية الحقيقية، حيث قدمت عروضا منفردة للرقصات الأوروبية.

كان “كازينو بديعة” يقدم حفلتين في اليوم، تضم اسكتشات مسرحية وعروضا للموسيقى والرقص، كما كان يقدم غداءً في منتصف اليوم لجميع أفراد الأسرة، بينما يفتح أبوابه في الساعة التاسعة والنصف مساء مع حفلات للبالغين يتم فيها تقديم الكحول. وفي العطلات الرسمية، وفي أيام الجُمع والآحاد، كان يتم افتتاح الكازينو في تمام السادسة والنصف، كما كانت تمنع بديعة راقصاتها وفنانيها من الجلوس على الطاولات مع الزبائن أو فتح زجاجات الخمور لهم، وكانت تكتب ذلك بشكل واضح في إعلاناتها المطبوعة، وهو ما طمأن أسرة كيتي على ابنتهم عندما أخبرتهم برغبتها في العمل بالكازينو، خاصة وأن أسرتها كانت تحرص على أن يرافقها أحد أفراد الأسرة بالإضافة إلى والدتها في أغلب حفلاتها وعروضها الفنية.

كانت كيتي من بين فريق الرقص الذي يتلقى تدريبا مكثفا بشكل يومي على يد بديعة مصابني نفسها، وكان يقوم بتصميم الرقصات في الكازينو مصممين كبار مثل إسحق ديكسون (والذي قيل إنه جاسوس إسباني تم القبض عليه سنة 1939 مع شخص آخر يدعي واباش، ولكن وجوده كمدرب في فرقة بديعة في هذا الوقت المتأخر من الأربعينات ربما ينفي هذه الشبهة عنه)، وإبراهيم عاكف (رائد فن الكلاكيت في مصر) واليوناني كريستوس كلاداكيس، الذين قدموا عروضا تمزج بين الرقص الشرقي والأوروبي والباليه.

وعلى الرغم من أن كيتي تم توظيفها في الكازينو لتقديم عروض رقصات أوروبية منفردة، إلا أنها كانت ترتدي زي الرقص الشرقي عادة، وتؤدي رقصات شرقية في أوقات كثيرة ولكن مع مجموعات أخرى.

في نفس سنة التحاق كيتي بـ”كازينو بديعة” حصلت الراقصة الصغيرة على فرصتها لأداء رقصة شرقية منفردة بعدما غابت الراقصة الأرمينية الشهيرة هدى شمس الدين. وفي هذا اليوم اقترحت بديعة أن تكون كيتي بديلة لهدى في تقديم الرقصة الشرقية، وكانت المفاجأة أن كيتي حققت نجاحا مذهلاً، واعتبر هذا اليوم بداية اكتشافها في الرقص الشرقي، وهو ما شكل مكسبا جديدا للكازينو.

هذا النجاح ساهم في ارتباط كيتي بهذا الكازينو لعدة سنوات، حيث ظلت تعمل به حتى قامت بديعة مصابني ببيعه إلى ببا عز الدين في مطلع الخمسينات والتي حولت اسمه إلى “كازينو شهرزاد”، قبل قيام ببا عز الدين ببيعه بدورها إلى فتحية محمد، ورغم انتقال ملكية الكازينو بين أكثر من مالك، إلا أن كيتي ظلت تعمل به تحت إدارة الملاك الثلاثة، وحتى عندما اندلعت النيران في الكازينو بسبب حريق القاهرة عام 1952، واحترقت داخله كل فساتين كيتي التي كانت تصممها لها إحدى شقيقاتها، فإن كيتي لم تترك الكازينو وظلت تعمل فيه بعد إصلاحه قرابة 10 سنوات بالتوازي مع عملها في السينما.

كازينو بديعة مصابني، كان اسمه الرسمي "كازينو الأوبرا" لوجوده أمام مبنى الأوبرا القديم بمنطقة العتبة
كازينو بديعة مصابني، كان اسمه الرسمي “كازينو الأوبرا” لوجوده أمام مبنى الأوبرا القديم بمنطقة العتبة

*****

ذهبنا للبحث عبر “فيسبوك” باسمها اليوناني، علنا نجد معلومات تؤكد صحة المذكور عنها في الموسوعة الإلكترونية، وكانت مفاجأة أخرى في انتظارنا، حيث عثرنا على إحدى الصفحات اليونانية الفنية التي تحمل اسم ΜΟΥΣΙΚΟ ΘΕΑΤΡΟ وتعني بالعربية “المسرح الموسيقي”، المهتمة بنشر الأعمال المصرية واليونانية القديمة السينمائية والمسرحية، وكانت تركز بشكل خاص على كيتي.

كان من المدهش العثور في هذه الصفحة على معلومات عن كيتي لم نسمع عنها من قبل، خاصة عن أعمالها الفنية التي قامت بها بعد مغادرتها لمصر وسفرها إلى اليونان عام 1965، بالإضافة إلى قيام الصفحة بنشر صور لكيتي أثناء مشاركتها في أعمال فنية لم نشاهدها لها أبدا، وهي صور غير موجودة على الإطلاق في الصحافة المصرية!

مدير تلك الصفحة (الأدمن) كتب في إحدى المنشورات، أنها كانت زميلته في العمل، وأنه عمل معها قبل سنوات عديدة في مسارح اليونان، ولم يكن يعرف شيئا عن تاريخها الفني في مصر، مشيراً إلى أنها إنسانة رائعة ومتواضعة، وأن ما يُنشر عنها في الصحافة العربية أمرا غير دقيق، معبراً عن سعادته في أنه حظي بفرصة تقديم تاريخها الحقيقي إلى العالم عبر صفحته.

على الفور، بدأنا محاولات التواصل مع مدير صفحة (المسرح الموسيقي) على أمل أن يمدنا بمزيد من المعلومات عن كيتي، فكتبنا تعليقاً بالإنجليزية على إحدى المنشورات التي تتكلم عن كيتي على الصفحة، نخبره فيها أننا صحفيون ونريد معرفة المزيد عنها لنشره في الصحافة المصرية، وما هي إلا دقائق، حتى وجدنا أحد الأشخاص الذي لا يجيد سوى اليونانية يتحدث إلينا عبر تطبيق “الماسينجر”، ويسألنا عما نريد معرفته عنها، مؤكدا بكل بساطة أن كيتي لن تقبل بإجراء أي حوار صحفي معنا لأنها ترفض الظهور في الوقت الحالي!

صفحة "المسرح الموسيقي" اليونانية على موقع فيسبوك، وتظهر فيها كيتي أثناء أداء إحدى الرقصات مع الفنان فريد الأطرش
صفحة “المسرح الموسيقي” اليونانية على موقع فيسبوك، وتظهر فيها كيتي أثناء أداء إحدى الرقصات مع الفنان فريد الأطرش

*****

حكاية كيتي مع السينما بدأت في عام 1946، وذلك بعد أشهر قليلة من وصول كيتي وأسرتها من الإسكندرية، حيث شاهدها المخرج عبدالفتاح حسن في إحدى مدارس الرقص التي كانت تدرس بها، فأعجب بأدائها وابتسامتها، وقرر منحها فرصة الظهور لأول مرة على شاشة السينما، لأداء رقصة استغرقت بضع دقائق في فيلم “الغيرة”، الذي شارك في بطولته كل من عقيلة راتب وبرهان صادق ومحمود المليجي، وكان من تأليف بديع خيري، حيث لم تكن كيتي قد تجاوزت الخامسة عشر من عمرها بعد.

بعد نجاحها في تجربتها الأولى مع عبدالفتاح حسن، وبعد الإشادة بأدائها وجمالها وابتسامتها التي وصفها بالبعض بأنها “لا تقاوم”، قرر حسن الاستعانة بها مجددا عام 1948 في فيلم “نرجس” من بطولة نور الهدى ومحمد فوزي.

حتى ذلك الوقت لم يكن يظهر اسم كيتي على الشاشة، حيث لم يضعه عبدالفتاح حسن على تتر فيلمي “الغيرة” و”نرجس”، وكان أول ظهور لاسم كيتي في فيلمها الثالث “خلود” الذي قام بإخراجه وبطولته عز الدين ذو الفقار بمشاركة فاتن حمامة، حيث ظهرت باسمها اليوناني الكامل “كيتي فوتساكي”، من بعد هذا الفيلم، بدأت كيتي تستخدم اسمها الأول فقط كاسم فني في أعمالها.

بعدها بدأت تتوالى أعمالها السينمائية، مثل دورها في فيلم “المصري أفندي”، وفيلم “جواهر”، لتسجل حضورها الجذاب الذي أصبح من علامات السينما المصرية بعد ذلك.

خلال تلك الفترة المبكرة من مشوارها الفني، لم يقتصر نشاط كيتي داخل مصر فقط، بل كانت لها مشاركات في اليونان أيضا، حيث ظهرت في سبتمبر من العام 1949، على مسرح “سامارتزي” في أثينا كراقصة شرقية، كما قدمت خلال زيارتها لليونان عروضا تضمنت أغنيات لها، كتبت لها خصيصا من قبل أليكوس سيكيلاريوس.

كيتي التي كانت قد بدأت تنظر إلى مستقبلها الفني بأنه غير محصور في الرقص والاستعراض فقط، قررت في عام 1948 تلقي دروسا مكثفة لتحسين لغتها العربية، حيث كانت اللغة اليونانية بمثابة اللغة الأم لها كونها لغة التحدث التي تستخدمها في محيط أسرتها، كما بدأت في العام ذاته دروسا في التمثيل بفرقة يوسف وهبي.

أداء كيتي لدور الجنية في فيلم “الصبر جميل” في عام 1951، شكل مرحلة خاصة لها في السينما، حيث أظهر قدراتها التمثيلية بعيدا عن الرقص والاستعراض، كما زاد من شهرتها لدى رواد دور السينما في مصر، لتتوالى بعدها أفلامها الناجحة مثل “عفريتة إسماعيل ياسين” 1954، و”إسماعيل ياسين في متحف الشمع” 1956، وغيرها.

خلال فترة الخمسينات، تعاونت كيتي مع المخرج والسيناريست والمنتج حسن الصيفي، الذي قدمت معه مجموعة من الأعمال الناجحة، مثل “ابن ذوات” و”عفريتة إسماعيل ياسين” و”الظلم حرام” و”أبو عيون جريئة”، وهو ما خلق صداقة قوية بين كيتي والصيفي، تسببت في ظهور شائعة قالت إنهما تزوجا سرا، وهي الشائعة التي ستظل تطارد كيتي طوال حياتها.

عندما تم افتتاح التلفزيون المصري في العام 1960، اتجهت كيتي من السينما إلى الشاشة الصغيرة، حيث ظهرت في عدة مسلسلات درامية، وتوقفت بشكل تام عن الظهور في السينما، وفي عام 1965 عادت لتظهر لآخر مرة على شاشة السينما المصرية في فيلم “العقل والمال” برفقة إسماعيل ياسين، ليصبح إجمالي ما قدمته في السينما المصرية بدءا من العام 1946 وحتى نهاية مشوارها الفني في مصر قرابة 70 عملا سينمائيا، قدمت خلالها رقصات شرقية وأوروبية ورقصات أمريكية لاتينية، وأظهرت رشاقة مذهلة وأداء مميزا ومختلفا.

كيتي وإسماعيل ياسين في فيلم “عفريتة إسماعيل ياسين” إنتاج عام 1954

*****

جيانيس كريستوبولوس (Γιάννης Χριστόπουλος) ممثل مسرحي يوناني، كانت ألمع فترات نشاطه خلال حقبتي السبعينيات والثمانينات، شارك في العديد من الأعمال المسرحية الغنائية، كما أنه كان يقدم فقرات غنائية بشكل منفرد، في السنوات الأخيرة، قل نشاطه الفني بشكل كبير، حيث تفرغ للكتابة والنشر عن نجوم المسرح اليوناني خلال النصف الثاني من القرن الماضي، عبر صفحة أنشأها على موقع “فيسبوك” بعنوان صفحة “المسرح الموسيقي”، حيث اكتشفنا أنه الأدمن الذي تواصل معنا عبر الشات.

إجابته بأن كيتي لن توافق على إجراء مقابلة معنا، أصابتنا بالدهشة، فبادرناه بالسؤال: معنى ذلك أنها لازالت على قيد الحياة؟ فأجابنا بكل ثقة: بالطبع!

كرستوبولوس أخبرنا أن كيتي لم تمت كما تقول المواقع العربية، مشيرا إلى أن التاريخ الذي تذكره المواقع على أنه تاريخ وفاتها -1980- هو في الحقيقة تاريخ اعتزالها الفن، مؤكدا أنها لازالت بصحة جيدة جدا، بل إنها لا تزال تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية بانتظام رغم بلوغها التسعين عاما! ولازالت تتمتع بجمالها القديم، كاشفا أنه على تواصل دائم معها، كما التقاها مؤخرا وتحدث معها عن تاريخها الفني في مصر، الذي لم يكن يعرف عنه شيئا أثناء عمله معها قبل خمسين عاما.

الممثل اليوناني، قال أيضا إن كيتي صُدمت عندما عرفت بأن المصريين يعتقدون أنها ماتت، وشعرت بالحزن الشديد، إلا أنها لم تستطع فعل شيء حيال ذلك، وهو ما دفعه لتولي مهمة إخبار العالم أجمع والمصريين على الأخص، بأن كيتي لازالت على قيد الحياة.

طالبناه على الفور بأن يساعدنا في الوصول إليها لإجراء حوار معها وإيصال صوتها للمصريين ليعرف الجميع أنها حية ترزق، إلا أننا فوجئنا بقوله أنها سترفض ذلك بشدة، حيث تصر على الابتعاد عن الأضواء تماما، فقلنا له: إن كانت استاءت بسبب اعتقاد المصريين أنها ماتت، فنحن قد نكون فرصتها ليعرف المصريون الحقيقة.

الممثل والمطرب اليوناني جيانيس كريستوبولوس

بدا على كريستوبولوس أنه اقتنع بوجهة نظرنا، فوعدنا بأن يتصل بها في اليوم التالي، ويعرض عليها الأمر، ويعود إلينا، ونصحنا بألا نبحث عن أي حساب لها على الشبكات الاجتماعية، كونها لا تمتلك أي من هذه الحسابات، بالرغم من أنها تمتلك كمبيوتر محمول تدخل من خلاله على الإنترنت، مشيرا إلى أنها تقضي وقتها في مشاهدة مقاطع الفيديو عبر موقع يوتيوب فقط.

بعد هذه المحادثة مع كريستوبولوس، وأثناء انتظارنا لعودته بالرد، قام بإرسال مجموعة من الصور التي تجمعه بكيتي في بعض الأعمال المسرحية في الستينيات والسبعينيات، وصورا لإعلانات المسرحيات التي شاركت فيها في أثينا بعد مغادرتها لمصر، كاشفا أنها كانت متزوجة، وأنها مكثت في أمريكا لبضع سنوات، قبل أن تنفصل عن زوجها وتعود إلى أثينا مجددا، مؤكدا أنها تعيش حياة هادئة وسعيدة في اليونان.

بعد يومين عاد وأخبرنا أنه تحدث بالفعل مع كيتي وأخبرها برغبتنا في التواصل معها، إلا أنها رفضت، وأخبرته أنها لا تريد إجراء أي مقابلات صحفية، مفسراً ذلك بسبب غضبها مما كتب عنها سابقاً، مضيفاً أن كل ما كتب عنها كان محض “أكاذيب”، وهي تشعر بمرارة من ذلك، لذا لن تجري أي حوار مع أي وسيلة إعلام مصرية.

رد الفعل غير المنطقي أثار شكوكنا حول صحة ادعائه بأنها على قيد الحياة، حيث وجدنا فيه تناقضا غير مفهوم، فكيف تحزن بسبب اعتقاد المصريين أنها ماتت وكيف ترفض في الوقت ذاته الظهور لتأكد أنها لازالت على قيد الحياة!

إلا أننا قررنا تجربة أمر آخر، وطلبنا منه أن يسألها، إن كانت لا تريد إجراء المقابلة، فلماذا لا ترسل لنا صورة حديثة لها، وأن تبعث برسالة إلى جمهورها في مصر، سواء بالفيديو أو بالصوت، وأكدنا له أن أحدا لن يصدقنا في مصر إن قلنا إنها لا تزال على قيد الحياة، ونحن لا نملك أي دليل على ذلك، ومجرد صورة حديثة واحدة لها قد تؤكد كلامنا.

فعاد ليخبرنا أنه تواصل معها مجددا، وأجرى معها مكالمة طويلة، أكدت خلالها أنها بصحة جيدة وتعيش بسعادة مع عائلتها في أثينا، إلا أنها تتمسك بعدم إجراء أي مقابلات أو إرسال أي صور أو فيديوهات، وقالت له “اطلب منهم أن يكتبوا بأن كيتي تعيش سعيدة في أثينا وكفى”.

كيتي فوتساكي وجيانيس كريستوبولوس في أحد العروض المسرحية التي قدماها معا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي

*****

مسيرة كيتي الناجحة في مصر توقفت فجأة في عام 1965، بعدما قرر وزير العمل إلغاء تصاريح العمل للفنانين من غير ذوي الأصول المصرية، لدعم الفنانين المحليين، (وقتها كان الوزير هو محمد عبداللطيف سلامة الشهير بأنور سلامة)، وهو ما كان سببا في اضطرارها لمغادرة مصر مسقط رأسها، التي كانت جزءا من حياتها.

نفس الأمر حدث مع الراقصة اليونانية الإيطالية نادية جمال (اسمها الحقيقي ماريا كاريداس)، التي اضطرت لمغادرة مصر إلى لبنان، وكذلك مع الممثلة والراقصة ومصممة الرقصات الإيطالية اليونانية نيللي مظلوم التي غادرت مصر بعدما شاركت في 26 فيلما سينمائيا، لتستقر في أثينا وتفتتح مدرسة خاصة للرقص بها.

وبينما غادر العديد من الفنانين الأجانب مصر بسبب القرار الوزاري السابق في صمت، ودون أي اعتراضات من الجمهور على خسارة هؤلاء الفنانين، إلا أن الوضع كان مختلف بالنسبة إلى كيتي، وذلك لأن جمهورها المصري الذي أطلق عليها ألقاب عديدة مثل “الراقصة ذات الابتسامة الساحرة” و”ملكة الأنوثة والسعادة”، اعتبرها فنانة مصرية خالصة، خاصة وأن كثيرا من العروض الفنية التي شاركت بها كان يتم تقديمها فيها بوصفها الفنانة “اليونانية المصرية كيتي”؛ لذا كان يعتقد الكثيرون أن من حق كيتي أن تبقى في مصر ولا تغادرها وأن تواصل مسيرتها المهنية في البلاد، إلا أن ذلك لم يحدث لأن والديها كانا يونانيين بالفعل، لذا لم يكن لها الحق في ممارسة أي نشاط فني داخل مصر، وهو ما اضطرها للمغادرة.

بالرغم من أن سبب رحيل كيتي عن مصر كان معلوما للجميع وقتها، إلا أنه بعد سنوات قليلة بدأ الكثيرون يتناسون هذا السبب، لتظهر الشائعات حول حقيقة أسباب مغادرتها، وهي شائعات لا تزال تطاردها في العديد من الصحف والمواقع العربية حتى الآن.

فقد قيل بأنها كانت تخفي أصولها اليهودية، وأن اسمها الحقيقي راشيل، وعندما تم اكتشاف حقيقتها اضطرت إلى مغادرة مصر سريعا، وقيل حينها أنها فرت إلى الأراضي المحتلة في فلسطين وماتت هناك!

أما أكثر الشائعات انتشارا على صفحات الإنترنت العربية، والتي يحلو للكثيرين استعادتها بشكل سنوي في ذكرى ميلادها، فهو اتهامها بالتجسس لصالح إسرائيل.

الجاسوس المصري رفعت الجمال، والذي يشتهر لدى جمهور الفن في مصر باسم رأفت الهجان

فلازالت الكثير من الصحف تتهمها في قضية تجسس مزعومة، مرتبطة برفعت الجمال -أو “رأفت الهجان” كما يسميه جمهور الفن في مصر- الذي كتب في مذكراته التي نشرت عام 1994، أنه في شبابه كان على علاقة براقصة شابة تدعى “بيتي”، إلا أن البعض اعتبر أن الراقصة المقصودة هي كيتي وأن رفعت الجمال غير اسمها لإخفاء شخصيتها.

إلا أن التاريخ الذي توصلنا إليه عبر رحلة البحث، والمعلومات الدقيقة عن حياة كيتي في مصر التي حصلنا عليها من عدد من المصادر القريبة منها، تكشف بدرجة كبيرة عدم صحة الادعاء بعلاقتها برفعت الجمال.

فبحسب مذكرات رفعت الجمال فإن الجمال مواليد يوليو 1927، والتقى بـ”بيتي” في العام 1946، حيث قال إن تلك الراقصة تكبره بعام، وأنها كانت مراهقة طائشة، وكانت تفوقه تحررا وخبرة وعلمته الكثير، وأضاف أنه انتقل للعيش معها حيث تسكن قريباً من الاستوديوهات التي تعمل بها.

ولو طبقنا هذه المعلومات على كيتي سنجد أنها لا تنطبق عليها، ففي عام 1946 الذي قال الجمال أنه التقى فيه ببيتي، كانت كيتي واصلة لتوها إلى القاهرة برفقة أسرتها للاستقرار فيها، وهو العام الذي حصلت فيه على أول أدوارها السينمائية، وكانت لا تزال في الـ15 من عمرها.

كما أن الجمال قال في مذكراته إنها كانت تكبره بعام، وباعتبار أنه مواليد 1927، فعلى ذلك فإن “بيتي” التي التقاها كانت مواليد 1926، بينما كيتي من مواليد عام 1931.

كما أن كيتي كانت تقيم مع أسرتها وليس بمفردها حتى يقيم معها الجمال، ولم تكن بحاجة للسكن قرب استوديوهات الأفلام السينمائية، لأنها لم تكن قدمت وقتها إلا فيلما واحدا فقط وكانت تسكن في شارع عماد الدين المليء بالمسارح والكازينوهات وليس الاستوديوهات السينمائية، كما لم يكن لها أي خبرات بعد في القاهرة حتى تعلمها للجمال.

علاقتها برفعت الجمال ليست فقط المرة الوحيدة التي اتهمت بسببها بالجاسوسية، بل قيل إنها أيضاً كانت متورطة في شبكة جاسوسية أخرى، وأن اسمها جاء في شبكة الفنان السورى إلياس مؤدب، والذي تم التحقيق معه في بداية الخمسينيات.

ومؤدب صاحب تاريخ فني قصير وحياة قصيرة وجدل كبير. قدم إلياس (واسمه الحقيقي إيليا مهدب ساسون)، الذي ولد لأم مصرية وأب سوري، 23 فيلما، في 6 سنوات فقط، وعُرف عنه أنه يهودي الجنسية، وعاش في بداية حياته في حارة اليهود بحي الجمالية، وعمل في تصليح الساعات في صغره.

اتهمته السلطات المصرية بالتجسس لصالح إسرائيل، لكن لم يثبت ضده شيئًا، وأخلى الأمن سبيله ليرفض بعدها السفر إلى الأراضي المحتلة، ويعود إلى موطنه الأصلي في الشام، ويتوفى في الثامن والعشرين من مايو ١٩٥٢، عن عمر ناهز الـ٣٦ عامًا.

ارتباط اسم كيتي بمؤدب (أو بشكبكته المزعومة) يبقى كذلك غير حقيقي، لأنها في منتصف الخمسينيات كانت في أوج مجدها وشهرتها في السينما المصرية، بل أنها رحلت عن مصر في 1965، أي أنها رحلت بعد نحو 15 عاماً من أزمة إلياس مؤدب، وهو ما ينفي أي صلة لكيتي بالموضوع.

الفنان السوري إلياس مؤدب، اتهم بالجاسوسية في مطلع الخمسينيات، ولم تثبت ضده صحة الاتهامات

*****

كان علينا أن نواصل البحث في اتجاه آخر للتأكد من صحة كلام كريستوبولوس بشأن أن كيتي لا تزال على قيد الحياة، ومع استمرار بحثنا عبر الإنترنت باستخدام اسمها اليوناني، عثرنا على معلومة صغيرة تقول إن كيتي تم تكريمها في يناير 2020 من قبل إحدى الجهات التي ترعى الممثلين اليونانيين، حيث كان الحفل مخصصا لتكريم الفنانين اليونانيين الذين كانت لهم إسهامات فنية خارج اليونان.

ولكن هل بالفعل ظهرت كيتي في حفل التكريم؟ هل صعدت على المسرح لتنل التكريم؟ هل من صورة حديثة لكيتي تعود إلى يناير 2020؟

بدأنا البحث للتأكد من إقامة هذا التكريم بالأساس، ومعرفة من شارك فيه، وأثناء البحث، عثرنا في موقع يوتيوب على فيديو مدته قرابة 3 ساعات يسجل كل وقائع الحفل، وهو ما كان يعني أننا سنشاهد كيتي، السيدة العجوز لا شك وقد تبدلت ملامحها وتغيرت -إن كانت لاتزال على قيد الحياة فعلا- بعد أن طُبعت ملامحها الجميلة في الذاكرة بالأبيض والأسود في أفلامها التي قدمتها في مصر منذ أكثر من نصف قرن.

ولأن اليونانية كانت لغة الحفل، ولأن صوت المقدمين كان مسموعاً بالكاد، فيما لا توجد شاشات أو تعليقات على الفيديو، فكان من الصعب أن نصل إلى فقرة تكريم كيتي وتحديدها لأن معظم المكرمين كانوا من النجوم كبار السن، سواء من الرجال أو السيدات. ولكن ما باليد حيلة، شاهدنا الحفل أكثر من مرة، علنا نستمع إلى لفظ كيتي فوتساكي بشكل واضح، أو نعثر على إحدى المكرمات التي قد تشبه كيتي.

ورغم تعدد مرات المشاهدة لم نتمكن من القطع بأن إحداهن هي كيتي التي لو صح أنها ما تزال حية فقد شارفت على التسعين عاما، ربما سيدة أو اثنتان رجحناهما لقرب الشبه، كما استخدمنا تطبيقات تغيير الملامح التي تتخيل شكل الإنسان عندما يتقدم في العمر، ووضعنا عليها صورا لكيتي في شبابها، إلا أن النتائج لم تصل بنا إلى نتيجة مقنعة.

بحثنا عن أخبار الحفل في المواقع الإخبارية اليونانية، فوجدنا بعض الأخبار التي غطت الحفل بالفعل، والتي تتضمن صوراً للمشاركين، إلا أننا لم نعثر على اسمها على أي من الصور المنشورة للحفل، فزاد تشككنا في أمر التكريم والظهور، وربما وجودها على قيد الحياة من الأساس.

أمام هذه الحيرة، لجأنا إلى صديقة عربية قضت طفولتها في اليونان وطلبنا منها أن تساعدنا في ترجمة فيديو الحفل، وبالفعل استطاعت أن تدلنا على التوقيت الذي يذكر فيه اسم “كيتي فوتساكي”، فحبسنا أنفاسنا منتظرين لحظة صعودها على المسرح لتسلم التكريم، فكانت المفاجأة، أن من صعد على المسرح هو جيانيس كريستوبولوس نفسه!

مقدم الحفل بعدما أعلن اسم كيتي ضمن المكرمين، توجه بالشكر إلى كريستوبولوس لأنه كان سببا في إيصال إدارة المهرجان بكيتي فوتساكي، التي قال المقدم عنها إنها بطلة سينمائية شاركت في عشرات الأفلام في مصر، وتعيش حاليا في اليونان بعدما تجاوزت التسعين عاما، قبل أن يقوم بتسليم تكريمين إلى كريستوبولوس الأول لكيتي والثاني له على مسيرته الفنية، حيث شكر كريستوبولوس إدارة المهرجان، ناقلا عن كيتي اعتذارها لعدم تمكنها من الحضور!

*****

بعد وصولها إلى اليونان، بدأت كيتي فوتساكي على الفور العمل في الاستوديوهات والمسارح اليونانية، خاصة وأنها كانت معروفة نوعا ما إلى الجمهور اليوناني، فبخلاف الحفلات التي كانت تقدمها كل بعضة سنوات في اليونان، كان يتم كذلك تقديم بعض أفلامها المصرية في السينمات اليونانية مدبلجة، مثل فيلم “بنت الهوى” بطولة تحية كاريوكا وإنتاج عام 1957، والذي عرض في اليونان باسم “ننوسة.. عاهرة القاهرة”! وهو أول إنتاج مصري يوناني مشترك، وشهد مشاركة ممثلين يونانيين آخرين بخلاف كيتي، مثل جورج يوردانيدس.

الصور التي حصلنا عليها من كريستوبولوس، أظهرت لنا أن كيتي شاركت في العديد من الأعمال المسرحية الغنائية طوال فترة السبعينيات مع فرقة نيكوس أثيرينوس الموسيقية وفرقة الستار الأثيني بجانب جيانيس كريستوبولوس، كما توصلنا إلى أنها شاركت في قرابة 6 أفلام سينمائية يونانية، انحصرت مشاركاتها فيها على أداء رقصات شرقية فقط، بالإضافة إلى مشاركتها في حلقة تلفزيونية طويلة، اكتفت فيها بالتمثيل حيث أدت دور خادمة، كما كانت تشارك في بعض الأحيان، بعروض خارج اليونان، حيث ظهرت عام 1966 في فيلم فنلندي تحت اسم مستعار “Ketty of the Nile”.

اللافت أن كيتي كانت تحرص غالبا على أداء رقصاتها في الأفلام التي شاركت بها في اليونان، على موسيقى فيلم “تمر حنة” المصري إنتاج سنة 1957 للموسيقار محمد الموجي، بينما قدمت الرقصة التي شاركت بها في آخر أعمالها السينمائية في اليونان عام 1980 على موسيقى فيلم “العقل والمال” الذي كان آخر أعمالها السينمائية في مصر.

في عام 1980، أنهت كيتي مسيرتها الفنية، حيث كانت آثار العمر قد بدأت تظهر على ملامحها في آخر رقصاتها، بعدما قاربت على الخمسين عاما، تاركة ورائها ذكرى جميلة، وموهبة استثنائية متعددة الوجوه، حيث اتجهت لإنشاء مدرسة لتعليم الرقص الشرقي في اليونان، ظلت تعمل بها لعدة سنوات، قبل أن تغادر من اليونان إلى أمريكا حيث أقامت هناك لفترة، عادت بعدها إلى أثينا مجددا لتستقر بها بشكل نهائي.

*****

المدهش في كلام كريستوبولوس أن كيتي كانت تخفي تاريخها الفني الكبير الذي صنعته في مصر، عن زملائها الذين عملت معهم في اليونان بدءا من منتصف الستينيات!

يقول كريستوبولوس في تغريداته عبر صفحة (المسرح الموسيقي) إنه لم يكن يعرف هذا التاريخ إلا بعد سنوات طويلة من عمله مع كيتي، وهو ما دفعه للبحث عنها والاتصال بها ليخبرها أنه تفاجأ بكل هذا التاريخ.

ولكن لماذا أخفت كيتي هذا الأمر؟، ولماذا لم تتفاخر بتاريخها الفني المقبول في مصر لكي تحصل على أدوار أفضل في الأفلام والمسرحيات اليونانية التي عملت بها؟، حيث اكتفت بأدوار بسيطة ومشاهد قليلة في أغلب الأعمال التي شاركت فيها.

لا نعرف سببا على وجه اليقين، بل تخمينات من كلمات كريستوبولوس وآخرين سيأتي ذكرهم، الأول هو حزنها بسبب ما فعلته الحكومة المصرية معها بعدما اعتبرتها غير مصرية ولا يحق لها العمل في مصر. السبب الثاني أنها ربما كانت تخشى أن يتجنب المنتجون الاستعانة بها بدعوى أنها لا تقبل بأقل من أدوار البطولة بسبب تاريخها السابق الكبير.

كريستوبولس نفسه اعتبر أن اليونان (صحافة وجهات فنية) تجاهلت كيتي، وتجاهلت تاريخها، ولم تحتف بها بالشكل الذي يليق بما قدمته في تاريخها، ولكن يبدو أن كيتي هي التي أرادت الاختفاء، ويضيف “أن قيامه بالكتابة عن كيتي وعن تاريخها كان سببا في أن يتذكرها الجميع، وأن يكتشفوا أنها لا زالت على قيد الحياة”، مرجحا أن ذلك قد يكون السبب الرئيسي في القيام بتكريمها في الحفل الذي أقيم في يناير 2020، والدليل على ذلك أنه هو من تسلم الجائزة بدلاً من كيتي.

كيتي في الفيلم اليوناني “من أجل الشرف والحب”، إنتاج عام 1969

*****

كنا لا نزال نحتاج إلى دليل أكثر إقناعا حول بقاء كيتي حية حتى الآن، فقد كان عدم ظهورها في الحفل محبط بشكل كبير، خاصة وأن كريستوبولوس الذي لم نتأكد من صحة زعمه بأنها لازالت على قيد الحياة، هو من حضر بدلا منها لتسلم التكريم.

أثناء مواصلة البحث، عثرنا على منشور بصفحة (المسرح الموسيقي) يتوجه فيه كريستوبولوس بالشكر إلى كاتب وناقد يدعى مانوليس تاسولاس (Μανουήλ Τασούλας)، مشيرا إلى تاسولاس أمده بملف يحوي الكثير من المعلومات عن كيتي وهو ما ساعده في التعرف على تاريخها الفني القديم في مصر.

كان اسم تاسولاس خيطا جديدا للبحث، تمسكنا به على أمل التأكد من صحة وجود كيتي على قيد الحياة، كان هدفنا الوصول إليه، والحصول منه على معلومات جديدة.

بالبحث عن اسم مانوليس تاسولاس، وجدنا أنه في الأصل طبيب أسنان يهوى البحث في التاريخ الفني وله العديد من المؤلفات والكتابات النقدية، أهمها كتاب عن “أم كلثوم”، يصفه بأنه أول كتاب يصدر عنها في أوروبا، لكن أبرز ما لفت نظرنا أن أغلب حضور تاسولاس على الإنترنت كان منصبا في الدفاع عن كيتي فقط، وتصحيح المعلومات المغلوطة المنتشرة عنها، كما بدا لنا أنه يعرف العربية جيدا، حيث كان يعلق بالعربية على المواقع المتخصصة في السينما ومقاطع الفيديو التي تتناول حياة كيتي على يوتيوب.

الكاتب والناقد اليوناني مانوليس تاسولاس

وجدنا في تعليقات تاسولاس دفاعا عن كيتي، وتأكيدا لصحة الكثير من المعلومات التي جمعناها عنها، حيث أكد أنها كانت تعيش في شارع عماد الدين وليس في شبرا كما تزعم بعض المواقع المصرية، كما نفى زواجها من المخرج حسن الصيفي، مؤكدا أنهما كانا صديقين مقربين فقط، نافيا أيضا اتهامها بالجاسوسية ومشددا على أنها كانت مسيحية أرثوذكسية وليست يهودية ولم تلتق رفعت الجمال أبدا.

تاسولاس ذكر في معرض دفاعه عن كيتي ونفي اتهامها بالتجسس، تصريحات للفنانة الكبيرة مريم فخر الدين، برأت فيها كيتي من هذه التهمة، وبالعودة إلى لهذه التصريحات، وجدنا بالفعل أن مريم أجرت حوارا مع مجلة الكواكب قالت فيه نصا إن “كل الروايات التي نسجت عن علاقة كيتي بالمخابرات الاسرائيلية – الموساد – ضرب من الخيال، ولم يحدث أنها تعاونت معه، وهذا افتراء عليها غرضه تشوية الصورة الجميلة لفنانة تفردت في لونها فهي ليست مجرد راقصة بل دمجت الرقص الشرقي بالغربي، وأصبح لها لون لم نعتده في الفن في هذا الوقت فهي كانت بترقص خواجاتي”.

نجوى فؤاد، كانت أيضا من بين من استشهد تاسولاس بتصريحاتهم في تبرئة كيتي، حيث وجدنا لها تصريحات في لقاء تلفزيوني قالت فيه “لقد عملت مع كيتي في حفلين أو ثلاثة فقط، فقد كنت صغيرة في الرابعة عشر من عمري وهى كانت في قمة نجوميتها، وما يتردد أنها عملت جاسوسة عار عن الصحة وفبركة، فما أعرفه جيدا أنها أصيبت بمرض السرطان وهي في مصر وكان عرابي (أشهر وكيل فنانين في مصر) على اتصال بها، وهو الذي قال لي إنها فضلت أن تموت وتدفن في أثينا باليونان مع أهلها، وبعد سفرها لم نعلم عنها أي شىء”.

وفي تعليقه على تصريحات نجوى فؤاد، رجح تاسولاس أن فؤاد رما تعمدت الزعم بأن كيتي توفيت بمرض السرطان، بهدف وقف الشائعات عنها، ومنع البعض من اختلاق القصص غير الصحيحة حول حياتها وتاريخها.

ولكن أهم معلومة أكدها تاسولاس، هي أن كيتي لازالت على قيد الحياة، فقد قال إنها صديقة شخصية له، وإنها بصحة جيدة للغاية، ولا تزال تتمتع بجمالها القديم رغم بلوغها التسعين من العمر، ولازالت ترتسم على وجهها تلك الابتسامة الجميلة والمشرقة التي اشتهرت بها في السينما المصرية.

تاسولاس اختتم معلوماته بالقول إن كيتي تشعر بالحزن كلما تذكرت أن جميع أصدقائها القدامى الذين عملت معهم في مصر ماتوا منذ سنوات عديدة، مؤكدا أنها لازالت تعشق مصر وسكانها، وتفتقد دائما إلى المكان الذي ولدت به في الإسكندرية.

كيتي في أحد عروضها المسرحية باليونان، سبعينيات القرن الماضي
كيتي في أحد عروضها المسرحية باليونان، سبعينيات القرن الماضي

*****

بتنا أكثر اقتناعا أن كيتي لازالت على قيد الحياة بالفعل بعد المعلومات التي توصلنا إليها على لسان تاسولاس، وهو ما شجعنا على محاولة التواصل معه ربنا ساعدنا في الوصول إليها وإقناعها بالظهور، إلا أن محاولاتنا الطويلة للوصول إليه باءت بالفشل، حيث لم نعثر له على أي حسابات في الشبكات الاجتماعية، كما أنه لم يجب على رسائلنا التي تركناها ردا على تعليقاته في بعض المواقع طالبين منه الاتصال بنا.

إلا أننا ولحسن الحظ، توصلنا إلى فنانة استعراضية يونانية تدعى جيني تسيوجو (Jenny Tsiougou)، كانت قد شاركت تاسولاس في إنتاج فيديو قصير للدفاع عن كيتي ورواية قصتها الحقيقية، ولحسن الحظ أيضا وجدنا لها حسابا على موقع “فيسبوك”.

عندما أخبرناها بأننا صحفيون مصريون نعد تحقيقا عن كيتي، بادرت بمساعدتنا وأرسلت إلينا روابط صفحتها على ويكيبيديا اليونانية -التي سبق واطلعنا عليها وترجمناها- وروابط أخرى أيضا لم يكن فيها معلومات أكثر مما جمعنا، إلا أننا طلبنا منها أن توصلنا بتاسولاس، أو بكيتي مباشرة إن كانت تعرفها بشكل شخصي.

إلا أنها فاجأتنا بنفس الرد الذي تلقيناه من كريستوبولوس، بأن كيتي لازالت على قيد الحياة، ولكنها ترفض إجراء أي حوارات صحفية، كما ترفض إعطاء الصحافة أي معلومات أكثر مما هو منشور عنها في المواقع اليونانية، وعندما حاولنا إخبارها بأن هدفنا هو تصحيح المعلومات المغلوطة المنتشرة عنها في الصحافة العربية، قالت بإن كيتي لم تعد مهتمة بهذا الأمر، وليس لديها أي رغبة في الظهور بوسائل الإعلام.

تسيوجو اختتمت حديثها معنا بالقول، بأن كيتي تعيش حياة سعيدة وهادئة مع عائلتها، كما أن صحتها جيدة، وهذا فقط ما يجب أن يعرفه جمهورها، شاكرة لنا رغبتنا في تصحيح المعلومات المنشورة عنها، كما طالبت بأن نرسل لها ما سوف نقوم بنشره عن هذه الفنانة الجميلة الرائعة.

الفنانة الاستعراضية اليونانية جيني تسيوجو
الفنانة الاستعراضية اليونانية جيني تسيوجو

*****

عند هذه المرحلة، كدنا نعلن استسلامنا ونوقف البحث ونكتفي بما جمعناه من معلومات، ونترك الحكم النهائي للقارئ ليقرر إن كان اقتنع بأن كيتي لازالت على قيد الحياة بالفعل أم لا، قبل أن يقودنا القدر إلى معلومات لم نكن نتوقعها، حيث اكتشفنا أن مهرجان الإسكندرية لسينما حوض البحر الأبيض المتوسط، حاول تكريم كيتي قبل سنوات قليلة، إلا أن المعلومة كانت ناقصة، ولم تكشف لنا هل كان مجرد تكريم لاسمها، أم أنها كانت ستحضر بشخصها؟!

سريعا تواصلنا مع الناقد الأمير أباظة، رئيس المهرجان الذي أكد لنا صحة المعلومة بالفعل، مشيرا إلى أنه في إحدى دورات المهرجان السابقة كان يبحث عن تكريم أسماء يونانية ساهمت في إثراء الحياة السينمائية المصرية، مضيفا “فكرت حينها في تكريم كيتي، كنت أعلم وقتها أنها على قيد الحياة، وبالفعل تواصلت مع أحد أقربائها بالإسكندرية، الذي بدوره تواصل معها، ولكنها رفضت التكريم أو المجيء من اليونان”. سألناه عن سبب الرفض، فقال “بسبب السن”. سألناه عن هذا الشخص الذي تجمعه بها صلة قرابة قال “الكاتب والباحث والسياسي كريم كمال”.

لحسن الحظ، كان كريم في اليونان، حيث منعته ظروف إغلاق المجال الجوي من العودة إلى مصر بسبب جائحة كورونا. تواصنا معه، فوجدنا لديه الخبر اليقين!

قال لنا كمال “زوجتي من عائلتها، وأنا على تواصل دائم معها حتى الآن -يقصد كيتي-“. شعرنا أن معلومات شبه يقينية في الأفق، تركناه يتحدث فأضاف “هي بالفعل تعيش في اليونان، ومازلت بصحة جيدة جداً، ولكن المشكلة أنها ترفض أي تعامل مع الإعلام، وسبق أن طلب الأستاذ الأمير أباظة مني حضورها لمهرجان الإسكندرية وتكريمها، ولكنها اعتذرت، وأيضا طلب الأستاذ سمير صبري مني أن أخبرها أنه على استعداد للسفر إلى اليونان للتسجيل معها حلقة تليفزيونية، ولكنها اعتذرت أيضا”.

وعن سبب اعتذاراتها المتكررة يقول كريم كمال إنها “لا تريد أن يشاهدها أحد بغير الصورة التي يتذكرها الناس عنها في أفلامها القديمة، وتقول لي دائماً إنها تود أن تبقى تلك الذكرى الجميلة التي يعرفها الناس، حتى أنها ترفض كذلك التقاط الصور العائلية”، مضيفاً “هي متابعة جيدة جداً للفن المصري، وتشاهد الأفلام والمسلسلات المصرية حتى الآن، كما أنها تحب مشاهدة أفلام عادل إمام ونور الشرف ومحمود عبدالعزيز، ورأيها أن أعظم كوميديانات الجيل الذي تلاها هم فؤاد المهندس وعادل إمام وسمير غانم”.

الباحث والكاتب المصري قال إن كيتي لا زالت تتحدث العربية بطلاقة، وزارت مصر عدداً من المرات، كان آخرها منذ حوالي 20 سنة، ولكنها لم تخبر أحداً بالزيارة، متابعا “هي عاشقة لمصر، وكل أصولها وعائلتها من اليونان، وليس لهم أي أصل يهودي كما أشيع عنها”.

وعن سر إخفائها لتاريخها الفني الكبير في اليونان رجح كريم أنها “بعد ما سافرت من مصر إلى اليونان اهتمت أكثر بتأسيس مدارس للرقص، ليس في اليونان فقط، بل في عدد من الدول الأوروبية، وحققت من هذا الأمر مكاسب مادية تجعلها تعيش حياة كريمة حتى الآن، ولكن مع تقدمها في السن توقفت عن مباشرة تلك المدارس”.

أما حول حياتها الخاصة وشائعات زواجه من عماد حمدي وحسن الصيفي قال كريم “ليس لديها أبناء على الإطلاق، ولم تتزوج بعد سفرها من مصر، ولا أعتقد أنها تزوجت من النجم الكبير عماد حمدي أو المخرج حسن الصيفي”، ويضيف “هي عاشت مع أختها التي كانت تصمم لها كل ملابسها في الأفلام والاستعراضات، وقد رحلت أختها منذ نحو 10 سنوات تقريباً، ومازالت كيتي محتفظة بكل ملابس الأفلام والاستعراضات حتى الآن”، مختتما بقوله “بالمناسبة، هي مازالت رغم السن في نفس جمالها، وتستطيع أن تميزها من شكلها وروحها المرحة”.

الباحث المصري كريم كمال، أحد أقارب كيتي
الباحث المصري كريم كمال، أحد أقارب كيتي

*****

في منتصف الخمسينيات، نشرت إحدى المجلات الفنية المصرية تقريرا صحفيا عن كيتي بعنوان “كيتي بلا مكياج”، تضمن صورا لها بالألوان وعلى وجهها ابتسامتها المعهودة، ظهرت كيتي في الصور وهي تصلح بعض الملابس وفي صور أخرى وهي تقرأ الفنجان.

قال كاتب التقرير، إن كيتي إذا ما أغلقت وراءها باب منزلها، نست أنها راقصة وأنها ممثلة، ولم تعد تذكر إلا بيتها الصغير، وما تحتاج إليه، مشيرا إلى أنها تشرف بنفسها على كل صغيرة وكبيرة في شؤون البيت، كما تقوم بأغلب أعبائه وحدها دون حاجة إلى خدم، لافتا أن لكيتي هواية حبيبة إلى نفسها تمارسها في محيط المنزل، وهي إصلاح الآلات الكهربائية من المروحة إلى النجف والعكس! كما أنها تقضي ساعات طويلة داخل مطبخها في طهي الطعام بنفسها، وتعشق قراءة الفنجان كل يوم بعد تناول قهوتها الصباحية.

بالرغم من عدم حصولنا على أي صورة حديثة لكيتي، تظهر لنا كيف أصبحت تلك النجمة الرقيقة بعدما بلغت التسعين من العمر، إلا ذلك التقرير الذي نشر قبل نصف قرن، قد يساعدنا في تخيل حياتها البسيطة التي تعيشها في منزلها بأثينا حاليا.

ففي الغالب لازالت تشرف على شؤون منزلها بنفسها رغم سنها، وتقضي أوقاتا في طهي الطعام، وقراءة الفنجان كل صباح، قبل أن تتوجه إلى جهاز اللاب توب الخاص بها، وتبدأ هوايتها اليومية في مشاهدة أفلامها وأفلام زملائها في مصر، وتستعيد عبر مشاهدها ذكريات جميلة مضت، ومجد فني نادر لم يتكرر.

كيتي تصلح ملابسها بمنزلها، صورة لها في تقرير بمجلة فنية، نشر في خمسينيات القرن الماضي

*****

كل المصادر التي تواصلنا معها، أكدت وأصرت على أن كيتي لا تزال على قيد الحياة، وأنها بصحة جيدة، إلا أن الجميع اتفق على رفضها التام للظهور والتواصل مع وسائل الإعلام، وعلى الرغم من عثورنا على صورة نعتقد أنها التقطت لكيتي قبل سنوات قليلة، إلا أننا آثرنا عدم نشرها احتراما لرغبتها في الاحتجاب والبقاء بعيدا عن الأضواء.

وكما كانت تقول في فيلمها الأشهر (عفريتة إسماعيل ياسين): “محدش يقدر يشوفني أو يسمعني غيرك”، أرادت كيتي ألا يراها أو يسمعها إلا عدد محدود من المقربين منها، بينما احتجبت عن باقي العالم، لتبقى عفريتة السينما المصرية أشبه بجنية، تطل علينا عبر أفلامها القديمة لتنشر البهجة والسعادة، ولتظل لغزا محيرا، لا يمكن القطع بأننا حللنا كل أحجيته بعد.

************