هو أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم، الإمام والفقيه والعالم الذي لم يكتف بعلمه فقط، بل كان مقاومًا للظلم والطغيان، والذي كان يخشاه السلاطين والملوك.

العز مغربي الأصل دمشقي المولد. كان أبوه فقيرًا للغاية، لذا شب الطفل العز على مساعدة أباه في بعض الأعمال الشاقة مثل إصلاح الطرق والتنظيف أمام محلات التجار، وعندما مات الأب ولم يجد من يؤويه، توسط له الشيخ فخر الدين ابن عساكر، للعمل في الجامع الأموي، فساعد الكبار في أعمال النظافة، وكان ينام ليلًا في زاوية بأحد دهاليز الجامع على الرخام.

عاش شبابه في ظروف سياسية مضطربة، حيث انهيار الخلافة العباسية وتكالب الصليبيين والمغول على الأمة الإسلامية، فجسد العز نموذجا ربما يكون مختلفا مثلا عن نموذج الإمام جعفر الصادق، حيث قدم صورة لعالم الدين الذي يجاهد في سبيل الله.

شارك العز بن عبد السلام عملياً في الجهاد والقتال ضد الصليبيين الذين اتجهوا لاحتلال دمياط وسائر مصر بعد أن وصلوا إلى المنصورة، فيما يعرف الناس موقفه ودعوته الشهيرة لمواجهة التتار، وشحذه الهمم لخوض الحرب ضد الغزاة، وموقفه مع قطز قائد جيوش السلطان عز الدين أيبك في ذلك الإطار، غير أن هذا الموقف مجرد نقطة في بحر جهاد سلطان العلماء.

وبعد وصول قطز لسدة الحكم في مصر ظهر خطر التتار، فعمل العز على تحريض الحاكم واستنفاره لملاقاتهم، ولما أمر قطز بجمع الأموال من الرعية للإعداد للحرب، وقف العز في وجهه، وطالبه ألا يأخذ شيئًا من الناس إلا بعد إفراغ بيت المال، وبعد أن يخرج الأمراء وكبار التجار من أموالهم وذهبهم المقادير التي تتناسب مع غناهم حتى يتساوى الجميع في الإنفاق، فإذا لم تكف هذه الأموال الإعداد للمعركة، فليفرض ضرائب على الناس، فنزل قطز على حكمه.

كان يدرك أن دور العلماء لا يقتصر على إلقاء الدروس والخطابة وتعليم الطلاب، فاشترك في الحياة العامة مصلحًا يأخذ بيد الناس إلى الصواب، ويصحح الخطأ لهم ولو كان صادرًا من أمير أو سلطان.

رأى أن الأحكام إن لم يمكن استنباطها من الكتاب والسنة أو الإجماع أو القياس، فيجب استنباطها بما يحقق مصلحة ويدرأ مفسدة، والعقل هو أداة هذا الاستنباط.

حين بلغ الـ 62، بدأ حياة جديدة، وغير كل ما تعوده وهو صغير؛ فقد ترك دمشق غاضبا وهاجر إلى الله من بغي حاكم دمشق، واستقر في القاهرة، وحينما مرض العز أمر له الملك الأشرف بألف دينار، فردها الشيخ، ولم يقبلها.

توفى الشيخ العز في مصر ودُفن في سفح جبل المقطم، وتحديدًا في منطقة البساتين بالقرب من جبانة التونسي.