نشرت صحف العالم في مايو من العام 1954، خبر اكتشاف هرم مدرج جديد بمنطقة سقارة بعد اكتشافه من قبل عالم الآثار الراحل محمد زكريا غنيم.
وغنيم هو عالم آثار من قرية العبيدية، مركز فارسكور، محافظة دمياط، عائلته من أصل قبطي اعتنقت الإسلام فى القرن التاسع عشر، وولد عام 1905. عمل قبل الحرب العالمية الثانية في منطقة سقارة، ثم قضى فترة الحرب في الأقصر، بعد ذلك عاد إلى سقارة ليعمل على مجموعة من الاكتشافات بالتعاون مع عالم الآثار الفرنسى “جان فيليب لوير”.
أوكلت لغنيم مهمة الكشف عن حقيقة الجزء المرتفع من السور الجانبي الواقع غرباً من هرم زوسر المدرج، والذي اتضح أن العمل في تشييده لم يتم بشكل نهائي، حيث بلغت مقاييس السور 550 م ×200م، ولم يُعرف في بداية الأمر ما يشير إلى اسم من بناه، لكن جميع الأثريين والباحثين الذين زاروا تلك المنطقة آنذاك، أجمعوا على أن صاحب هذا البناء يجب أن يكون ممن خلفوا الملك زوسر مباشرة، لأنه قريب جداً من مدفنه.
اكتشاف الهرم الناقص
وجد غنيم في محيط السور، عدد قليل جداً من المومياوات التي يرجع تاريخها إلى العصر البطلمي مدفونة في الرمال، و62 قطعة صغيرة من أوراق البردي المكتوبة بالديموطيقية، ويرجع تاريخها لعصر الأسرة الـ26، يحمل بعضها اسم الملك أحمس الأول، كما اكتشف بعضاً من القطع الأثرية، التي تم تأريخها لنفس الأسرة وما تلاها، واستمر التنقيب حتى العام 1954، عندما عُثر داخل السور على بناء اتضح أنه هرم مدرج الشكل لم يكتمل العمل به، واعتقد حينها أن هذا الهرم لم يتعرض لعبث اللصوص، حيث وجد المدخل مسدوداً تماماً بجدار من الأحجار.
يتكون الهرم المدرج المستكشف من مصطبة سفلى وجزء من المصطبة الثانية، بلغ ارتفاعه ما يقرب من سبعة أمتار، أما قاعدته فهى مربعة الشكل طول كل ضلع من أضلاعها نحو 120 متراً، ما يدل على أن من وضعوا تخطيطه الأول أرادوا أن يجعلوه قريباً فى الحجم من هرم “زوسر” المدرج.
كذلك اكتشف غنيم، الطرق الصاعدة التي استخدمت في تشييد الهرم الناقص، إذ عُثر عليها فى أماكنها وتكاد تغطى البناء نفسه، وبدراسة هذا الطرق تبين أنها كانت تزداد طولاً وعرضاً مع التقدم فى العمل، أما الطريق الصاعد الرئيسى الذى استخدم لنقل الحجارة والمواد اللازمة للبناء فقد كان فى الناحية الغربية من الهرم.
ووصل العمل إلى داخل الهرم نفسه، فوجد غنيم بعض الدهاليز بداخله، يحتوى أحدها على 120 مخزناً صغيراً، عُثر فيها على أوان حجرية بعضها كامل تقريباً، والآخر نصف مكتمل الصنع، تشبه إلى حد كبير مثيلاتها من الأواني التي عُثر عليها تحت هرم “زوسر”، إلا أن أهم ما قدمه اكتشاف هذه الأواني هو معرفة اسم صاحب الهرم.
الهرم الناقص كان للملك “سخم خت”، أو زوسر الثاني كما أطلق عليه، وهو من ملوك الأسرة الثالثة التى امتد حكمها في الفترة من 2780 ق.م وحتى 2720 ق.م، ومن المرجح أنه ابن الملك زوسر وخليفته على العرش، وقد ذكر اسمه سبع مرات على سدادات الأوانى، ويعتقد انه حكم مصر مدة 7 سنوات.
نسب هذا الاكتشاف إلى العالم المصري زكريا غنيم، وكان يرجح أن معماري زوسر الشهير “إمحوتب” ساهم في تصميم هذا الهرم، وكان من الممكن أن يكون أكبر من هرم زوسر لو تم بناؤه، أما اليوم، ستجد هذا الهرم في جنوب غرب مجمع “زوسر”، مطموراً بالرمال ويـطلق عليه اسم الهرم المدفون.
كتب غنيم عن هذا الاكتشاف كتاباً، شرح فيه ما رآه أثناء التنقيب، ومن بين ما رواه عن تلك اللحظة الآتي: “عندما دخلنا وارتفع ضوء المصباح شاهدت في منتصف الغرفة تابوتاً ضخماً من الألباستر، فتحركت إليه، وكان أول سؤال يدور بذهني، هل هذا التابوت سليم لم يُمس أم لا؟” .
حتى جاء يوم 9 مارس 1954، وبحضور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وبعض رجال الثورة والصحافة العالمية من كل مكان، لمعاينة لحظة فتح التابوت، إذ كان يُعتقد أنه يحتوى على جثمان الملك “سخم خت”، ما سيجعله أهم كشف في الوجود، وخاصة لأن الهرم المدرج الذي بناه “إيمحوتب” وبه سراديب بطول سبعة كيلومترات، وجد بداخلها تابوت ضخم للملك وتوابيت من المرمر لدفن بناته الـ 11، لكن لم يعثر إلا على جزء من ذراع الملك “زوسر” وهي الآن محفوظة بكلية الطب في جامعة القاهرة.
وسُمح لعدد قليل من الصحفيين بالدخول داخل حجرة الدفن للهرم الناقص، وتسلطت الكاميرات على أعين زكريا غنيم، لكن عندما بدأ فى فتح التابوت، كانت المفاجأة بأنه خاليا ولا يوجد به أى أسرار فرعونية.
لحظات صعبة
يقول غنيم عن تلك اللحظات الصعبة فى حياته “إنه من الصعب على أن أصف هذه اللحظات، خليط من الرهبة والفضول والشك، شعرت أن للهرم شخصية، وأن هذه الشخصية كانت مجسدة في الملك ذاته الذي بُنى من أجله الهرم، ولا تزال أصداء أنفاسه تتردد بيننا”.
والأكثر من ذلك، ففى يوم 12 يناير 1959، وبالتحديد حين أجرى جرد لعهدة زكريا غنيم الأثرية في سقارة تمهيدا لتوليه أمانة المتحف المصرى بالقاهرة، وجهت إليه تهمة ضياع بعضها وبالأخص قطعة من الآثار التي اكتشفها في هرم الملك “سخم خت”، وكانت هذه هي المأساة الثانية بعد اكتشافه لمقبرة خالية.
وبالرغم من عدم وجود أدلة على إدانته، إلا أن نفس زكريا غنيم لم تتحمل وقع الصدمة فألقى بنفسه في نهر النيل، ليلقى حتفه منتحراً في نفس العام، لكن هناك من علل انتحاره بسبب لعنة الفراعنة ولعنة مومياء الملك “زوسر الثاني” أو “سخم خت” المختفية.
بعد وفاته بعامين، تمكن صديقه الأثرى الفرنسى جان فيليب من العثور على دليل براءته، واكتشف القطعة الأثرية المفقودة في أحد مخازن البدروم في المتحف المصرى بالقاهرة، وهذا ماتم ذكره فى كتاب عالم الاثار المصرى زاهى حواس “معجزة الهرم الأكبر”.