ليست القافية فقط من جعلت الشاعر محمد علي أحمد يربط بين الغورية والهدية في أغنيته الشهيرة “يارايحين الغورية.. هاتوا لحبيبي هدية”، والتي غناها المطرب الراحل الكبير محمد قنديل من ألحان كمال الطويل، فكانت الغورية هي المكان الذي يشتري منه الغلابة والميسورين على السواء هداياهم، فهو مكان مشهور ببيع ملابس البيت من جلابيب وبيجامات، وهو أيضا مشهور ببيع كل منتجات الأقمشة من ستائر وملايات وغيرها.

هو شارع لا يعرف الهدوء نهارا. عبارات الترحيب بالمارة يلقيها عليك عادة أصحاب المحلات هناك، لنكنها لا تثنيك عن مشاهدة كرنفال من الألوان والأشكال للأزياء والعبايات والمفارش المتنوعة.

بداية الحي تقاطع مع شارع الازهر حيث مجموعة الغوري الأثرية، ونهايته باب زويله العظيم ومسجد السلطان المؤيد شيخ المحمودى، والذى يعتبر من اعظم ما ترك المماليك من اثار وزخارف إسلامية. يقع هذا الحي في منطقة القاهرة الفاطمية ويحده شارع الجمالية الذي يحتضن في طرفه الجامع الأزهر ويفصله عن ضريح سيدنا الحسين والسوق ومنطقة خان الخليلي، وكان يسمى قديما حي (الشرابشيين) ثم (العقادين) وكانت به دكاكين لصناعة وخياطة الملابس السلطانية.

أنشأه السلطان أبو النصر قنصوة الغوري الشركسي أخر سلاطين دولة المماليك (1250-1517م)، وهو الذي قتل في موقعة مرج دابق التي كان يحارب فيها سلطان العثمانيين سليم الأول، حيث كان الغوري يحب الطرب ويقرض الشعر ويسمعه بالإضافة إلى ما شغوف به من التواريخ والسير والقراءة، وكان مولعا بجمع التحف الثمينة واضطره ولعه إلى جلب التحف التي كانت مودعه في خزائن الحجاز من موروث الإسلام الأول، ومنها مقتنيات الرسول الكريم والصحابة، التي صادرها بعدئذ الأتراك العثمانيون والتي تقبع اليوم في متحف طوب كابي في اسطنبول أو حتى نسخة المصحف الملطخة بدماء الخليفة عثمان بن عفان والتي كان يقرأها عندما اغتيل ،والتي تقبع اليوم في إحدى متاحف آسيا الوسطى.

ويذكر عنه انه كان يلبس أفخر الثياب ويشد فوقها في وسطه حزاما من الذهب، ويتحلى بالخواتم الثمينة ويشرب في أواني من الذهب الخالص، وكان مولعا بالعطور والطيب، واهتم كثيرا بغرس الأشجار والعناية بالرياحين في حدائق قصوره.

كما كان محبا للألعاب الشعبية مثل مناطحة الأكباش والثيران وكذلك الفروسية ولعب الرماحة وفن النشاب والكرة والصولجان.

كان الغوري مغرماً بالعمارة وترك خلفه ثروة فنية في مصر وحلب والأقطار الحجازية، وكانت أغلبها خيرية. واهتم كذلك بتحصين مصر فأنشأ قلعة العقبة وأصلح قلعة الجبل وأبراج الإسكندرية، وجدد خان الخليلى فأنشأه من جديد وأصلح قبة الإمام الشافعى ومسجد الإمام الليث وأنشأ منارة للجامع الأزهر.

وقد شيد قنصوة الغورى مجموعته المعمارية الهامة في تاريخ العمارة والتي تتكون من وكالة الغوري، ومسجد الغوري، وقبة وسبيل وكتاب ومدرسة الغورى وتقع في نهاية شارع الغورية عند تقاطعه مع شارع الأزهر وتأخذ شكل كتلة معمارية مميزة حيث تأخذ امتداد واحدا تظهر خطوطه في كل أجزاء هذه الكتلة المعمارية.

أما عن المدرسة والكتاب والسبيل، فقد شيد بطرق التخطيط السائد في القرن 15 والتي تتميز بأربعة إيوانات مغلقة يتوسطها قاعة مغطاه، أما المئذنة فلها طابع متميز تنفرد به لأنها على شكل مبخرة يعلوها خمس كرات بدلا من كرة واحدة. أما الخانقاه التي توجد في مواجهة المسجد فتحتوي علي الضريح الذي كان معد للسلطان الغوري ولم يدفن فيه أحد.

 

وفي الركن الشرقي من المبني يوجد السبيل وهو ذو طراز محلي يضم ثلاثة شبابيك للتسبيل تطل جميعها على كل من شارع الأزهر وشارع المعز لدين الله، ويعتبر من أبرز ما تتميز به مجموعة الغورى.

أما الوكالة، فهي تعتبر نموذجاً كاملاً لما كانت عليه الوكالات في ذلك العصر، وقد بقي منها جزءًا كبيرًا ساعد على إصلاح ما تهدم وإرجاعها لحالتها الأصلية، وهي تحتوي على صحن مكشوف مستطيل الشكل به بائكة تحيط بثلاث جدران من الصحن، يفتح عليها بالدور الأرضي مجموعة من الحواصل مساحتها مستطيلة لها سقف قبو وله باب واحد يعلوه فتحة شباك للتهوية والإضاءة كانت تستخدم للتخزين، وتشتمل الوكالة علي 26 حاصل و 9 أخرون بالملحق.

وبعد ترميم وزيارة الثقافة للوكالة منذ نحو 10 سنوات تقريبا استغلتها في العروض الموسيقية، حتى صارت تعرف الوكالة ببيت التنورة الرئيسي.

في حين يقع المسجد عند تلاقى شارع المعز لدين الله بشارع الأزهر، وهو ملاصق لمدخل السبيل والمدرسة، ويقع خلفها خانقاه ومقعد وإلى جوارها ثلاثة منازل تجتمع كلها في وجهة واحدة متصلة تشرف على شارع الأزهر.