لا يمكن تخيل شهر رمضان الكريم إلا بصوت أذان الشيخ محمد رفعت.

وصوت الشيخ رفعت ناعم هادئ وشجي، يصفه الموسيقار محمد عبدالوهاب بالملائكي الذي يأتي من السماء لأول مرة، ولا عجب في ذلك فالشيخ كان من هواة الموسيقى، فكان يسمع أهم موسيقيين في العالم، ومنهم “فاجنر” و”موتسارت” و”بيتهوفن”، ولم يكتف بذلك لتظهر تسجيلات خاصة في بعض جلسات خاصة له، وهو يغنى أغنيات لأم كلثوم ومنها “أراك عصى الدمع”.

الشيخ رفعت ملقب بـ “قيثارة السماء”، ولد في حي المغربلين بالقاهرة يوم 9 مايو من عام 1882، وتوفى في 9 مايو أيضا ولكن من العام 1950.

فقد رفعت جزءًا كبيرًا من بصره وهو في الثانية من عمره، كان يرى خيالات وأضواء بعين واحدة، إلا أنه فقدها عام 1936، عندما فقأها أحد محبيه ومريديه دون قصد، عقب التفاف جمهوره حوله في مسجد سيدي جابر بالإسكندرية.

الشيخ محمد رفعت في شبابه

في عام 1934، ألغيت المحطات الأهلية، وأنشأت شركة “ماركوني” الإذاعة المصرية، وعندما عرضت إدارة الإذاعة عليه أن يفتتحها بتلاوة آيات الذكر الحكيمة، إلا أنه رفض خشية أن يكون الراديو في مكان “نجس غير طاهر” أثناء القراءة، واستفتى شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري، فأفتى له بأن القراءة في الراديو ليست حرامًا، ولكن ضمير الشيخ لم يسترح حتى ذهب إلى شيخ الأزهر الشيخ مصطفى المراغي، والذي أكد له نفس الشئ، واطمأن قلب رفعت، وأصبح أول من رتل القرآن الكريم في الإذاعة.

** اقرأ أيضا: هل تزوج الشيخ الشعراوي من شادية؟.. وما رأيه في الموسيقى؟

ولما سمعت الإذاعة البريطانية بي بي سي العربية، صوته أرسلت إليه وطلبت منه تسجيل القرآن، فرفض ظنا منه أنه حرام لأنهم غير مسلمين، فاستفتى الإمام المراغي الذي غير له وجهة النظر تلك.

ترك الشيخ رفعت الإذاعة بعد تضييق الإنجليز عليه، بسبب رفضه عرضا قدمه مهراجا هندي لقراءة القرآن هناك مقابل 100 جنيه لليلة الواحدة، رغم تقاضيه 3 جنيهات فقط في الشهر بالإذاعة المصرية.

الشيخ رفعت في أواخر آيامه

تركه للإذاعة أشعل غضب الكثيرين، حتى تدخل الملك فاروق في النهاية لإعادته مرة أخرى، مع تكليفه بآذان المغرب أيضا.

حكاية وفاته لها العجب، حيث داهم مرض السرطان حنجرته عام 1943، وكأنها فتنة من فتن العصر، أصابته “الزغطة” فتوقف عن القراءة فى الإذاعة بعد أن داهمته وهو يقرأ في إحدى المرات، واكتفى بالقراءة في مسجد “فاضل” بالسيدة زينب حتى عام 1948، وتكفل الشيخ رفعت بتكاليف علاجه كاملة ورفض أية مساعدات أو أموال أو منح، تقدم بها أمراء وملوك العرب وقتها، كما أنه رفض الاكتتاب الذي فتحته مجلة “المصور” لعلاجه وجمعت بالفعل مبلغ 50 ألف جنيه، فكان رده على الجميع “مستورة والحمد لله”.

ظل الشيخ رفعت يعاني، وزادت معاناته عندما تجاهلت الإذاعة تسجيلاته في أواخر سنين حياته، حتى فارق الحياة بعد إصابته بالمرض اللعين بسبع سنوات كاملة.