“إليك أشتاق يا حبيبي يا رسول الله، كن شفيعى، خذي بيدي إلى الجنة”، ما إن تأتي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة حتى ترتجف الأبدان شوقا إليه، فما بالك أذا رأيت مقتنياته أمام عينيك؟!
لحسن حظ المصريين، تمتلك مصر العديد من مقتنيات الرسول صلى الله عليه وسلم، والمحفوظة في غرفة المقتنيات النبوية بمسجد الحسين في منطقة الأزهر.
وتشتمل المقتنيات النبوية بمسجد الحسين على سيف الرسول صلى الله عليه وسلم ويقال إن اسمه “سيف العضب”، وجزء من قميصه، بالإضافة إلى بقايا عصاه التي يقال إنها العصا التي دخل بها مكة وكان يشير بها إلى الأصنام فتتحطم، وكذلك المكحلة والمرود التي كان يكتحل بهما، وهناك أيضا مصحف يعتقد أنه لسيدنا على بن أبى طالب رضى الله عنه، وأربعة شعريات من شعر رأس ولحية الرسول.
** اقرأ أيضا: بالصور والخرائط.. رحلة البحث عن (مشهد الرسول) في مصر
ولكن، هل هذه المقتنيات تعود بالفعل إلى الرسول الكريم؟ وإن كانت مقتنيات نبوية بالفعل.. فكيف وصلت إلينا لتستقر في مسجد الحسين؟
آثار مشكوك في صحتها
استند العلماء الذين يرجحون أن تلك المقتنيات لا تخص الرسول بأن الصحابة لم يهتموا بحفظ مثل هذه الآثار، فقد بلغ عمر بن الخطاب أن أناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها الرسول، فأمر بها فقُطعت، وورد في صحيح البخاري عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه أنه قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا، ولا عبدا ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة.
ويقول أحمد تيمور باشا في كتابه “الآثار النبوية”: “لا يخفى أن بعض هذه الآثار محتمل الصحة، غير أننا لم نر أحداً من الثقات ذكرها بإثبات أو نفي، فالله سبحانه أعلم بها، وبعضها لا يسعنا أن نكتم ما يخامر النفس فيها من الريب ويتنازعها من الشكوك”.
فيما يعلق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني على هذه المسألة قائلا: “نحن نعلم أن آثار الرسول صلى الله عليه وسلم، من ثياب، أو شعر، أو فضلات، قد فقدت، وليس بإمكان أحد إثبات وجود شيء منها على وجه القطع واليقين”.
على الجانب الآخر، اجتهد بعض العلماء لإثبات صحة نسب تلك المقتنيات إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، خاصة الشعيرات.
** اقرأ أيضا: عن الذين شاهدوا رأس الحسين.. 3 وقائع فُتح فيها القبر الشريف بالقاهرة
حيث استشهد البعض بقول ابن عباس من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يُرى له ظل في شمس ولا قمر. وهي من خصائص النبوة فظله كان لا يقع على الأرض، وأنه كان نورا، ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه: “واجعلني نورا” كما جاء بصحيح مسلم، حيث اعتبر البعض أن هذه الصفة يمكن استخدامها للتأكد من صحة نسبة الشعيرات إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ما تعرضت لدرجة حرارة مرتفعة، فلو كانت بالفعل شعيرات نبوية ما تأثرت بالحرارة.
أما الدكتورة سعاد ماهر فقد سردت أوردت في كتابها “مخلفات الرسول في المسجد الحسيني” قولها “إن المخلفات الموجودة بمسجد الحسين هي ثلاث قطع من النسيج، وقطعة من العصا كما عبر عنها الجبرتي، وقد ضم إليها بعضا من شعر الرأس ومن اللحية النبوية الشريفة، وقد حفظت جميعها في أربعة صناديق من الفضة، ملفوفة في قطع من الحرير الأخضر المزين بخيوط من الذهب والفضة، كذلك المكحلة والمرود صنعا من مادة الحديد أو النحاس الأحمر وأن نسبتهما إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم صحيحة”.
وقال بعض المؤرخين إن مقتنيات الرسول كانت لدى بني إبراهيم بينبع بالتوارث منذ عهد الرسول، حتى اشتراها الوزير المصري “الصاحب تاج الدين ابن حنا” في القرن السابع الهجري في عهد السلطان الظاهر بيبرس، وقام ببناء مبنى لحفظها سمى ب “أثر النبي”، وبمرور الوقت تصدع المبنى وخشي على الآثار النبوية من السرقة أو الأذى، فبنى لها السلطان “قنصوه الغوري” في أوائل القرن العاشر الهجري قبة عظيمة ظلت محفوظة بها لأكثر من ثلاثة قرون، حتى نقلت إلى مسجد السيدة زينب ومنها إلى خزانة الأمتعة بالقلعة، ثم ديوان الأوقاف، فسراي عابدين، لتنتهي في نهاية المطاف بالغرفة الحالية بمسجد الإمام الحسين عام 1893 في عهد الخديوي عباس حلمي.