في أوائل القرن السادس عشر كانت الأساطيل البرتغالية تنتشر في جميع أنحاء العالم حيث بدأت في تشكيل أول إمبراطورية بحرية في التاريخ، وتأتي الهند كأكثر الدول التي أرادت البرتغال ضمها، لذلك احتاجت لسفينة ضخمة تنقل الغنائم، فصنعت “زهرة البحر” التي بلغ طولها 118 قدمًا وعرضها 111 قدمًا، وتزن 400 طن، لتصير أكبر سفن الأسطول البرتغالي.
تم بناء The Flor de la Mar (زهرة البحر) عام 1502 في لشبونة، واستخدمت في بادئ الأمر كسفينة تجارية ما بين البرتغال والهند عام 1505، لكن في وقت لاحق تم الضغط على السفينة للخدمة في الحروب البرتغالية على الساحل الهندي، فكان التاريخ البحري للسفينة مثيرا للإعجاب حيث شاركت في معركة غوا الهندية 1510 وإسقاط ملقا الماليزية 1511.
وبعد إخضاع ملقا، قام القبطان “ألفونسو دي ألبوكيرك” بتحميل السفينة كنزا ضخما مأخوذ من ملقا بالإضافة لتحية من ملك “سيام” التايلاندية، ووفقا للحسابات التاريخية، يعد هذا الكنز هو الأكبر مما تم تجميعه خلال تاريخ البحرية البرتغالية.
زهرة البحر الغارقة
واستنادا إلى السجلات البرتغالية، كانت “زهرة البحر” تحمل كؤوس ذهبية وأواني فضية وكميات كبيرة من سبائك الذهب يبلغ وزنها 54 ألف كجم، وتعادل قيمتها الآن 2.6 مليار دولار، ومن بين الحمولة مصباحان زيتيان من النحاس الأصفر وسوار سحري من مهراجا شاهبندر، واحتاجت الحمولة لمساحة كبيرة لوضعها علي السفينة لدرجة أن الطاقم واجه صعوبة في تخزين 200 صندوق إضافي مملوء بالأحجار الكريمة، الماس والياقوت والزمرد تزيد قيمتها على 30 مليون كرونة، لتصل قيمتها اليوم إلى مليارات الدولارات.
أبحرت “زهرة البحر” بعد ذلك في طريقها إلى البرتغال مع أربع سفن أخرى، لكنها واجهت عاصفة عنيفة في مضيق ملقا في 20 نوفمبر 1511، فسحبت للمياه الضحلة لتصطدم بالشعاب المرجانية في سومطرة، ويكون مصيرها الغرق بعد 9 أعوام من الأبحار.
وكتب “تومي بيري” الصيدلاني البرتغالي فى مذكراته والذي كان يعيش في ملقا بين عامي 1512 و1515، واصفا لحظات الغرق: “حينما كانت السفن البرتغالية تبحر على طول الساحل الشمالي الشرقي واجهتها عاصفة شديدة، فتحطمت على إثرها سفينة قديمة تسمى زهرة البحر بعد دخولها في المياه الضحلة، وهو ما تسبب في خسائر كبيرة في الأرواح، وفقدان جميع الكنوز التي تم جلبها من ملقا، وتمكن قبطان السفينة ألبوكيرك من الهرب مع عدد من ضباطه على متن ما يمكن تسميته قوارب النجاة، فقاموا بالتجديف بعيدا عن الحطام، لا يحملون معهم غير ما يرتدونه من ملابس، تاركين خلفهم الكنز ليفقد ما يقرب من 400 شخص ممن كانوا على متن السفينة حياتهم في ذلك الحادث”.
وحتى الآن لم يتم تحديد الموقع الدقيق لحطام السفينة، وربما يرجع ذلك للخرائط غير الدقيقة في ذلك الوقت، لكن ليس مرجحا أن تكون السفينة قد نجت نظرًا لظروف البحر القاسية في تلك المنطقة.
محاولات لإيجاد الكنز
من بين المحاولات الجادة للعثور على الكنز المفقود، محاولة الشركة السنغافورية “جنوب شرق آسيا للإنقاذ”، بعد حصولها على موافقة السلطات الإندونيسية عام 1989 من أجل البحث عن السفينة الغارقة، لكن قبل أن يبدأ الفريق بالتنقيب والحفر فيما اعتقدوا أنه الموقع الرئيسي للحطام، نشب نزاع بين ماليزيا والبرتغال وإندونيسيا حول أحقية كل منهم في الغنائم التي قد يمكن اكتشافها، ليتم لاحقا إلغاء المشروع، ويستمر إلى اليوم موقع سفينة “زهرة البحر” ومحتوياتها لغزا غامضا.
كما ادعت ما لا يقل عن اثنتين من شركات الإنقاذ تحت الماء أن حطام “زهرة البحر” شوهد في بحر جاوة بالقرب من سيمارانج في إندونيسيا، لكن لم يعثر على شيء من ذلك.
فى المقابل، يظن الكثيرون أن الكنز المفقود لـ “زهرة البحر” لن يكون بالحجم الكبير، معللين رأيهم بأن بعضا من ركاب السفينة تمكنوا من النجاة بعد أن تركهم ألبوكيرك، كما أن السكان المحليين نجحوا بعد هدوء العاصفة المميتة وبمساعدة هؤلاء الناجين، في العثور على بعض ثروات “زهرة البحر”، قبل أن يستقر ما تبقى منها في قاع البحر ويفقد إلى الأبد، ولأنها منطقة غوص خالية من الرؤية مع قاع موحل وتيارات عالية، فمن الصعب للغاية تحديد موقع هذه الأشياء الثمينة، ويبقي الكنز مفقودا الى الان.
ويذكر أن الحكومة الماليزية صممت مجسما طبق الأصل من السفينة الغارقة، يعرض فى معرض ملقا البحري المفتتح عام 1994، ويبلغ ارتفاع النموذج 34 مترا وعرضه 8 أمتار.