احتفلت مدينة اسطنبول التركية خلال 2019، بإقامة معرض “آلات الجزري الاستثنائية”، الذي أعاد زواره إلى 8 قرون مضت، حيث العصر الذهبي لعلماء الإسلام، وضم أبرز آلات واكتشافات العالم “بديع الزمان أَبو العز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري”، أحد أهم المخترعين في التاريخ.
ولكن من هو هذا العالم الجليل؟ الذي تقوم العديد من متاحف العالم الشهيرة مثل متحف الفنون الجميلة في بوسطن والباب العالي في إسطنبول ومتحف اللوفر في فرنسا ومكتبة جامعة أوكسفورد، بعرض كتابه “الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل” تقديرا منهم لإنجازاته العلمية الفريدة؟
مخترع ومهندس وفنان!
ولد إسماعيل الجزري عام 1136م بمنطقة جزيرة ابن عمر، التي تقع اليوم شمال نهر دجلة “تركيا حاليا”، واستطاع نتيجة شغفه بالعلوم أن يصبح عالما ومخترعا ومهندسا وميكانيكيا وفنانا وعالم رياضيات، ما أهله لشغل منصب كبير المهندسين فى قصر الدولة الأرتقية، كما تمكن من تصميم آلات كثيرة ذات أهمية كبيرة، لم تكن معروفة في أي مكان بالعالم قبله.
بسبب اختراعاته الميكانيكية المذهلة، تم وصف الجزري بأنه “أبو هندسة العصر الحديث”، وكذلك اختراعه لروبوت بشري قابل للبرمجة في وقت مبكر، جعله يلقب بـ”والد الروبوتات”، حيث تمكن من ابتكار آلة على شكل خادمة بجانب حوضين لغسل اليدين، حيث تقوم الخادمة الآلية بملء الحوض بماء نظيف كلما فرغ.
** اقرأ أيضا: لوحة نادرة رسمت لـ “صلاح الدين” في حياته تكشف ملامحه الحقيقية
ويتميز كتاب الجزري “صناعة الحيل” بجوانبه العملية المتقنة؛ فالمؤلف يصف الأجهزة المختلفة بتفاصيل دقيقة، مما يوفر مساهمة لا تقدر بثمن في تاريخ الهندسة الحديثة، وهو الكتاب الذي تمت ترجمته إلى الإنجليزية بواسطة المهندس الإنجليزي دونالد روتليدج هيل عام 1979، كما ترجم أيضا للألمانية.
ووصف الجزري في كتابه، 50 جهازا ميكانيكيا في 6 فئات مختلفة حسب الاستخدام وطريقة الصنع، وكان هذا أساس التصنيفات الأوروبية في عصر النهضة، كما يحوي الكتاب دراسات وأبحاث عن الساعات والآلات الرافعة للماء والأثقال، ويعد من أروع ما كتب في القرون الوسطى عن الآلات الميكانيكية والهيدروليكية.
اختراعات مذهلة
من أبرز اكتشافات الجزري، اختراع عمود الكامات الذي يدور بضغط مكابس المحرك فتتولد قوة دافعة للأمام، وهذه التقنية التي لم تكن معروفة حينها، حيث ساعدت في بناء مضخات مياه دافعة، تمتعت بتقنية الحركة الذاتية من دون قوة دفع حيوانية، ويعد هذا الاختراع، النواة التي بدأت بها صناعة المحركات، ليبدأ عصر النهضة الأوروبية في القرون الوسطى.
كذلك اخترع أدق ساعة شمعية في التاريخ، التي قدمت فكرة ما يعرف اليوم بـ “stop watch” لقياس الزمن الذى تستغرقه عملية ما، حيث احتوت على تقنية الحركة الذاتية، وذلك عن طريق شمعة وضعت على صحن خفيف تحته أسطوانات، وكلما احترقت الشمعة وخف وزنها دفعت الأسطوانات الصحن إلى الأعلى بشكل مستمر.
** اقرأ أيضا: أشهر طبيب مسلم في التاريخ.. كفره الغزالي واتهمه ابن تيمية بالإلحاد
كما ابتكر “ساعة الفيل” التي تعمل عن طريق نظام ماء متدفق في بطن فيل صنع بطريقة رائعة، حيث قام الجزري بتقسيمه إلى 6 أجزاء، كل جزء يحمل عناصر ثقافة معينة: العربية والمصرية والأفريقية والإغريقية والصينية والهندية، وصنعت من تلك الساعة نسخ عديدة وضعت في عدة دول، منها متحف سويسرا المتخصص في تاريخ تطور آلات قياس الوقت، كما توجد نسخة فائقة الدقة في جامعة الملك سعود بالعاصمة السعودية الرياض، وأخرى معروضة في مجمع ابن بطوطة للتسوق في دبي بالإمارات.
كما استطاع المخترع المسلم تقديم اختراعين كانا أساس صناعة الساعات في أوروبا، الأول هو المسننات الدقيقة، والثاني هو ميزان الساعة وهو الجهاز الذي يحافظ على ثبات سرعة دوران المسننات، أي يحافظ على عمل أجهزة الساعة بوتيرة واحدة، مما ساعد لاحقا على ظهور الساعات بشكلها المعروف في القرن الخامس عشر.
وقدم الجزري ابتكارا لفرقة موسيقية تطفو على سطح الماء، مؤلفة من شخصيات عدة، كل واحدة منها تصدر صوت آلة موسيقية معينة، وكانت تلك الآلة مصنعة لتسلية ضيوف البلاط الملكي.
وحتى الآن مازال المهندسين والمخترعين حول العالم ينهلون من المعرفة والعلم الوفير الذي تركه العالم الفذ إسماعيل الجزري، لتصبح اختراعاته ونظرياته نقطة أساسية ومنطلقا للعديد من اكتشافات عصرنا الحالي.