في عام 1860، اختطفت طفلة أفريقية تدعى “ريدوشي” تبلغ من العمر 12 عاما، من المنطقة التي أصبحت حاليا دولة بنين، وقيدت بالسلاسل ووضعت على متن السفينة كلوتيلدا، آخر سفينة عبيد معروفة كانت تنقل الأفارقة قصرا إلى الولايات المتحدة، لتصبح ريدوشي لاحقا، آخر من بقي على قيد الحياة من العبيد الأفارقة في أمريكا.

نظام العبودية ظل معمول به في الولايات المتحدة حتى عام 1865 حيث تم إلغائه رسميا وبشكل نهائي عقب انتهاء الحرب الأهلية، وفرض الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن على كل الولايات الأمريكية تحرير العبيد.

السفينة كلوتيلدا.. آخر سفينة تخصصت في نقل العبيد الأفارقة إلى أمريكا

العالمة هانا دوركين من جامعة نيوكاسيل بإنجلترا، اكتشفت أن ريدوشي كانت آخر شخص ظل على قيد الحياة ممن نقلوا على متن السفينة كلوتيلدا في رحلتها الأخيرة لنقل آخر فوج من العبيد الأفارقة، قبل حظر العبودية في الولايات المتحدة، حيث ظلت ريدوشي على قيد الحياة حتى عام 1937م، بحسب موقع “History” الأمريكي.

قبل هذا الاكتشاف، كان يعتقد أن الأمريكي من أصل أفريقي أولوال كوسولا الذي ألقي القبض عليه في غرب أفريقيا وهو في التاسعة عشرة من العمر وظل على قيد الحياة حتى عام 1935، هو آخر شخص ظل على قيد الحياة من الأفارقة الذين نقلوا على متن السفينة كلوتيلدا، والذي تغير اسمه لاحقا إلى كودجو لويس.

** اقرأ أيضا: الأمريكيون استخدموا الأطفال السود كطعم لاصطياد التماسيح

كان الاثنان، ريدوشي وأولوال من بين مائة طفل ومراهق أفريقي آخرين حملوا قصرا ونقلوا إلى ولاية ألباما على متن سفينة العبيد غير القانونية عام 1860، قبل عام واحد من اندلاع الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية.

ريدوشي كما ظهرت في الفيلم التسجيلي الذي أذيع سنة 1938 بعد عام على وفاتها

تجار العبيد قاموا بإجبار رودشي التي كانت تبلغ من العمر حينها 12 عاما، على الزواج من رجل أفريقي آخر واقع تحت العبودية ولكنه كان يتحدث عدة لغات. بعدها قام التجار ببيع رودشي وزوجها إلى واشنطن سميث مؤسس بنك ألاباما سلما.

في حديث لاحق لها مع ناشطة حركة “الحقوق المدنية” أميليا بوينتون روبنسون، قالت ريدوشي عن هذا الزواج، إنها كانت لاتزال في الثانية عشر من العمر بينما زوجها كان رجل بالغ من قبيلة أخرى ولديه أسرة في أفريقيا، وتابعت بقولها “لم أكن أفهم ما يقول ولم يكن هو يفهم كلماتي، قبل أن يضعونا معا في مكان واحد ويبيعونا سويا كرجل وزجته!”.

** اقرأ أيضا: “نور سر الدين”.. أول مصري هاجر لأمريكا فأحرقه الهنود حيا!

ولمدة خمس سنوات ظلت ريدوشي تعمل في منزل ومزرعة المصرفي سميث في دالاس، والذي أجبرها لاحقا على تغيير اسمها إلى سالي سميث، قبل أن تحمل وتلد طفلتها في عام 1865، حيث لم تكن ريدوشي تبلغ من العمر حينها سوى 17 عاما.

ريدوشي وزوجها في مزرعتهما

بعد إلغاء العبودية، وجدت ريدوشي نفسها مجبرة على البقاء في الولايات المتحدة، فلم يكن هناك وسيلة متاحة بالنسبة لها في ذلك الوقت للسفرة والعودة إلى عائلتها الأصلية في غرب أفريقيا، لذا استمرت في العيش بأحد المزارع في بوجو شيتو بمقاطعة دالاس مع ابنتها، حيث تمكنت لاحقا هي وعدد من العبيد السابقين من تملك 6 آلاف فدان من الأراضي الزراعية في بوجو شيتو وهو المكان الذي قضت فيه بقية حياتها.

الباحثة البريطانية هانا دورنكن، وجدت تفاصيل عن حياة ريدوشي في عدد من المصادر، منها مذاكرات الناشطة أميليا بوينتون روبنسون، وكتابات أخرى غير منشورة للروائية الأمريكية ذات الأصول الأفريقية زورا نيل هيرستون، بالإضافة إلى فيلم تسجيلي قديم أذيع عام 1938 بعنوان “المزارعون الزنوج: توسيع العمل من أجل زراعة أفضل وحياة أفضل”، حيث تقول هانا أن هذا الفيلم، هو اللقطات المصورة الوحيدة التي التقطت للنساء الناجيات من عمليات تجارة العبيد.

** اقرأ أيضا: أماندا ديسكون.. أول مليونيرة من أصول أفريقية في أمريكا

وظهرت ريدوشي في الفيلم الذي أذيع بعد عام من وفاتها، حيث كانت تتكلم عن تجربتها الشخصية في العمل بالمزرعة وبعض الأساليب الزراعية التي تتبعها.

رسمة تخيلية توضح كيف كانت حياة الأفارقة على السفن التي نقلتهم إلى أمريكا قصرا

فيما تقول سيلفيان ديوف، الأستاذة الزائرة بمركز جامعة براون لدراسات العبودية والعدالة بالولايات المتحدة، إن قصة ريدوشي قيمة في حد ذاتها وتستحق الدراسة، ولكنها حذرت من الاهتمام الزائد بالبحث خلف من هو “آخر” من بقيوا من العبيد على قيد الحياة.

وتضيف سيلفيان بقولها “كان هناك العديد من المراهقين والأطفال على متن السفينة كلوتيلدا، ومن الوارد أن يكون بعضهم ظل على قيد الحياة لما بعد وفاة ريدوشي” ولكننا لا نعلم عنه شيئا.