كثير ما نسمع بين الحين والآخر عن بيع لوحات فنية بأرقام فلكية يصعب على الكثيرين تخيلها، مثل لوحة “سلفاتور موندي” للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي التي استحوذ عليها متحف “اللوفر أبوظبي” قبل أشهر بسعر قياسي بلغ 450 مليون دولار!

ومن هنا جاء التساؤل: على أي أساس يحدد الخبراء قيمة الأعمال الفنية مثل اللوحات والتماثيل؟ وما الذي قد يتسبب في ارتفاع سعر لوحة معينة ويجعل قيمة القماش الذي رسمت عليه أغلى من قيمة الذهب والأحجار الكريمة؟!

(لوحة سلفاتور موندي من أعمال الفنان الإيطالي ليناردو دافنشي، واستحوذ عليها متحف اللوفر أبوظبي بعدما بلغ سعرها 450 مليون دولار)

خبيرة اقتصاديات الفن، كلير مكاندرو، تجيب عن هذا السؤال بقولها إن هناك العديد من العوامل التي تؤثر في قيمة العمل الفني في سوق الفنون وتتحكم في سعر اللوحة، ويمكن تقسيم هذه العوامل إلى شقين، الأول يتعلق بالعمل الفني ذاته، والثاني يتعلق بظروف عملية بيع العمل الفني.

فمثلا تلعب شهرة الفنان صانع العمل الفني محل البيع دورا كبيرا في قيمته، حيث يكون هناك تأثير لشهرة الرسام ولحجم التأثير الذي أحدثه في تاريخ الفن وفي تطور الحركة الفنية التي ينتمي إليها، وفي مدى شهرة وتأثير تلك الحركة الفنية في تاريخ الفن وفي سوق الأعمال الفنية.

(لوحة لاعبي الورق، رسمها الفنان بول سيزان عام 1895، وآخر من اشتراها دولة قطر في عام 2011 بسعر بلغ 273 مليون دولار)

ولكن بالرغم من شهرة الفنان صاحب العمل، فإننا قد نجد له عملين، أحدهما له قيمة عالية للغاية والثاني قيمة متواضعة لا تتناسب مع العمل الأول، وهذا يرجع إلى شهرة العمل الفني ذاته في سوق الفن العالمي أو في السوق التي يتوقع أن يتم بيع العمل فيها، فعملا سيباع في أوروبا قد يكون له سعرا مختلفا لو أنه بيع في آسيا، وهكذا.

وتضيف كلير في تقرير لها على موقع “Artsy” المتخصص في الفنون، أن هناك عوامل أخرى قد يكون لها تأثير بشكل أو بآخر على سعر العمل الفني، منها على سبيل المثال، ارتفاع سعر العمل الفني عادة كلما زاد حجمه، ولكن الزيادة في الحجم لا تعني دائما الزيادة في السعر، فهناك حدا معينا للحجم لا يجب أن يزيد العمل الفني عنه، ففي بعض الأحيان عندما يكون حجم العمل أكبر من اللازم من وجهة نظر المشترين المتوقعين، ويشعرون أنه يحتاج إلى مكان خاص لعرضه والاحتفاظ به وهو ما قد لا يتوفر لدى عدد من المشترين، فإن ذلك قد يؤثر سلبا على قيمته السوقية.

(لوحة رقم 5، وهي من أعمال الفنان جاكسون بولوك التي رسمها عام 1950، وآخر من استحوذ عليها المستثمر المكسيكي ديفيد مارتينز حيث بلغ سعرها 164.7 مليون دولار)

كذلك فإن الخامة المصنوع منها العمل الفني يكون لها تأثير ملحوظ على قيمته، فاللوحات الزيتية التي ترسم على القماش مثلا تحصد في الغالب أغلى الأسعار قياسا على غيرها من اللوحات التي ترسم على الورق، ولكن هذا أيضا ليس أمرا مطلقا، فعندما يكون هناك فنان معين مشهورا بالرسم على خامة معينة، ونجد له لوحة مرسومة على خامة مغايرة، يعطي ذلك قيمة إضافية لتلك اللوحة وندرة ترفع من سعرها، حتى ولو كانت خامتها أقل قيمة من الخامة التي اعتاد الفنان الرسم عليها.

ومن العوامل المتعلقة بالعمل الفني ذاته ويكون لها تأثير على قيمته السوقية، التوقيت الذي تم إنتاج العمل فيه، فمثلا الأعمال الفنية التي انتجها بيكاسو في بدايات حياته قبل شهرته، تكون قيمتها أعلى وأكبر من تلك التي رسمها بعدما حظي بالشهرة العالمية.

(لوحة الموناليزا أو الجيوكاندا، من أعمال الفنان الإيطالي ليناردو دافنشي، توجد حاليا في متحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية باريس، وبالرغم من أنها لم تعرض للبيع، إلا أن بعض خبراء الفن يقدر قيمتها بمليار دولار)

هذا بخلاف موضوع اللوحة ذاته ومدى قيمته وتأثيره، وأيضا التقنيات الفنية التي استخدمها الفنان في إنتاج لوحته والأساليب التي اتبعها في عملية الرسم، ومدى تأثير اللوحة على المشاهدين وانطباعهم عنها، ولك أن تعلم مثلا أن اللوحات الفنية الشهيرة التي تتناول شخصيات نسائية يكون سعرها عادة أعلى وأغلى من تلك التي تتناول الرجال!

كذلك يكون لحالة اللوحة ذاتها تأثير على قيمتها، فكلما كانت اللوحة أو العمل الفني بحالة جيدة وصالحة للعرض كلما كان لذلك تأثير إيجابي على سعره، أما اللوحات التي تعرضت للتلف أو الضرر بشكل بالغ فإن أسعارها تتأثر سلبا، بل وفي بعض الأحيان قد يصعب بيعها على الإطلاق.

أما الشق الثاني من العوامل التي تؤثر على سعر وقيمة العمل الفني، وهو ظروف عملية البيع، فمن هذه العوامل على سبيل المثال، تاريخ دار المزادات التي تقدم العمل للبيع، أو تاريخ المعرض المحفوظ فيه العمل الفني، كما يكون للتغيرات الفكرية والاتجاهات الاجتماعية في المجتمع في وقت البيع تأثير على قيمة العمل المادية، فمثلا انخفضت قيمة الأعمال ذات التأثير الديني عندما قل الاهتمام بهذه النوعية من اللوحات، وهكذا.

(لوحة الحلم، رسمها بابلو بيكاسو سنة 1932، وفي عام 2013 قام رجل الأعمال ستيفن كوهين بشرائها بمبلغ 157.9 مليون دولار)