قد لا يعلم الكثيرون أن ظهور التصوير في أوروبا في بدايات القرن التاسع عشر، ارتبط بشكل كبير بفكرة الموت، حيث سرعان ما بات التصوير هو الوسيلة الأكثر فعالية لتخليد ذكرى الميت.

فقد اعتادت العديد من الأسر في أوروبا خاصة في إنجلترا، اللجوء إلى وسيلة لا يمكن وصفها بغير المرعبة بمقاييس اليوم، لتكريم أحبائهم من الموتى، حيث اعتادوا تصوير الميت عقب وفاته مباشرة وهو في كامل أناقته لتذكره بعد وفاته والاحتفاظ بصورته لكي تؤنس ليل محبيه، ومع الوقت بات المصورون يتفنون في طرق إظهار الميت وكأنه على قيد الحياة، حتى لو استدعى ذلك خيط عيني الميت حتى تظل مفتوحتان!

(يسار) صورة لرجل وزوجته يلتقطون صورة مع ابنتهما الشابة التي وافتها المنية بسبب أحد الأوبئة. (يمين) صورة رجل الأعمال والمصرفي الإنجليزي الشهير جورج فايف أنجاس قبل دفنه.

وحفل ما يعرف بالعصر الفكتوري بصور تسجل ممارسات مرعبة، كانت أغلبها مرتبطة بالأطفال الموتى، حيث كان يصعب على أسرهم تقبل فكرة وفاة طفل رضيع أو صبي صغير، فكانوا يسارعون بتصويره قبل الدفن، بحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.

فنجد صورة لأم وهي تتكئ على كتف ابنتها المتوفاة، أو صورة لمتوفي جالس في كامل أناقته على كرسي مسندا رأسه على راحة يده حتى يظهر وكأنه على قيد الحياة، أو صورة عائلية لمجموعة من الأشخاص يتوسطهم شخص مغمض العينين، لأنه ببساطة ميت!

كان من الشائع بالنسبة للعائلات الإنجليزية أن يكون لديها الكثير من الأطفال، ومن الشائع أيضا أن يموت أغلب هؤلاء الأطفال قبل بلوغهن سن الخامسة، ويظهر في الصورة 4 أشقاء يلتقطون صورتهم الأخيرة مع شقيقتهم الصغرى المتوفاة التي تظهر مغمضة العينين.

كما أن الأمر لم يتوقف على البشر فقط، بل اعتادت بعض الأسر التقاط الصور التذكارية مع حيواناتها الألفية قبل دفنها، خاصة الكلاب.

وكانت تتم العديد من الإجراءات قبل عملية التقاط الصورة، حيث يتم تنفيذ عدة خطوات لإظهار المتوفي في أبهى صوره وهو يرتدي أجمل ملابسه على الإطلاق، كما كان يوضع الحلي للمرأة المتوفاة وعمل تسريحة شعر أنيقة لها توحي وكأنها متوجهة لحفلة تحضرها الملكة! ولك أن تتخيل مأساوية عملية التحضير تلك وبشاعتها.

وتقول شبكة “بي بي سي” البريطانية، إن إنجلترا في أوساط القرن التاسع عشر كانت غارقة في الموقت، في ظل انتشار الأوبئة التي كانت تحصد أرواح الآلاف، مثل الدفتيريا والتيفوس والكوليرا، حتى بات للحداد والعزاء موضات خاصة يجب اتباعها وتقاليد لا يمكن فصلها عن الحياة اليومية العادية!

صورة لرجل متوفي تم إجلاسه ووضع رأسه على يده، حوالي عام 1900، كما اجتهد المصور ليظهر الميت مفتوح العينين لإعطاء انبطاع بأنه لايزال حيا

وتضيف أنه نتيجة ترسخ فكرة الموت في عقلية البريطانيين في ذلك الوقت، فقد اعتادوا أخذ خصلات من شعر الميت كتذكار وعمل قطع الحلي منها مثل الخواتم أو رابطة الشعر، كما اعتادوا صنع أقنعة للأموات من الشمع، واعتادوا تجسيد الموت في اللوحات الفنية والتماثيل، وبعد ظهور التصوير بعدة سنوات، وعندما بدأت أسعاره تصبح معقولة، سرعان ما أدخله البريطانيون كوسيلة جديدة لتقديس الموت.

ومع الوقت صارت صور الأموات من الأمور الشائعة والتقليدية في إنجلترا، خاصة في دور رعاية الأطفال، حيث كانت تنتشر الحصبة والحمى القرمزية التي كانت عادة ما تتسبب في وفاة الأطفال، حتى أن بعض الدور كانت تتعاقد مع مصور يعمل لصالحها بشكل دائم لتصوير الأطفال الموتى!

إلا أنه مع شيوع التصوير بشكل أكبر وانتشار الكاميرات الخاصة، وانتشار صور الأحياء بشكل أكبر، بدأ سكان إنجلترا يشعرون بصعوبة كبيرة في تقبل صور آبائهم وأجدادهم الموتى، لتنتهي هذه العادة إلى غير رجعة.

في بعض الأحيان كان يتم وضع قطعة قماش أو قطعة ورق على أين الميت لإعادة رسم العيون لتظهر وكأنها مفتوحة كما في الصورة اليسرى، بينما في بعض الأحيان كان يكتفي المصور بالتقاط صورة المتوفي دون وضع اللمسات اللازمة كما في الصورة اليمنى.
صورة لتوأم أحدهما وافته المنية بينما نجا الآخر من المرض
تم رسم عيني الطفل (يسار) فوق الصورة بعد التقاطها لتظهر وكأنها مفتوحتين، بينما تظهر الطفلة (يمين) وكأنها ذهبت في سنة من النوم أثناء لعبها بالدمى
على اليسار فتاتان تلتقطان صورة مع والدتهما المتوفاة، وفي المنتصف أب يودع طفلته لآخر مرة، وعلى اليمين تجلس أم محتضنة طفلها للمرة الأخيرة
في بعض الأحيان كانت تحرص الأسرة بأكملها لالتقاط صورة مع المتوفي، حيث تظهر فتاة صغيرة متوفاة مستلقية على الأرض، وعلى اليمين صورة لطفل ينظر بعينيه وكأنه لايزال حيا!
الغريب أن بعض الأسر كانت تعتبر وفاة أحد أفراد الأسرة بمثابة الفرصة الوحيدة المسموح فيها بالتقاط صورة عائلية!
تلك العادة الأوروبية الغريبة، سرعان ما وصلت أستراليا، حيث التقطت هذه الصور الثلاث والتي عثر عليها بأحد المكتبات العامة في جنوب أسترالياتلك العادة الأوروبية الغريبة، سرعان ما وصلت أستراليا، حيث التقطت هذه الصور الثلاث والتي عثر عليها بأحد المكتبات العامة في جنوب أستراليا
(يسار) صورة لأربع فتيات تجمعن حول كلبهن الميت حوالي عام 1895، ويظهر قيام المصور بوضع صبغة وردية اللون على خدود الفتيات بعد تحميض الصورة.. (يمين) أم مع رضيعها المتوفي سنة 1854، حيث تعد تلك الصورة من أوائل الصور التي التقطت ضمن هذه العادة المرعبة