احتفل محرك البحث الشهير “جوجل” بالذكرى الـ1038 لميلاد العالم المسلم “ابن سينا” تقديرا لدوره الكبير في الحركة العلمية خلال فترة “العصور الوسطى” حيث تجاوزت أعماله ألفي مؤلف، ويعد أشهر طبيب مسلم في التاريخ.
واشتهر “ابن سينا” بمؤلفاته الهامة في الطب والفلسفة، حيث ظل كتابه “القانون في الطب” يدرس في مختلف جامعات العالم حتى منتصف القرن السابع عشر، أي قرابة سبعة قرون متوالية، وكان بمثابة المرجع الرئيسي لكل من يريد امتهان الطب في ذلك الزمان، حتى أطلق عليه “الشيخ الرئيس” بينما كان يطلق عليه في أوروبا “أبو الطب الحديث”.
وتمكن “ابن سينا” من وصف العديد من الأمراض التي لم تكن معروفة من قبله ولم تكن قد خضعت لأي أبحاث علمية، مثل التهاب السحايا الأولي الذي استطاع وصفه وصفا دقيقا، وكذلك أسباب اليرقان وأعراض حصى المثانة، كما أنه كان أول من انتبه إلى قدرة العلاج النفسي في التأثير على المرضى المصابين بأمراض عضوية، ليصبح نابغة عصره بلا منازع في الطب.
ونتيجة لقيمته العلمية، تحرص عدة شعوب للاحتفال بذكراه، حيث أقيمت له عدة مهرجانات في تركيا وبغداد وإيران احتفالا بذكراه في سنوات سابقة، كما نظمت اليونسكو احتفالية ضخمة عام 1978 بمناسبة مرور ألف عام على ميلاده، كما يوجد تمثال له في أنقره وضريح ضخم في إيران، وتضع طاجكستان صورته على عملتها الرسمية.
إلا أنه وبالرغم من المكانة العلمية الفريدة التي حظي بها ابن سينا المولود في بخارا “بدولة أوزبكستان حاليا” إلا أن كتاباته الفلسفية، أثارت حوله كثير من الانتقادات ودفعت معارضيه إلى الطعن فيه وفي أفكاره، بل وصل الأمر إلى اتهامه بالكفر.
ففي كتاب “الصواعق المرسلة” يقول ابن تيمية عن ابن سينا إنه “الملحد، رأس ملاحدة الملة”، مؤكدا أنه شيعي من أتباع الحاكم بأمر الله، أحد الخلفاء الفاطميين الذين حكموا مصر.
أما الشيخ أبو حامد الغزالي، فقد أفتى بكفر ابن سينا في كتابه “المنقذ من الضلال”، بدعوى أن ابن سينا كان يقول “بقدم العالم ونفى المعاد الجسماني -أي أن الناس لن تحشر بأجسادها يوم القيامة بل بأرواحها فقط”، كما قال الغزالي أن ابن سينا يقول أن “الله لا يعلم الجزئيات بعلم جزئي بل بعلم كلي”.
فيما قال ابن كثير عن الخلاف بين الغزالي وابن سينا في كتابه “البداية والنهاية: “وقد لخص الغزالي كلامه في (مقاصد الفلاسفة)، ثم رد عليه في (تهافت الفلاسفة) في عشرين مسألة، كفره في ثلاث مسائل منهن: وهي قوله بقدم العالم، وعدم المعاد الجسماني، وأن الله لا يعلم الجزئيات، وبدّعه في البواقي”.
بينما انتقد ابن العماد الحنبلي في كتابه “شذرات الذهب” مؤلف ابن سينا الشهير “الشفاء” قائلا إنه اشتمل على “فلسفة لا ينشرح لها قلب متدين”.
وبالرغم من كل هذه الاتهامات.. إلا أن الكثيرين عادوا وأكدوا في كتابات لاحقة أن “ابن سينا” تاب في أواخر أيامه عن أفكاره الفلسفية التي اتهموه بسببها بالكفر.
ويقول ابن خلكان في كتابه “وفيات الأعيان” عن ابن سينا في أواخر أيامه إنه “ضعف جدا وأشرفت قوته على السقوط، فأهمل المداواة -أي امتنع عن تناول الدواء-… ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم على من عرفه، وأعتق مماليكه، وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة” حتى وافته المنية في شهر يونيو من عام 1037 ميلادية في منتصف شهر رمضان، وهو لايزال في الثامنة والخمسين من عمره، ودفن في همدان بإيران حاليا.