تمثل ظاهرة الاعتقاد في الأولياء في المجتمع الإسلامي ظاهرة عميقة وممتدة ومتعددة المظاهر والتجليات في تاريخنا الفكري وواقعنا الاجتماعي والحضاري لكننا مع ذلك لا نراها تحتل مكانتها الطبيعية في البحث العلمي والجهد الثقافي وخاصة في ميدان علم الفولكلور أحد ميادين العلم الحديث.

ويعود هذا إلي أسباب عدة من أهمها أن الخطاب الديني الذي أعاد صوغ أولويات الثقافة العربية الإسلامية وكان في معظمه خطابا ينأي بنفسه بعيداً عما سماه البعض خطابا “أسطوريا عجائبياً” هذه الظاهرة أصبحت في الواقع تشكل نسقاً معرفيا اجتماعياً بل وسياسيا مستمراً وفاعلاً.

تكريم خاص

ويمثل الأولياء في المعتقد الشعبي تلك الفئة من الشخصيات الدينية التي تحظي بتكريم خاص من جانب الناس ولكنها لا تنتمي إلى فئة الأنبياء أو غيرهم من الشخصيات الدينية المقدسة.

وقد ترسخ في الاعتقاد الشعبي فكرة أن الأولياء هم الواسطة بين الإنسان وخالقه، كما يعترف المعتقد الشعبي للأولياء بسلطان لا حدود له ويضفي عليهم بعض الصفات المعجزة الخارقة للطبيعة.

والاعتقاد في الأولياء يشغل مساحة كبيرة لدي الجماعات الشعبية، فالأولياء يجسدون أحلام وآلام واحتياجات هذه الجماعات في مختلف العصور، وقد تعددت الدراسات التي تهتم بموضوع الأولياء ومنها هذه دراسة بعنوان “مظاهر الاعتقاد في الأولياء – دراسة للمعتقدات الشعبية في مصر” للدكتور عبدالحكيم خليل سيد.

المفهوم الشعبي للولي

يرى الصوفية أن الولي هو من يتولي الله سبحانه أمره فلا يكله إلى نفسه طرفة عين، ومن يتول عبادة الله وطاعته فعبارته تجري على التوالي من غير أن يتخللها عصيان وحقيقة الولي عند الصوفية أنه يسلب من جميع الصفات البشرية ويتحلي بالأخلاق الإلهية ظاهرا وباطنا.

ويعتقد الصوفية في الأولياء بأن لهم القدرة على إنزال المطر وشفاء الأمراض وإحياء الموتي وحفظ العالم من الدمار.

ويري آخرون أنهم هم هؤلاء الأشخاص الذين خصهم الله تبارك وتعالى بقدرات خاصة في الطبيعة البشرية يتميزون بها عن غيرهم من الناس تجعل في مقدورهم أداء أفعال إعجازية تعرف بـ”الكرامات”.

وتعتمد دراسة الدكتور خليل على المفهوم الشعبي للولي كمفهوم إجرائي بأنه ذلك الرجل الصالح الذي يتصف بالتقوى والورع والأضاحي في حب الله حتى أصبح معروفا بين أفراد مجتمعه بهذه الصفات.

ثم قام هؤلاء الأفراد بعد وفاته بتداول أخباره وسردها بأسلوب قصصي يوحي للمتلقين بأنها كرامات خاصة بهذا الرجل الصالح ويقوم بعض الأفراد بالتصديق على تلك الحكايات ووصفها بأنها كرامات اختصه الله بها دون غيره.

واتفقوا فيما بينهم على نشر تلك الحكايات وتمجيد هذا الرجل بهدف تخليد ذكراه بين نفوس أتباعه ومحبيه وذلك ببناء مقام أو ضريح له يقصده الناس للتبرك به والتماس بركاته في هذا المكان الخاص به حتى لا يتساوى مع غيره من عامة الناس.

ويتخذ الولي في مجتمعات الدراسة أشكالاً مختلفة فقد يكون شيخا لطريقة صوفية أو درويشاً من الدراويش أو قطبا من أقطاب التصوف أو من الممكن أن يكون المبروك أو المجذوب هو الولي في بعض هذه المجتمعات ولذا يعرض الباحث لهذه التنويعات من المفاهيم التي قد تتفق أو تختلف مع مفهوم الولي.

أشكال مختلفة

الشيخ: وهو من سلك الطريق وتربى على يد شيخ آخر حتى وصل إلى مرتبة تؤهله تربية غيره.

الدرويش: الراهب والمتعبد والزاهد – واللفظة فكرية ومعناها “الفقير” والدرويش الصوفي هو الذي يتبحر في آداب الطريقة وعلومها ويلم بأركانها ومبادئها ويصب نفسه للخدمة العامة فيها.

القطب: قطب من القوم – سيدهم “جمعها أقطاب” ويقصد به عند الصوفية “المتعرف في شئون الكون”، وهو رأي العارفين الذي لا يمكن أن يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتى يقبضه الله ثم يورث مقامه لآخر من أهل العرفان.

المبروك: شخصية لها صفاتها التي قد تجتمع مع الهطل في شخص واحد ولعل ذلك يكون التماس الذي يجمع بين المبروك والأهطل، ومن ثم فقد يحدث بعض الخلط أحياناً في اعتبارهما نموذجاً واحداً غير مميز ويتميز المبروك في المعتقد الشعبي بعدة صفات منها الطيبة ولا يستطيع الإيذاء ولا يضمر في نفسه شراً للآخرين ويعتقد أن دعاءه مستجاب.
المجذوب: بمعني drawn والجذب عند الصوفية حال من أحوال النفس يغيب فيها القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق ويتصل بالعالم العلوي، وهو نمط آخر للشذوذ أو الاختلاف المدعم من قبل المجتمع.

والمجذوب أنواع منها: المجذوب الدرويش: وهو المجذوب الذي تمادى في ممارسته الدينية “الصوفية الشعبية خاصة”، حتى بات مقيما في حاله الانجذاب بشكل دائم، والمجذوب الصرعي: وهو الذي يعاني حالات الصرع والتشنجات التي تحدث له أثناء قيامه ببعض الممارسات الدينية.

اتباع الشريعة

ويرى ابن تيمية “أن أولياء الله تعالى هم الذين اتبعوا شريعته ظاهراً وباطناً وأدوا الواجبات وتركوا المحرمات فمن لم يكن مؤمناً فضلا عن أن يكون ولياً لله حتى ولو حصل له خوارق العادات، أما الذين يدعون الجذب والجنون ثم يرتكبون المحرمات ولا يؤدون الواجبات فانهم لا يعتبرون أهل ولاية الله لأن الجنون مضاد للعقل والتصديق والمعرفة واليقين والهدي”.

وتظهر أهمية هذه الدراسة في أنها تعبر عن ملامح أساسية في الثقافة المصرية واحتفاظها بالمعتقدات الشعبية القديمة والتي تنشأ مع تطور الاقتصاد والحضارة وتتحدد أهميتها في أنها تحاول أن تغطي جانباً يتصل بموضوع الاعتقاد من الأولياء كأحد عناصر الثقافة الشعبية الذي لم يلق عناية كافة.

كما أن رصد موضوع الاعتقاد في الأولياء في إحدى المناطق في مجتمعنا المصري الذي يتعرض لتغيرات بنائية حاسمة يحتم علينا إجراء دراسات ترصد وتحلل وتفسر اتجاهات وأسباب هذا التغير عن طريق الكشف عن ذلك المخزون الثقافي والاعتقادي العميق بغرض الكشف عن جذور هذه الاعتقادات الشعبية الراسخة في نفوس أفراد مجتمع الدراسة وتقديم تحليل نظري وظيفي لطرق ومظاهر الاعتقاد في الأولياء.