خمس دقائق فقط، تتجول فيها بين صفحات الشباب المصري على موقع التواصل الاجتماعي الشهير “فيسبوك”، كفيلة بمساعدتك في التوصل إلى العامل المشترك بين تلك الصفحات، مهما كان عددها، ألا وهو “الاكتئاب”!

فالاكتئاب والقلق والشعور بالحزن والندم، مجموعة من المشاعر السلبية التي تأتي على رأس قائمة طويلة تسيطر على مستخدمي فيسبوك في مصر، خاصة فئة الشباب، وتغلف تدويناتهم وتعليقاتهم والصور التي يشاركونها مع أصدقائهم، وهي ظاهرة خطيرة لم تعد تخفى على أحد.

وبالرغم من أن الكثيرين يهددون بإغلاق صفحاتهم والهروب من تلك الأجواء الباعثة على الاكتئاب، إلا أنهم لا يقدمون على تهديدهم ويبقون للاستمتاع بـ”عذابات السوشيال ميديا”! ومن ينفذ لا يلبث أن يعود لفتح حسابه بعد أيام قليلة بعد أن تحول الأمر إلى “إدمان” لدى أكثر المشتركين، الذين لا يستطيعون العيش بدون تصفح حساباتهم واجترار أحزانهم، حتى وإن كان الشعور بالكآبة هو كل ما سيحصلون عليه.

والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: لماذا يؤدي الـ “فيسبوك” إلى الاكتئاب؟!، وهل هذا شعور متصفحي “فيسبوك” في مصر فقط؟

نكد مصري “أم الأجنبي”

يرى “مخلوف”، وهو رسام كاريكتير شاب يعمل بالعديد من الصحف المصرية، أن سبب كآبة “الفيسبوكيين” المصريين هو اقتصار مشاركاتهم على التجارب السيئة التي يمروا به، والأحداث التشاؤمية التي تصادفهم، والسخرية من كل من يحاول الخروج عن السرب ومشاركة أصدقائه في العالم الافتراضي بخبرة سعيدة مر بها مهما (أكلة أو سيلفي مع أصدقائه أو دورة تدريبية اشترك فيها على سبيل المثال).

ويقول مخلوف في تدوينة له عن هذه الظاهرة: “هي الناس هنا مكتئبة ليه؟ إحنا تقريبا بنتكلم بس عن الحاجات الوحشة اللي في حياتنا وفي السوشيال ميديا، عن الاكتئاب والفلس والحظ الوحش والعلاقات الفاشلة والفيديوهات السخيفة والمطربين أنصاف وأرباع وعديمي الموهبة. وقتها بيكون مدهش ومسلي وبيضحك لكن مع الوقت بنلاقي نفسنا فعلا مكتئبين ومش عارفين السبب!”.

وهو ما دفعه لتشجيع أصدقائه على نشر الأشياء المبهجة في حياتهم مهما بلغت درجة بساطتها عبر هاشتاج (#خمس_حاجات_حلوة).

عدوى الطاقة السلبية

وتبرر خبيرة علم الاجتماع دكتورة هدى زكريا تصدير “فيسبوك” للكآبة بكونه غير مشبع اجتماعيا وعاطفيا، حيث لا يتيح حضور كامل وحقيقي للأشخاص وإنما وجود افتراضي وهو ما يجعل الشخص الذي يقضي يومه متصفحا لـ”فيسبوك” يشعر بالجوع وعدم الإشباع العاطفي ويتفاقم هذا الشعور مع الوقت حتى يصل إلى الاكتئاب.

ودللت على وجهة نظرها بمثال: “كيف سيختلف شعورك إن قضيت عيد ميلادك بصحبة أصدقاء حقيقيين وإن تلقيت معايدات وكعكات وهدايا افتراضية من خلال فيسبوك؟”

فيما يقول أستاذ الطب النفسي بكلية طب القصر العيني دكتور سعيد عبد العظيم إن الاستخدام المتزايد لـ”فيسبوك” الذي يصل إلى حد الإدمان يؤدي للتدهور النفسي بمختلف صوره ومن بينها الاكتئاب وتنامي الشعور بالوحدة والانعزال عن المجتمع الخارجي، إضافة لانتقال الطاقة السلبية المنتشرة من شخص لآخر.

وأشار إلى أنه بالإضافة لمشاعر الاكتئاب والعزلة يتعامل الأطباء النفسيين مع حالات مرضية بشكل يومي ناتجة عن إدمان الـ”فيسبوك” الذي يفتح الباب للخيانات الزوجية والانحرافات السلوكية وتجارة الجنس وغيرها من الكوارث.

ونصح بأن يكون الاستخدام اليومي للفيس بوك في حدود المعقول بحيث لا يؤدي لأية مشاكل، قائلا إن الإكثار من أي شيء يؤدي لنتائج عكسية.

كلنا في النكد سواء

ويبدو أن الأمر لا يقتصر على شعب بعينه فسواء كنت تشارك بالأخبار السيئة أو المفرحة عبر صفحتك على فيسبوك، فالاكتئاب سيعرف طريقه إليك، حيث كشفت دراسة أمريكية حديثة صادرة عن مدرسة الطب بجامعة “بيتسبرغ” عن الارتباط الواضح بين الاستخدام واسع المدى لوسائل التواصل الاجتماعي والاكتئاب.

وفسر الباحثون ذلك بعدة أسباب من بينها أن التعرض للصور المثالية التي يرسمها الأشخاص عن أنفسهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤدي لإشعال مشاعر الحسد والاعتقاد الخاطئ أن الآخرين يعيشون حياة أكثر سعادة ونجاحا.

كما أن الانخراط في أنشطة عديمة الجدوى على صفحات التواصل الاجتماعي يمكن أن تولد شعورا بإضاعة الوقت والذي بدوره يؤثر بشكل سلبي على الحالة المزاجية، بالإضافة للاحتمالات المتزايد للإصابة بإدمان الإنترنت والذي يرتبط بشكل وثيق بالاكتئاب، وأخيرا وليس آخرا أن قضاء وقت أطول على مواقع التواصل الاجتماعي يزيد من خطر التعرض للمضايقات الإلكترونية أو غيرها من الأمور السلبية التي يمكن أن تؤدي في النهاية للشعور بالاكتئاب.

أجازة واقعية

وأمام هذه القائمة من المؤثرات السلبية التي يتلاقاها مستخدمي الفيسبوك، بات من الضروري الحصول على إجازة من مواقع التواصل الاجتماعي، إجازة حقيقية واقعية، وليس إجازة افتراضية كما هو حال كل شيء يحدث عبر هذه الصفحات، إجازة تمكنك من العيش بشكل طبيعي بعيدا عن كل هذه المشاعر والضغوط، وتساعدك على الاستمتاع بكل المميزات والصفات التي حصلت عليها في حياتك.