لا شك أن فريدا كاهلو واحدة من أكثر الشخصيات المعروفة في تاريخ الفن المكسيكي، إذ تحولت إلى علامة تجارية عالمية، بدءاً من ظهور صورتها على الهدايا التذكارية و”الحُلي” في المتاجر السياحية بالمكسيك، إلى وجودها على دمى باربي العالمية، ولكن أخيراً اكتشفت مكتبة الصوت الوطنية المكسيكية شيئاً لم يكن معروفاً من قبل، لتضيفه إلى أسطورة فريدا.

وجدت المؤسسة المكسيكية ما تعتقد أنه التسجيل الوحيد المعروف لصوت فريدا كاهلو، وتشير التقديرات إلى أن التسجيل تم ما بين عامي 1953 و1954 أي قبل وفاتها مباشرة، وهو جزء من حلقة تجريبية لبرنامج الإذاعة المكسيكية “El Bachiller”، والذي تم بثه في العام 1955.

وتواصل السلطات المكسيكية التحقيق فيما إذا كان هذا التسجيل هو في الحقيقة صوت كاهلو أم لا؟، وقال بافيل جرانادوس، المدير الوطني لمكتبة الصوت الوطنية في المكسيك، في مؤتمر صحفي “إن صوت كاهلو كان الأكثر طلباً من قبل الزائرين”، مضيفًا “أن صوت فريدا كان دائماً لغزاً كبيراً، إذ لم يُعتقد أن هناك تسجيل صوتي لها”.

حياة مليئة بالمعاناة

قصة فريدا كاهلو، مليئة بالمعاناة الجسدية والعاطفية، فهي رسامة مكسيكية ولدت باسم ماغدالينا كارمن في أحد ضواحي كويو كان، بمكسيكو سيتي في 6 يوليو 1907، لأب مهاجر يهودي ألماني وأم من أصل مكسيكي، أصيبت بشلل الأطفال في السادسة من عمرها، فتأذت رجلها اليمنى، وخلّف ذلك إعوجاجاً بساقها، فتأثرت نفسياً حتى أنها لم تستطع ارتداء الفستان في حياتها إلا مع الجوارب الصوفية خلال فصل الصيف، وذلك حتى تخفي إعاقتها.

في 17 سبتمبر 1925 كانت فريدا على متن حافلة اصطدمت بالترام، ونتج عن ذلك دخول سيخ حديدي في فخذها ليخرج من الناحية الأخرى، فعانت من كسورٍ في العمود الفقري والحوض بقيت بسببها في مستشفى الصليب الأحمر في مكسيكو سيتي لأسابيع، حتى عادت إلى المنزل لتبقى فيه طريحة الفراش لمدة عامٍ كامل.

حاولت أمها بشتى الطرق أن تريحها وتمدها بالسعادة فوفرت لها سريراً متحركاً ومرآةً ضخمة في سقف غرفتها، فكانت فريدا ترى وجهها طوال الوقت، فبدأت في استخدام ريشة الرسم والألوان وشرعت يومياً في رسم صورتها، حتى أصبحت شغوفةً بالرسم رغم عدم دراسته أكاديمياً.

زواجها الفني المضطرب

تزوجت فريدا من الرسام المكسيكي دييجو ريفيرا في العام 1929، وعلى رغم أنه كان يكبرها بـ20 عاماً، إلا أنه أحبها وشجعها كثيراً، ولكنهما تطلقا في 1939 بسبب خيانة ريفيرا المتكررة لها، لدرجة أنه خانها مع أختها الصغرى كريستينا، لكن لم يطل طلاقهما فقد عادا إلى بعضهما في العام التالي بحياة زوجية منفصلة جسدياً، بعد أن تعرضت للإجهاض أكثر من مرة.

ازدادت مشاكل فريدا الصحية في العام 1950، بعد أن أصيبت بـ”الغرغرينا” في قدمها اليمنى، حيث قضت تسعة أشهر في المستشفى خضعت خلالها لعدة عمليات، حتى بتر الأطباء جزءاً من ساقها اليمنى.

وفي أبريل 1954 دخلت في نوبة اكتئاب بسبب مرضها هذا وحاولت الانتحار، كما عادت إلى المستشفى بعد شهرين إثر إصابة بالالتهاب الرئوي، قبل أن تتوفى في 13 يوليو 1954 بعد أسبوعٍ واحد من الاحتفال بعيد ميلادها الـ47 بسبب انسدادٍ رئوي، وقيل إن السبب الرئيسي ربما يكون محاولة انتحار.

أعمال فنية

اشتهرت فريدا برسم لوحات لنفسها، فمن بين لوحاتها الـ143 هناك 55 منها رسم ذاتي لها، وكانت رسوماتها تنبع من تجربتها الخاصة مع المعاناة والألم، فالنقاد يصنفون أعمالها ضمن الاتجاه السريالي، لكنها  تقول في سيرتها الذاتية: “لم أرسم أبداً أحلاماً، بل أرسم واقعي الحقيقي فقط”.

من أشهر أعمالها، لوحة The two fridas، والتي رسمتها في العام 1939، وفيها نرى شخصيتين مختلفتين لفريدا، واحدة ترتدي زياً مكسيكياً تقليدياً مع قلبها المكسور، بينما الأخرى تجلس في فستان عصري معبرة عن اليأس والوحدة التي تعرضت لها بعد انفصالها عن دييجو. في اللوحة ينزف دم فريدا على ثوبها الأبيض، وكأنه سيظل كذلك حتى الموت، بينما السماء عاصفة بالغيوم كدلالة على الاضطراب الداخلي لها.

ألهمت حياة كاهلو العديد من السينمائيين والكتّاب، إذ تم إنتاج فيلمين مشهورين عن حياتها، كما كتُبت عنها العديد من المقالات والكتب والأفلام الوثائقية، بما في ذلك “سيرة فريدا كاهلو” لمؤرخة الفن الشهيرة هايدن هيريرا عام 1983، وهو واحد من أكثر الكتب مبيعاً.

وفي العام 2002 ، حقق فيلم آخر بعنوان “فريدا” والذي جسدت فيه سلمى حايك شخصيتها، أكثر من 50 مليون دولار أمريكي، وحصل الفيلم على جائزتي أوسكار.

منزلها الأزرق

اليوم وبعد مرور أكثر من 65 عاماً، يظل منزل فريدا الأزرق مفتوحاً كمتحف للزائرين، وهو المكان الذي أمضت فيه الرسامة الشهيرة ساعات لا تحصى في حديقتها، حيث كانت تُعتبر مصدراً للراحة والإلهام الفني.

البستاني الذي احتفظ بالنباتات التي رعتها كاهلو وزوجها يقول “لا تظهر الحديقة ونباتاتها فقط في لوحات كاهلو والصور الفوتوغرافية التي التقطت لها، لكنها أيضاً كانت تزين نفسها بزهورها، لذلك فنحن نحاول زراعة أكبر عدد ممكن من النباتات التي لعبت دوراً في حياتها وفنّها”.

المنزل يعكس الأذواق الأوروبية، كما أن تخطيطه حول الفناء المركزي مستمد من العمارة الإسبانية المغربية، كما أن الحديقة تعج بالنباتات المشذبة والمستوردة مثل الورود والنخيل، وتم استبدال العديد من النباتات غير الأصلية بمجموعة من الأصناف الاستوائية والصحراوية في المكسيك، بما في ذلك الصبار، واليوكا، والقنب.