هل تريد صناعة فيلم ديني مبهر؟ عليك أولا أن تختار قائد مغوار، حياته مليئة بالانتصارات والحروب، ولن تجد أفضل من سيف الله المسلول “خالد بن الوليد”، فقد ألهمت تلك الشخصية الإسلامية الفريدة العديد من السينمائيين لتقديمها، وكانت البداية عام 1958 مع الفنان حسين صدقي، وهو الفيلم الذي لم يعد أحد يتذكره رغم الجدل الكبير الذي أثاره قبل وأثناء تصويره.

صراع بين صدقي وشوقي

حظي فيلم “خالد بن الوليد” بالعديد من العقبات قبل وأثناء تحضيره، وكانت البداية مع نشوب خلاف بين الفنان فريد شوقي وحسين صدقي حول تقديم الفيلم، فقد طلبت القيادة السياسية متمثلة في أنور السادات من فريد شوقي، أن يصنع فيلما عن الكفاح المصري في بورسعيد بعد العدوان الثلاثي عام 1956، بناءً على رغبة الرئيس جمال عبد الناصر، لينتج فيلم “بورسعيد” لكنه لم يحظ بالنجاح المتوقع، فأراد أن يبحث عن سيناريو جديد يستطيع تعويضه عن النجاح الذي لم يحققه، ليقع اختياره على قصة حياة القائد المسلم “خالد بن الوليد”.

واجتمع كلا من نجيب محفوظ، السيد بدير، والشاعر بيرم التونسي، لكتابة الفيلم، وأسند الأخراج لنيازي مصطفي وأحمد بدرخان، وفى نفس الوقت، كان حسين صدقي يستعد لتقديم نفس الشخصية، لعلمه بأن رجال الثورة يحبون التشبه بالرموز الإسلامية.

وقالت مجلة روز اليوسف في عددها الصادر فى نوفمبر 1958، “أن كلا الفنانان قدما قصتهما إلى مصلحة الفنون للحصول على تصريح لبدء التصوير، إلا أن مصلحة الفنون والرقابة على المصنفات اكتشفت تشابه القصة وخاصة فى المشاهد الخاصة بمغامرات خالد بن الوليد العاطفية قبل إشهار إسلامه، ورفضت التصريح بظهور شخصية خالد بن الوليد على الشاشة، واستندت الرقابة في رفض التصريح للفيلم إلى موقف الأزهر من تصوير شخصيات إسلامية على الشاشة، وظل الأمر معروضا على وزير الإرشاد القومي، إلا أن الفنان حسين صدقى لجأ إلى الشيخ أحمد الشرباصي لمراجعة نص السيناريو الذي كتبه حسين حلمي المهندس وعبد العزيز سلام، وبمشاركة الشيخ الشرباصي، تم تعديل النص الذي وافقت عليه الرقابة، فانتصر حسين صدقي وسحب ترخيص فيلم فريد شوقي”.

وحاول السادت إرضاء فريد شوقى، ووعده بأنه سوف يحاول أن يقنع حسين صدقى بالإنتاج فقط، وأن يؤدي فريد شخصية “خالد بن الوليد” لكن صدقي رفض مقترح السادات.

عقبات الإنتاج

لم تتوقف التعقيدات عند هذا الحد، حيث يذكر أن الفنانة ماجدة كان من المقرر أن تشارك في الفيلم لكنها اعتذرت وقامت برد العربون إلي حسين صدقي، كما أن صدقى سافر إلي اغيطاليا ليعرض دور ” ليلي الرومانية” على صوفيا لورين وجينا لولو بريجيدا، لكن كل منهن اشترطت مبلغا ضخما للمشاركة فى البطولة، وصل إلى نصف مليون دولار، فاستبدلهما بالفنانة مريم فخر الدين لتقارب ملامحها من الملامح الأوروبية.

وكان من المقرر توزيع الفيلم خارجيا إلا أن قرارات التأميم التي قام بها جمال عبد الناصر كبدت حسين صدقي خسائر مالية جسيمة منعته من ذلك، فخلال إنتاج الفيلم سافر صدقي إلي لندن للإشراف على إعداده بمعامل وتهام الإنجليزية، لكنه لم يستطع حينها الحصول على تأشيرة الدخول من القاهرة، فسافر إلى بيروت وحصل عليها من هناك، واصطحب معه فى تلك الرحلة المصور وديد سري، وسمحت لهما السلطات الإنجليزية بالإقامة أسبوعًا كاملًا، وهناك سنحت لهما الفرصة للتعرف على معامل التحميض السينمائية ودورة إنتاج الأفلام الأجنبية من إنجليزية، وفرنسية، وإسبانية، وإيطالية وغيرها، إلا أن كل هذا ذهب سدا، ولكن بقت نسخة من الفيلم بمعامل لندن.

آراء النقاد حول الفيلم

يرى النقاد بأن فيلم “خالد بن الوليد” الذي من المفترض أنه يجسد قصة حياته ومعاركه بعناية شديدة وإتقان للأحداث، لم يفعل صناع الفيلم ذلك، بل ابتعدوا عن القصة الحقيقية في أغلب أحداث الفيلم، خاصة في مشهد الوفاة الذي قام حسين صدقي بتأديته بطريقة مبالغ فيها، فلم يكن “خالد بن الوليد” فى الحقيقة يصرخ ويهلل مثلما فعل “صدقي”، بل أجمع العلماء على أن “خالد بن الوليد” توفي على فراشه قائلا مقولته الشهيرة: ” لقد شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي.. حتف أنفي، كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء”، لكن في الفيلم أضافوا كلمات وأفعال من المفترض أنها على لسان “خالد بن الوليد” مثل صياح حسين صدقي وقيامه بالجري داخل الغرفة قائلا: “أين سيفي سأحمل اللواء إلى النصر أريد أن أموت في ساحة المعركة”.

يذكر أن فيلم “خالد بن الوليد” هو الفيلم الوحيد الذي أوصى حسين صدقي أولاده بعدم حرقه بعد مماته، ورغم استمرار تجسيد تلك الشخصية الإسلامية على الشاشات العربية إلا أن تلك التجربة ستظل ذات بريق خاص، ومن المحتمل أيضا أنك لم تحظى برؤيته مسبقا، لكننا وفرنا عليك مجهود البحث، وأحضرناه إليك لتشاهده في الرابط التالي: