عادة ما يتم الربط بين الشعب المصري وخفة الظل، فالقدرة على استخلاص الضحكة من أحلك المواقف سمة بارزة في شخصية المواطن المصري، وربما تكون أداته الأهم للتعامل مع مشكلاته وتخفيف أثرها عليه، فالضحكة الساخرة تنطلق بداية من سخريته من ذاته ومرورًا بأحواله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ووصولًا لكافة الشخصيات البارزة والتي لها دورًا في المجال العام بما فيهم شخص الحاكم، ومع امتداد الرصيد الحضاري لمصر نجد أن السخرية حاضرة بشكل واضح في تاريخها، وللسخرية من الحكام تحديدًا جذر يعود لمصر القديمة وعصر الأسرات.

كانت أداة المصري القديم لحفظ تاريخه هي النقش والرسم على جدران المعابد، ومن خلالها استطاعنا التعرف على إنجازاته وانكسارته وهزائمه وانتصارته، بالإضافة إلى ملامح سخريته، فحين أراد الفنان القديم أن يسخر من ملوكه اتخذ القرود أداة لذلك، ورسم صورًا هزلية لأسرة الملك أمنحتب الثالث من الأسرة الثامنة عشرة بعد أن مسخه على شكل قرد ورسم أولاده على هيئة نسانيس صغيرة، وفقًا لما ذكره “وليم نظيم” في كتابه عن الثروة الحيوانية في مصر القديمة.

وبنفس الأسلوب استمرت السخرية في عهد الملك أمنحتب الرابع، حيث عثر في عاصمة حكمه تل العمارنة على صورة تمثل الملك إخناتون وأفراد أسرته في عجلة يجرها جواد وابنته تستحث الجواد على السير بعصاة من الخشب في يدها، وحين أراد المصريون السخرية من الملك نقلوا الصورة السابقة لكن بعد أن استبدلوا شخصياتها بالقردة.

وفي أحيان أخرى لجأ الفنان المصري القديم إلى الرمزية لإيصال رسائله، فعلى قطعة فخار مستوية قادمة من عصر الدولة الحديثة، رسم أحدهم ملك الفئران وهو يعتلي مركبته الحربية، ويقود جيشه من الفئران المسلحين بالرماح والأقواس، ليقوموا بالهجوم على قلعة تدافع عنها القطط، ولشدة شراسة الجندي الفأر تتوسل القطط طلبًا للرحمة!

وإذا أردنا فهم المقصود من تلك المعركة الدائرة بين القطط والفئران علينا العودة إلى الأدب الشعبي القديم، حيث كان يرمز بالقط إلى الحاكم، وبالفأر إلى الشعب، والذي صوره القصص القديم على أنه دائمًا ما يكون نحيل الجسم، وينتصر في معاركه مع القطط بواسطة الحيلة والدهاء، في إشارة واضحة على قوة الشعب في وجه الحاكم المستبد وأعوانه.

إذا فالفرعون لم يسلم من الانتقاد، والسخرية منه كانت ثقافة مصرية قديمة، والحيوانات كانت أداة المصري القديم الأثيرة للتعبير عن رأيه في حكامه، سواء بطريقة مباشرة أو رمزية، وعاشت تلك الثقافة الأصيلة حتى الآن.