مرت مئة عام على ثورة 1919، وهي الثورة التي كان سعد زغلول أحد قادتها البارزين. الثورة التي غيرت الكثير من تاريخ مصر الحديث.

ربما طويت صفحة الثورة بدستور 23، أو بعدها بقليل، مع توقيع معاهدة الجلاء، وربما استمرت آثارها إلى حتى سنة 1952 عند ثورة يوليو. لكن آثار سعد زغلول قد استمرت أكثر من مجرد سنوات، وستبقى موجودة لسنوات طويلة.

ولكن ماذا تبقى من هذا الإرث؟

ضريح

توفي سعد زغلول في 23 أغسطس 1927، ودفن في مقبرة بالامام الشافعي، لكن الحكومة اجتمعت في نفس اليوم برئاسة عبد الخالق باشا ثروت، وقررت تخليد ذكرى الزعيم سعد زغلول وبناء ضريح ضخم يضم جثمانه على أن تتحمل الحكومة جميع النفقات.

اكتمل تنفيذ مشروع البناء في عهد وزارة إسماعيل باشا صدقي عام 1931، وكان من خصوم سعد زغلول، فحاول جعل الضريح الضخم لشخص واحد واقترح تحويل الضريح إلى مقبرة كبرى تضم رفات كل الساسة والعظماء، ولكن صفية زغلول الملقبة بـ “أم المصريين” وزوجة سعد زغلول رفضت بشدة هذا الاقتراح وأصرت على أن يكون الضريح خاصا بسعد فقط، وفضلت أن يظل جثمانه في مقابر الإمام الشافعي إلى أن تتغير الظروف السياسية وتسمح بنقله في احتفال يليق بمكانته التاريخية كزعيم للأمة.

ظل سعد باشا في مقبرته لمدة تسعة أعوام تقريباً، حتى جاء العام 1936 ومعه تشكلت حكومة جديدة من حزب الوفد برئاسة مصطفى باشا النحاس، وقتها طلبت أم المصريين نقل جثمان سعد باشا إلى الضريح الذي أقيم بشارع الفلكي والذي يطل عليه بيت الأمة.

حدد النحاس باشا يوم 19 يونيو في العام 1936 للاحتفال بنقل رفات زعيم الأمة، وبالفعل تم لف جسد الزعيم الراحل في أقمشة حريرية ووضعوه في نعش جديد، وحُمل النعش على عربة عسكرية تجرها 8 خيول واخترق موكب الجنازة للمرة الثانية القاهرة من الإمام الشافعي حتى وصل إلى موقع الضريح بشارع الفلكي وكان قد أقيم بجواره سرادق ضخم لاستقبال كبار رجال الدولة والمشيعين من أنصار سعد وألقى النحاس باشا كلمة مختارة في حب زعيم الأمة.

شوارع وميادين

تمتليء جمهورية مصر العربية بعدد كبير من الشوارع المسماة باسم الزعيم الراحل، لكن أشهرها في منطقة السيدة زينب، وكذلك في الهرم. أما خارج القاهرة الكبرى، فيوجد شارع بالإسكندرية يحمل نفس الاسم، وكذلك في مدينة دسوق، والتي يرى أهلها أن شارع سعد زغلول هو أشهر شارع يحمل اسم الزعيم في مصر كلها.

أما الميادين فهي كثيرة أيضاً، لكن ميدان سعد زغلول في محطة الرمل بالإسكندرية هو الأشهر على الإطلاق.

حزب

حزب الوفد أسسه سعد زغلول، وجاءت فكرة تأسيسه عندما قرر الزعيم في العام 1918 تشكيل وفد مصري للسفر إلى لندن للتفاوض مع الحكومة البريطانية حول جلاء القوات الإنجليزية، وتشكل بالفعل الوفد المصري الذي ضم كل من سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وأحمد لطفي السيد وآخرين، وأطلقوا على أنفسهم الوفد المصري وقاموا بجمع توقيعات من أصحاب الشأن وذلك بقصد إثبات صفتهم التمثيلية.

اعتقل سعد زغلول ونفي إلى مالطة هو ومجموعة من رفاقه في 8 مارس 1919 فانفجرت ثورة 1919 في مصر. بقي حزب الوفد حزباً للأغلبية فترة طويلة، حيث تولى عدد كبير من رموزه الوزارة معظم الوقت منذ العام 1924 وحتى العام 1952، على الرغم من الانشقاقات التي ضربت صفوفه، وكذلك الحرب الشرسة التي مورست ضده من القصر الملكي.

بعد ثورة يوليو ابتعد حزب الوفد قليلاً وتوارى عن الأضواء لفترات طويلة، واستمر هكذا تضربه الانشقاقات، وآخرها انشقاقات حدثت خلال الشهور القليلة الماضية بين جبهات عادة ما تعمل في غير صالح وحدة الحزب.

متحف

بدأ الزعيم سعد زغلول في بناء بيته الخاص في منتصف العام 1901 بمنطقة المنيرة، واستكمله في أوائل العام التالي، ثم انتقل للعيش فيه في أبريل سنة 1902، وسجل سعد زغلول في مذكراته، تكلفة ما أنفقه على بناء المنزل، إذ بلغ آنذاك 4296 جنيهاً و460 مليماً.

سمى بيته بـ”بيت الأمة” في أثناء ثورة 1919، حيث استضاف سعد وزوجته صفية زغلول العديد من الرموز السياسية في اجتماعات شكلت ملامح مصر في هذه الفترة. وبعد وفاة سعد ومن بعده صفية زغلول، قررت الحكومة المصرية تحويل المنزل إلى متحف قومي يخلد المقتنيات والأثاث والأدوات الخاصة بزعيم الأمة وزوجته أم المصريين.

وتكلفت عملية تحويل المنزل إلى متحف حوالي 3 ملايين و270 ألف جنيه مصري، وهو يضم أثاثاً فرنسياً من طراز حقبة لويس الخامس عشر، وأثاثاً عربياً مطعماً بالعاج، ومقتنيات فنية بينها 12 لوحة زيتية لكبار الفنانين التشكيليين، منهم: يوسف كامل ومحمود حسين، فضلاً عن مقتنيات شخصية للزعيم الوطني الراحل والتحف النادرة التي كان يعشقها.

يقع المتحف على مساحة 3080 متراً مربعاً، ويتكون من ثلاثة طوابق، وأربع عشرة غرفة، تحتوي على 750 قطعة من مقتنيات المنزل.

أقوال خالدة

“مفيش فايدة” جملة نُسبت إلى سعد زغلول، وقيل إنه قالها لأنه أدرك أن لا أمل في تحقيق انتصارات سياسية على الاستعمار، ولكن تبدو الرواية غير دقيقة، حيث يقول الكاتب الصحفي الراحل حافظ محمود إن سعداً ربما قالها لزوجته أثناء إعطائه مزيداً من الدواء لأنه لا يبدو أنه يأتي بأية نتيجة واضحة، بل وأن حالته كانت تزداد سوءاً، فيما ينفي البعض تلك الرواية وغيرها، والمؤكد أن جملة “مفيش فايدة” جملة عادية يقولها الشعب المصري كثيراً، ومن الممكن أن تقال في أي مناسبة.

لكن جملة كـ”الحق فوق القوة.. والأمة فوق الحكومة” وهي الشعار الرئيسي لحزب الوفد ثابتة، وهي تعتبر أشهر أقواله، تعبيراً عن قوة القانون وقوة الشعب وكبر مكانته حتى بالمقارنة مع الحكومة.