يظل حلم دخول الكعبة والصلاة داخلها والمشاركة في غسلها، أكثر الأحلام التي يهفو إليها المسلمون في جميع بقاع الأرض، خاصة مع اقتراب موسم الحج وبدء أداء المناسك.

وحاليا يتم غسل الكعبة مرة واحدة في العام وبالتحديد في شهر المحرم، بعدما كانت تغسل سابقا مرتين في شهري شعبان والمحرم، وتتم عملية الغسل إما بحضور خادم الحرمين الشريفين أو من ينيبه والذي يكون غالبا هو أمير منطقة مكة المكرمة، وسط متابعة إعلامية كبيرة وبحضور عدد كبير من المشاركين.

ويعتقد الكثيرون أن المشاركة في غسل الكعبة أمرا مقصورا على فئات محددة أو أشخاص بعينهم، إلا أن الواقع خلاف ذلك، حيث أن هناك كثيرون من الأشخاص العاديين الذين يأتون من مختلف بلدان العالم، والذين يتمكنوا من المشاركة في الغسل، خاصة وأنه لا يوجد نص في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريف يجعل دخول الكعبة المشرفة مقتصر على فئة معينة دون أخرى.

ولكن ما هي إجراءات المشاركة في هذا الحدث الشريف؟!

تبلغ المساحة الإجمالية للكعبة من الداخل 120 مترا، وهي مساحة صغيرة لا يمكن أن تستوعب أكثر من 30 شخصا في وقت واحد، وبالرغم من ذلك يتم السماح بمشاركة 500 فرد في غسل الكعبة، يتم إدخالهم على دفعات.

ويتم اختيار الـ500 فرد المشاركين عبر 4 جهات مختلفة، وهي: الديوان الملكي السعودي، الرئاسة العامة لشؤون الحرمين، إمارة مكة المكرمة، سدنة بيت الله الحرام، حيث تحصل كل جهة من الجهات الأربع على جزء من دعوات المشاركة الـ500، تقوم بتقديمها إما لشخصيات بعينها كهدايا، أو تقديرا لدورها في مجال خدمة الإسلام، أو لمن يطلبها.

وهناك فئات محددة تشارك بشكل ثابت سنويا من ضمن الـ500، مثل سفراء الدول العربية والإسلامية، وبعض من سدنة بيت الله الحرام وعلى رأسهم كبير السدنة، وعدد من المسؤولين في رئاسة الحرمين من بينهم رئيس الرئاسة، وبعض مسؤولي إمارة مكة يتقدمهم أمير المنطقة.

إلا أن هذه الفئات لا تستهلك الدعوات الـ500 كاملة، حيث أن عددها لا يتجاوز نصف الدعوات غالبا، ويظل النصف الآخر متاح للجميع.

ويؤكد سدنة بيت الله الحرام، حاملي مفاتيح الكعبة، أنهم يحصلون على 100 دعوة فقط من أصل 500، يقومون بتقديم بعضها لضيوفهم والباقي لأول من يتقدم بطلب لدخول الكعبة والمشاركة في الغسل.

وسبق لكبير السدنة أن أكد أنه يتم منح دعوات المشاركة في غسل الكعبة لمن يطلبها بالأسبقية، دون تمييز، ولا يطلب السدنة من الراغبين في المشاركة بغسل الكعبة سوى تقديم صورة من جواز السفر تثبت أن مقدم الطلب مسلم الديانة.

وهي نفس الطريقة في الغالب التي يجري بها توزيع الدعوات في الجهات الأخرى، حيث يتم تخصيص بعضها لشخصيات بعينها كهدايا، بينما تتاح الأخرى لمن يتقدم بطلب المشاركة في الغسل شريطة أن يكون مسلم الديانة.

ولكن تتميز إمارة مكة بأنها صاحبة الموافقة النهائية على المشاركين، حيث ترسل الجهات الثلاث الأخرى أسماء من حصلوا على الدعوات للمشاركة في الغسل، ثم تقوم الإمارة بدورها بالموافقة على تلك الأسماء، ونادرا ما ترفض الإمارة بعض الأسماء وتمنعهم من المشاركة في الغسل، وتكون اعتبارات الرفض غير معلنة في العادة.

وفور الحصول على الموافقة النهائية من إمارة مكة المكرمة بالمشاركة في الغسل، يحصل صاحب الدعوة على بطاقة لونها أحمر، لكي يبرزها عند سلم الصعود أمام باب الكعبة المشرفة، حيث لا يسمح لأحد بعبور الحاجز الأمني الذي يتم فرضه حول الكعبة لتأمين عملية الغسل دون أن يكون حاملا لهذه البطاقة.

وتبدأ مراسم غسل الكعبة بطواف المشاركين في عملية الغسل حول الكعبة 7 أشواط، واستلام الحجر الأسود، ثم أداء ركعتي الطواف، بعدها يتقدم كبير سدنة بيت الله الحرام إلى باب الكعبة ويخرج مفتاح الكعبة ويفتحه إيذانا ببدء عملية الغسل.

في البداية تبادر الشخصية الرسمية التي ترعى عملية الغسل بالدخول أولا، والتي تكون عادة خادم الحرمين الشريفين أو أمير منطقة مكة المكرمة، ثم يقوم بأداء ركعتين فوق لوح من الرخام موضوع في المكان ذاته الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة، وهو لوح موجود تجاه الحائط الجنوبي بالقرب من الركن اليماني.

بعدها يتم إخراج أواني مطلية بالفضة مملوءة بماء زمزم مخلوط بدهن عطر الورد الطائفي ويتم إحضار مقشات مصنوعة من سعف النخيل ومساحات خشبية وقطع كبيرة من القماش والمناديل البيضاء التي تستخدم جميعها في عملية الغسل، ويشارك راعي عملية الغسل بشكل رمزي ثم يخرج، لتبدأ عملية مشاركة باقي الأفراد الـ500 في الغسل.

وتبدأ تلك العملية بغسل أرضية الكعبة وتدليك جدرانها بماء الورد ثم تدليك الجدران بدهن العود المعتق ودهن الورد الطائفي، ثم يتم إشعال المباخر بأنفس أنواع البخور من خشب العود، وهي آخر خطوة في عملية الغسل، لتظل رائحة المسك والعود والبخور تملأ الكعبة المشرفة طوال العام.