“الحاجة أم الاختراع”.. هي القاعدة الإنسانية التي تعامل من خلالها بني البشر مع احتياجاتهم؛ فكان اكتشاف النار من أجل الحماية، وكان اختراع الطيران من أجل السفر والانتقال السريع.

أما الحمام الزاجل فاكتشف الإنسان قدرته على إيصال رسائله مع بداية العمران، لا سيما مع فترات الحصار، حيث أنه الوحيد القادر على اختراقه.

وتقول التوراة أن أول من استخدمه في توصيل الرسائل من مكان إلى آخر هو النبي “نوح” -عليه السلام-، وذلك عندما أطلقه ليبحث عن الأرض التى يستطيع أن يرسو عليها بسفينته، وقام الحمام بهذه المهمة التاريخية خير قيام، إذ عاد وهو يحمل غصن زيتون، ومن هنا أصبح الحمام وغصن الزيتون رمزا للسلام.

فيما يروي رئيس الاتحاد المصري لسباق حمام الرسائل محمد العباسي أن الفراعنة هم أول من استخدموا هذا النوع في نقل الرسائل، حيث وجدت نقوش وآثار تدل على هذا الاستخدام.

واستخدم اليونان الحمام أثناء الألعاب الأولمبية، فكان كل من المصارعين يحمل معه إلى ميدان الألعاب حمامة إذا استطاع الفوز علق في عنقها قطعة من الأرجوان -زهرة شديدة الحمرة- وأطلقها فتبلغ عند أهله في اليوم ذاته، فيعلم أهله بنبأ فوزه.

وقد استخدم الحمام الزاجل لأول مرة في الأغراض الحربية عام 24 ق.م عندما حاصرت جيوش القائد الروماني ماركوس أنطونيوس، قوات القائد بروتس، في مدينة “مودينا”، إلا أن اكتافيوس الثالث كان على اتصال دائم مع بروتس للاطلاع على صموده ضد الحصار من خلال الرسائل التي كان يرسلها له بواسطة هذا الطائر.

ويعود تاريخ أول استخدام للعرب خلال القرن الثاني للهجرة، فيما تشير كثير من المصادر أن السلطان صلاح الدين الأيوبي أشهر من استخدم الحمام الزاجل، وذلك أثناء حصار عكا من قبل ملوك أوروبا، كما استخدمه الأيوبيون من بعده خاصة في حرب المنصورة التي هُزم فيها الصليبيون.

أما السلطان نور الدين زنكي حاكم حلب، فأنفق في سبيل هذا النوع من الحمام أموالاً طائلة، فهو أول من بنى له أبراجاً، وأقام لها نظاراً وحراساً يراقبون طيرانه ووصوله يومياً، واستمرت تلك الأبراج موجودة بشكلها السابق في الوطن العربي إلى أوائل القرن العشرين، حتى تحولت إلى الشكل المعروف حالياً.

وفي الحربين العالميتين الأولى والثانية استخدم الحمام الزاجل بكثافة لنقل الرسائل خاصة في أوقات انقطاع الاتصال نتيجة اشتداد المعارك، وأنشأ الفرنسيون أماكن لتربية الحمام في مختلف معكسراتهم الحربية لأهميته، وانتشرت الكثير من القصص حول الإنجازات التي حققها الحمام الزاجل في هاتين الحربين لقدرته على قطع مسافات طويلة وإيصال العديد من الرسائل التي كانت مصيرية في أغلب الأحيان.

ويُسمى الحمام الزاجل بأسماء عدة، فهو “حمام الرسائل” أو “حمام البطاق”. ويسميه المصريون من غواة التربية، “حمام المراسلة”، وأصله من إفريقيا، وخصوصاً في دول السودان وليبيا والجزائر.

والحمام الزاجل حمام هجين بين الحمام البري (الجبلي) وأنواع أخرى من الحمام المستأنس ذي التكوين الجسماني الجيد العضلي، وكانت بلجيكا من أوائل الدول التي قامت بتهجين هذا النوع من الحمام الذي يمتاز بقصر القامة وامتلاء الصدر والمنقار المتوسط الطول والأعين الواسعة والجفون الرقيقة.

ووفقاً لكثير من الكتابات، فإن هناك أكثر من 1000 سلالة للحمام الزاجل، وتنقسم إلى سلالات للمسافات الطويلة منها “جانسن بروس، وستاف دوسارديان، وموريس دلبر، وروبرت فينوس، ولويس بيبرمان، وريموند هيرميس، وفان هاستن ديسكامب”، وكذلك توجد عدة سلالات للمسافات المتوسطة، ومنها “كورنيل هورمانس، وجيرد كوبمان، وستاف فان ريت، ولويس فان لون، وجوست هوفكين، وكارل مولمينز، وجان جراندلير، وهوبن، وهوسكين فان ريل، وديسمت ماتيس”.

ولعل أغرب ما شاهده تاريخ الحمام الزاجل هو دعوى رفعت ضد إقامة سباق له في مصر عام 2006، نظراً لانتشار أنفلونزا الطيور وقتها!