ارتبطت العديد من الآبار الموجودة في المدينة المنورة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يتبق من تلك الآبار سوى بئر واحدة تاجر بها الصحابي عثمان بن عفان تجارة رابحة مع الله، ولا زالت مياهها تتدفق حتى الآن والمعروفة باسم بئر “رومة”.

وتعود قصة “بئر رومة” التي كانت ملكا لرجل من المدينة المنورة اسمه “رومة الغفاري”، يبيع ماءها للعطشى مقابل “الشعير” ولو كان بمقدار كف اليد، حتى يستيطع إطعام أسرته، عندما قدم المهاجرين إلى المدينة، كانوا يشعرون بالضيق من الماء التي يشربونها كونهم تعودوا على شرب ماء زمزم في مكة المكرمة.

وعندما استنكر المهاجرون طعم الماء، قيل لهم إن ماء “رومة” قريب الطعم من ماء زمزم، فجاءوا إلى الرسول وأخبروه بضيقهم وأن هناك بئرا تسمى بئر رومة في المدينة طعمه يشبه إلى حد كبير طعم ماء زمزم، فذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صاحب البئر وطلب منه شرائها مقابل “عين في الجنة”، إلا أن الرجل رفض كونها مصدر الرزق الوحيد له ولأسرته.

وأطلق النبي الكريم نداء بعد رفض صاحب البئر بيعها قال فيه: “إن من حفر بئر رومة له الجنة”، وهو ما دفع عثمان بن عفان للمسارعة بالذهاب إلى صاحب “رومة” وأخبره أنه يريد أن يشتري منه البئر مناصفة، فيكون يومًا للمسلمين ويومًا له يبيع منه.

ووافق “رومة الغفاري” على عرض عثمان بن عفان، فأصبح الناس يشربون جميعا في يوم عثمان الذي كان مجانا، وفي يوم “رومة” لا يشتري أحد الماء، فذهب صاحب البئر إلى عثمان وطلب منه أن يشتري البئر كاملة، فوافق عثمان واشتراها مقابل 35 ألف درهم وجعلها صدقة للمسلمين.

ولأن القصد والغاية من عثمان بن عفان كانت مرضاة لله، فقد استمرت هذه التجارة حتى يومنا هذا، وأثمرت البئر أشجارا وتمور ومزارع ومباني وحدائق، وأصبحت مزرعة كاملة في أراضي المدينة المنورة تسمى بـ”مزرعة عثمان بن عفان” تدر من أرباح ما تحول إلى حساب بنكي في البنوك السعودية.

ويتم حاليا ببيع تمر المزرعة في الأسواق وما يأتي منها من إيراد يوزع نصفه على الأيتام والمساكين والنصف الآخر يوضع في حساب خاص في البنك باسم “عثمان بن عفان” تديره وزارة الأوقاف السعودية.

وتقع بئر “رومة” في العقيق الكبرى شمال غرب المدينة، على بعد خمسة كيلو مترات من المسجد النبوي، ونصف قطرها 4 أمتار وعمقها 12 مترا، والبئر غزيرة الماء وماؤها عذب صاف للغاية.

وتعتبر البئر تراثا إنسانيا، إذ تتدفق منذ ما يزيد على 1400 عام، وقد ظلت البئر عامرة بالماء طوال التاريخ الإسلامي وكانت العناية بها قائمة حتى قبل خمسين عاما حيث كانت المزرعة المجاورة لها عامرة وبها حديقة للحيوانات وكان أهل المدينة يخرجون إليها للتنزه.