كان انتقال السلطة في مصر لسنوات طويلة، انتقال دموي بمعنى الكلمة، لا يتم إلا بحد السيف بعد سلسلة منن المؤامرات والخيانات، خاصة في العصور الوسطى أيام حكم دولة المماليك بشقيها، البحرية والجراكسة.

وكان صعود ومقتل السلطان توران شاه، ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب، آخر سلاطين الدولة الأيوبية في مصر، واحدا من قصص انتقال السلطة العنيف التي تكررت كثيرا وبشكل اعتيادي في تلك الفترة، إلا أن المختلف فيها، هو أن مقتل توران شاه كان مزيجا من عدة وسائل دموية للتخلص من الشاب الذي لم يجلس على عرش مصر سوى شهور معدودة.

وفاة الملك الصالح

خرج السلطان نجم الدين أيوب للقاء الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع في معركة المنصورة الشهيرة، إلا أن مرضه اشتد عليه، ووافته المنية قبل القتال، فأخفت زوجته “شجر الدر” خبر وفاته وقالت إن السلطان مريض وأن الأطباء منعوا زيارته، ثم اتفقت مع أمراء المماليك على وضع خطة حربية للقاء الصليبيين.

في الوقت ذاته، أرسلت “شجر الدر” إلى توران شاه تطلب منه أن يأتي على وجه السرعة إلى مصر ليتسلم الحكم بعد أبيه، وكان توران شاه حينها يحكم مدينة تعرف بـ”حصن كيفا” -تقع في تركيا حاليا.

وقبل وصول توران شاه، استطاع المسلمون تحقيق نصر كبير على الحملة الصليبية في موقعة المنصورة، والتي قادها كل من ركن الدين بيبرس وفارس الدين أقطاي، في 8 فبراير 1250.

تولي مقاليد الحكم

فور وصوله إلى مصر تولى توران شاه مقاليد الحكم، وأعلن رسميا عن وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب، ليصبح ابنه سلطانا على مصر والشام.

واقعة المنصورة لم تقض على الحملة الصليبية بشكل نهائي، وكان لابد من ضربة أخرى تنهي آمال الحملة في الاستمرار، وهي الواقعة التي شهدتها منطقة “فارسكور”.

واستطاع الجيش المصري حينها بقيادة توران شاه الذي وضع خطة محكمة، أن يقضي على الجيش الصليبي بشكل كامل، أسفرت عن أسر الملك لويس التاسع وحبسه في دار “ابن لقمان”.

أزمة الحكم

يقول الدكتور قاسم عبده قاسم في كتابه “عصر سلاطين المماليك”، إن توران شاه فشل في مواجهة التحديات التي فرضتها الظروف التاريخية في تلك الفترة، وبدلا من تكريس جهوده لتوحيد المسلمين للقضاء على الخطر الصليبي تماما، انشغل بالتخلص من زوجة أبيه “شجر الدر” وكبار أمراء المماليك، مما خلق حوله كثير من العداوات في وقت قياسي.

فقد اتهم “شجر الدر” بالاستيلاء على أموال أبيه، فخافت منه وفرت إلى مدينة بيت المقدس، كما كان يحسد المماليك على المكانة التي حققوها لأنفسهم بفضل انتصارهم الكبير في المنصورة وفارسكور، وسيطر عليه شعور بأنهم يزاحمونه في حكم البلاد.

وتحكي المصادر التاريخية أن توران شاه كان فتى “عنيف الأهواء، ورث عن أبيه الكآبة والكبرياء مما نفر منه أمراء المماليك”، ووصف أحد المؤرخين هذا السلطان بقوله “كان سيء التدبير والسلوك”، كما حكى مؤرخون آخرون أنه كان يسكر في الليل ويهذي بأنه سوف يقتل كل زعماء المماليك، فنقل الخدم هذه الأخبار إلى المماليك فعرفوا نواياه وقرروا التخلص منه قبل أن يتحرك ضدهم.

نهاية سريعة

عندما قرر أمراء الممليك ضرورة التخلص من آخر السلاطين الأيوبيين في مصر، تم تنفيذ المؤامرة بأيدي أربعة من كبار الأمراء على رأسهم الأمير بيبرس البندقداري الذي سيصبح لاحقا السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس.

وفي صباح يوم الاثنين، 2 مايو 1250، كان تورانشاه يتناول طعام الإفطار، وبعد أن فرغ من طعامه في الخيمة السلطانية بفارسكور تقدم نحوه ركن الدين بيبرس وضربه بسيفه ضربة تلقاها بيده فقطعت أصابعه.

حاول توران شاه الهرب، فجرى ليحتمي ببرج خشبي في معسكره على شاطئ النيل، فأضرم المماليك النار في البرج فنزل يجري صوب النيل والسهام تنهال عليه من كل جانب، فرمى نفسه في الماء، ولحقه أقطاي وقتله، ويقول المقريزي إنه بذلك مات “جريحا غريقا محترقا”.

وكانت نهاية توران شاه، هي السطر الآخير في حكم الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين في مصر والتي لم يكتب لها أن تستمر سوى قرابة 76 عاما.