للمقطم مكانة تاريخية كبرى، كما أن له مكانة دينية لدى أصحاب الأديان السماوية الثلاثة. فيقول شمس الدين بن الزيات في كتابه “الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة” إن جبل المقطم كان أكثر الجبال أشجارًا وأنهارًا، فلما كانت الليلة التي كلم فيها الله سبحانه وتعالى، موسى (عليه السلام)، أوحى إلى الجبال بأنه يكلم نبيه على إحداها، فتواضع كل جبل وتصاغر وأهدى بشيء مما فيه نظير أن يكون جبل طور سيناء هو الأبهى والأجمل، إلا جبل المقطم، فقط جاد بكل ما فيه.

فيما يذكر مؤرخو العصور الوسطى من المسلمين أن لجبل المقطم قداسة خاصة عند مسيحيي العالم، إذ يقول القضاعي أن سيدنا عيسى (عليه السلام) مر هو وأمه مريم العذراء على هذا الجبل في رحلتهما إلى مصر، فقالت مريم “يا بُني مررنا بجبال كثيرة ما رأينا أكثر أنوارًا من هذا الجبل”، فرد المسيح عيسى بقوله “يا أماه يدفن هنا أمة من أمة أحمد أخي، فهذا الجبل غراس الجنة ورياضها”.

أما مكانته لدى المسلمين فكبيرة للغاية، يكفي أن كثيرًا من الزهاد والمتصوفين الذين عاشوا خلال فترات الدول الإسلامية المتعاقبة على مصر، لجأوا إليه كمأوى لممارسة زهدهم وتعبدهم، حتى أن أغلبهم قد دفن فيه، وصار له مقامًا.

من هؤلاء عمر بن الفارض وعبدالله بن الحارث وعبيد بن حذافة وأبو بصرة الغفاري وعقبة بن عامر ومسلمة بن مخلد الأنصاري والشريف الهاشمي والأشراف من آل طباطبا وذو النون المصري وابن الحسن الديبوري والإمام ورش المدني.

وقيل أيضًا إن المقطم بن بيصر بن مصر بن حام بن نوح هو من سمي على اسمه الجبل، حيث كان عبدًا صالحًا، بل وقيل إنه كان يتعبد في هذا الجبل، وهذه رواية مشكوك في صحتها، لأنه لا توجد مصادر تاريخية متواترة تؤكد أن من بين أبناء نوح ولد اسمه المقطم.

فيما يذكر المقريزي في تاريخه أن سبب تسمية الجبل، أن مصرايم بن حام بن نوح، ملك مصر أراد استخراج معدن الذهب والزبرجد والفيروز، وغير ذلك من المعادن الموجودة في مصر بطريقة الصنعة (أي الكيمياء)، فكلف رجلاً يقال له مقيطام الحكيم، كان يعمل في الكيمياء في الجبل الشرقي فسُمي به، واختصر من اسمه وبقي ما يدل عليه فقيل له جبل المقطم.

مكانة جبل المقطم للمسلمين لم تتوقف عند ذلك فقط، ولكنها كانت مكانة أمنية أيضًا.

فيحكي الإمام الليث بن سعد أن المقوقس عظيم مصر، سأل عمرو بن العاص أن يبيعه جبل المقطم مقابل 70 ألف دينار، فكتب بن العاص بذلك إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)، فرد عليه الفاروق قائلا “سله لما أعطاك ما أعطاك فيه وهو لا يزرع ولا يستنبط منه ماء”. فسأل بن العاص، المقوقس عن ذلك، فرد “نجد في سفحه في الكتب القديمة أنه يدفن فيه غراس الجنة”، فرفض أمير المؤمنين طلب المقوقس، ربما رغبة منه في تأمين حدود القاهرة.