برغم أن الدولة الفاطمية في مصر استمرت لقرابة مائة عام متواصلة، إلا أن طوال هذه المدة لم يفح الفاطميون في إقناع المصريين بتغيير مذهبهم واعتناق مذهب حكامهم.

وبالرغم أيضا من أن الفاطميين نقلوا إلى المصريين الكثير من العادات الاحتفالية والأكلات الجديدة، إلا أن المصريين لم يستجيبوا لعمليات المنع والتحريم التي كان يفرضها الفاطميون لأسباب مذهبية على بعض الأطعمة، مثل الملوخية والأرانب وغيرها.

وكعادة المصريين ضد حكامهم إذا ما تعرضت البلاد للظلم والجور، فقد أخذ المصريون في إغاظة الفاطميين عبر التمادي في تناول تلك الأطعمة الممنوعة، كنوع من أنواع المعارضة ووسيلة للتعبير عن رفضهم لسوء الأوضاع.

حكم تناول الأرانب

مال البعض في عصور متقدمة لتحريم أكل الأرانب، استنادا إلى واقعة رفض النبي صلى الله عليه وسلم لتناولها قائلا إنها “تدمي” -أي تحيض- حيث قال عندما قدمت له “لا آكله ولا أحرمه”.

فيما يرى جمهور علماء السنة، أن أكل الأرانب حلال، لما روي عن البخاري ومسلم من أن أنس بن مالك رضي الله عنه صاد أرنبا وأعطاها لأبي طلحة “فذبحها فبعث بوركها وفخذيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم” فقبلها الرسول وتناولها ولم يرفضها، لذا فهي حلال عند المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة.

أما الشيعة، فيقولون بحرمة الأرانب تحريما باتا، بدعوى أنها من “جملة الممسوخات”، وهم يحرمون أكل لحوم الممسوخات بإجماع فقهائهم، والممسوخات لدى الشيعة هي مجموعة من الحيوانات حددوها بالاسم ومنعوا أكلها، منها الفيل والدب والخنزير والقرد والوطواط وغيرها.

محرمات العصر الفاطمي

ومن جملة المحرمات في العصر الفاطمي، كانت الأرانب التي منع الفاطميون المصريين من ذبحها وتناولها استنادا لتحريمها طبقا للمذهب الشيعي.

وبالرغم من هذا التحريم القاطع، إلا أن المصريين لم يتوقفوا عن تناول الأرانب أو الملوخية، كانوا يطبخونهما معا وهي الأكلة الشهيرة المعروفة حتى الآن “ملوخية بالأرانب”، كما أننا نجد رسومات وزخارف تجسد الأرانب في العديد من القطع الفنية الأثرية التي تعود للعصر الفاطمي في مصر!

وترى بعض الآراء، أن الفنانيين المصريين تعمدوا رسم الأرانب وتصويرها في العصر الفاطمي كنوع من أنواع المعارضة من الشعب ضد حكامه وسياساتهم الظالمة، حيث سعى الفنان المصري لإغاظة الفاطميين بشكل ذكي للتعبير عن عدم رضاه عنهم، حتى ولو تمثلت تلك المعارضة في رسومات فنية على قطع صنعت خصيصا ليقتنيها الفاطميون أنفسهم.