تزخر كتب التاريخ، خاصة عن فترة مصر الإسلامية، بالعديد من الأدلة التي تشير إلى استخدام مواد بناء المعابد والأهرامات الفرعونية في إقامة مساجد ومنازل أقيمت في العصور اللاحقة، وهي عملية أشبه ما تكون بعملية “تدوير” للأثر.

ومن أشهر هذه الأدلة، ما ذكره المقريزي في كتابه “المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار”، من أن الأمير بهاء الدين قراقوش، قام بهدم مجموعة من أهرامات الجيزة الصغيرة ونقل حجارتها لبناء قلعة صلاح الدين وسور مصر الذي لم يكتمل، قبل أن يكتشف أن نقل تلك الأحجار كل هذه المسافة مجهد ومكلف، ويقرر الاستعانة بحجارة من جبل المقطم.

كما شهدت أطلال مدينة هليوبوليس -عين شمس- عملية نقل واسعة لأحجار مبانيها خلال العصر الفاطمي حيث استخدمت في بناء سور القاهرة والعديد من المنازل والقصور والمساجد داخل المدينة.

ويرى بعض الأثريين إن المسلمين لم يتعمدوا هدم المباني الأثرية القديمة بدليل وجود العديد منها على حالته حتى الآن، وإنما استعانوا بأحجار المباني التي كانت في حكم الأطلال وقت وجودهم في مصر ونقلوا حجارتها المهدمة وأعمدتها للاستفادة بها في مبانيهم الجديدة.

ومن بين هذه المباني التي شهدت عملية “تدوير” للآثار، مسجد “المرداني” بمدينة دمنهور في محافظة البحيرة، حيث يعد ثاني أقدم مسجد في المحافظة بعد مسجد التوبة الذي بناه عمرو بن العاص.

ويعود تاريخ مسجد المرداني إلى العصر المملوكي، حيث بناه على نفقته الخاصة الأمير علاء الدين الطنبغا، وكان من كبار أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون، كما بنى مسجد آخر في منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة لازال يحمل اسمه إلى الآن.

وتقول بعض المصادر إن الأعمدة التي أقيم عليها المسجد من حجر الجرانيت، وتعود للعصر الفرعوني، حيث تم اقتلاعها من معبد للمعبود “حورس” بدمنهور القديمة ونقلها إلى المسجد، وكانت هذه الأعمدة مليئة بالنقوش والكتابات الهيروغليفية التي تمجد “حورس”، وهو ما دفع البنائين لتغطية هذه النقوش لاحقا بمواد البناء لإخفائها.

ويتميز المسجد بجمال عمارته المملوكية، وبالرغم من ذلك به بعض اللمسات العثمانية، حيث تم تجديد المسجد في العصر العثماني، فيما انطلقت العديد من النداءات مؤخرا لمطالبة وزارة الآثار بالتدخل لإعادة ترميم المسجد نتيجة حالته السيئة وانتشار المياه الجوفيه على جدرانه ما يهدد بتضرره.