يذكر لنا تاريخ مصر الإسلامية، العديد من المواقف اللافتة التي شهدها المسلمون في سنواتهم الأولى على أرض مصر، عقب فتحها على يد عمرو بن العاص.

ومن بين هذه المواقف، قصة رفض المسلمون إلقاء “عروس النيل” في النهر عندما تأخر منسوب النيل عن الزيادة المعتادة كل عام.

ويحكي لنا المؤرخ المصري أبو القاسم بن عبدالحكم، في كتابه “فتوح مصر وأخبارها”، عن هذا الموقف قائلا، إن أهل مصر توجهوا إلى عمرو بن العاص بعد الفتح، وأخبروه إن نهر النيل لا يفيض وتزيد مياهه لتروي الأرض في شهر “بؤونة” -الشهر العاشر من شهور السنة المصرية- إلا إذا ألقوا فيه “عروس النيل”.

وقالوا له إنهم اعتادوا في مثل هذا الشهر من كل عام، وبالتحديد في اليوم الثاني عشر منه، أن يختاروا فتاة بكر، ويلبسونها الحلي والثياب الثمينة، ثم يلقونها في النيل.

فرفض عمرو بن العاص تنفيذ ما طلبوه، وقال لهم “إن هذا لا يكون في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما قبله”.

إلا أن المفاجأة كانت أن نهر النيل لم يزد كما هو الحال كل عام، وتأخرت الزيادة ثلاثة أشهر كاملة، حتى بدأ القلق يساور المصريين وخشوا من أنهم قد يتعرضون لجفاف شديد يتحول إلى مجاعة وقحط، فبدأ بعضهم يستعد للرحيل بحثا عن مكان آخر يقيم فيه، معتقدين أن النهر سوف يتوقف تماما عن الجريان نتيجة رفض المسلمين لإلقاء عروس النيل.

فما كان من عمرو إلا أن كتب إلى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، يخبره بما دار بينه وبين أهل مصر، وما وصل إليه الحال من جفاف النيل، ويستشيره فيما يجب عليه فعله، فرد عليه الخليفة قائلا “قد أصبت، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي”.

وعندما وصل رد الخليفة إلى عمرو بن العاص، فتح تلك الرسالة الخاصة التي أمره عمر بن الخطاب أن يلقيها في نهر النيل، فوجد مكتوب فيها: “من عبدالله أمير المؤمنين، إلى نيل مصر. أما بعد، فإن كنت إنما تجري من قِبَلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك”.

وعلى الفور، ألقى عمرو بن العاص البطاقة في نهر النيل، وترقب المصريون ما سيحدث، وهم يستعدون للجلاء عن منازلهم، وبعد ليلة واحدة، فوجئوا بالمياه تجري في نهر النيل، وقد تعالت إلى مستوى يضمن لهم الخير لمدة عام كامل، فعادوا إلى مساكنهم فرحين وقد اطمئنوا إلى أن النيل باق وستبقى مياهه جارية، وكان ذلك نهاية عهد مصر باحتفال “عروس النيل”.